إنذار أميركي بشأن الغوطة الشرقية... وروسيا تتمسك بالتهجير

إنذار أميركي بشأن الغوطة الشرقية... وروسيا تتمسك بالتهجير

13 مارس 2018
مهجرون من الغوطة (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -


في وقت كانت فيه روسيا والنظام السوري يسعيان لاستثمار تقدّمهما في الغوطة الشرقية لدمشق ونجاحهما في تقسيم المنطقة إلى ثلاثة أجزاء، وفيما ترددت معلومات عن دفع الروس إلى مفاوضات منفصلة إزاء مصير كل منطقة من المناطق الثلاث ونفت الفصائل انخراطها فيها، جاء تطور بارز من مجلس الأمن الدولي بطرح الولايات المتحدة أمس مشروع قرار لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً في الغوطة، بالتوازي مع إطلاق واشنطن تحذيراً واضحاً للنظام من أنها مستعدة للتحرك إذا تقاعس مجلس الأمن، في رسالة بدت موجّهة أولاً لروسيا، التي عمدت على فترات طويلة لعرقلة أي مشروع في الأمم المتحدة لا يخدم مصالح نظام الأسد، قبل أن تمتنع عن استخدام حق النقض (الفيتو) القرار 2401 الذي دعا لهدنة إنسانية في سورية لثلاثين يوماً، وذلك بعدما أدخلت تعديلات عليه جردته من أي صفة إلزامية وجعلته أقرب إلى توصية، قبل أن تعمد إلى نسف كل ما ورد فيه من خلال عدم الالتزام ببنوده.

وعرضت الولايات المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن أمس، مشروع قرار جديداً يطلب وقف إطلاق نار لمدة 30 يوماً في الغوطة الشرقية. وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، أمام المجلس، إن القرار 2401 الذي اعتمده المجلس قبل أسبوعين "فشل"، مضيفة "لقد قمنا بصياغة مشروع قرار جديد لا يسمح بأي التفاف" عليه. وأكدت أنه "آن الآوان للتحرك". وحذرت هايلي النظام السوري من أن "الولايات المتحدة ما زالت مستعدة للتحرك إذا تعين ذلك"، مضيفة أنه عندما يتقاعس مجلس الأمن عن التحرك بشأن سورية "فهناك أوقات تضطر فيها الدول للتحرك بنفسها". في المقابل، جاء كلام المندوب الروسي، فاسيلي نيبينزيا، خلال جلسة الأمس، متوقعاً، إذ كرر الحديث أن موسكو والنظام "عملا على تسهيل دخول المساعدات إلى الغوطة"، وعلى " فتح معابر لخروج المسلحين والمدنيين"، متحدثاً عن "حق النظام ضمان عدم تحوّل ضواحي دمشق إلى مرتع للإرهابيين". كما اتهم "جبهة النصرة وحلفاءها بخرق القرار 2401 في مناطق مختلفة". وفي السياق، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من الهند، أن "التنازلات التي قدمتها روسيا أولا والنظام السوري وحلفاؤهما الإيرانيون، ليست كافية ميدانياً". وجدد القول إن بلاده مستعدة للقيام بضربات إذا وجدت "أدلة قاطعة" على أن الأسلحة الكيميائية استُخدمت للقتل في سورية.

وجاءت جلسة مجلس الأمن، فيما كانت روسيا والنظام تسعيان لاستغلال التقدّم العسكري في الغوطة لدفع الفصائل العسكرية في المنطقة لتوقيع اتفاقيات تهجير، غير أن الفصائل نفت التفاوض مع روسيا لإخراج مقاتليها من الغوطة المحاصرة. بالتزامن مع ذلك، وفي ما بدا استباقاً لأي اتهام دولي للنظام وموسكو باستخدام الأسلحة الكيميائية في حربهما على الغوطة، روجت وسائل إعلام روسية، أمس، أنباء عن العثور على "ورشة للمسلحين في الغوطة تستخدم في إنتاج أسلحة كيميائية"، في محاولة لتحميل المعارضة المسؤولية عن ذلك.

ولم يقتصر تحرك روسيا والنظام على محاولة توظيف التقدّم في الغوطة، بل سارعا لتوجيه رسائل إلى محافظة درعا، بقصف استهدف بلدات عدة فيها، هو الأول من نوعه منذ دخول المنطقة ضمن اتفاقيات "خفض التصعيد"، وذلك في ما بدا كتحذير للمعارضة بعد معلومات عن تحضير الأخيرة لفتح جبهة في الجنوب السوري ضد النظام والمليشيات الموالية له لتخفيف الضغط عن الغوطة.

وتواصل القصف المدفعي والجوي، أمس، على المدن والبلدات في شمالي وجنوبي الغوطة، مع محاولة من قوات النظام لقضم مزيدٍ من المناطق بعد سيطرتها على نصف المساحات التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة.
وقال الناشط محمد الشامي لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام قصفت بالمدفعية الثقيلة الأحياء السكنية في مدينة سقبا، ما أسفر عن جرح عشرة مدنيين على الأقل. وطاول القصف العديد من المناطق في مدينة حرستا ومدينة دوما ومحيط مدينة عربين وبلدة جسرين موقعاً أضراراً مادية جسيمة، وذلك بعد يومٍ شهد مقتل خمسة وخمسين مدنياً وجرح العشرات، بينهم أطفال ونساء، في مختلف أنحاء المنطقة المحاصرة، جراء قصف مدفعية النظام والطيران الروسي. من جهته، قال المجلس المحلي في دوما إن المدينة تواجه وضعاً كارثياً مع تحولها لملاذ لآلاف الفارين أمام تقدم قوات النظام. وأضاف المجلس، في بيان، أن آلاف الأسر تمكث في العراء، بالشوارع والحدائق العامة، بعد امتلاء الأقبية والملاجئ بما يفوق طاقتها.

وبعد تقطيع القوات المهاجمة لأوصال الغوطة الشرقية، وفصل ثلاث مناطق عن بعضها، فتحت قوات النظام، أمس الإثنين، محاور جبهاتٍ جديدة مع فصائل المعارضة، في وسط الغوطة نحو مدينة عربين، وفي جنوبها الشرقي عند بلدة الافتريس، محاولة قضم مزيدٍ من المناطق في الغوطة.
وباتت الغوطة الشرقية حالياً مقسّمة إلى ثلاثِ رُقَعٍ جغرافية، أولها شمال الغوطة، ومركز هذه الرقعة مدينة دوما، حيث معقل "جيش الإسلام"، وثانيهما جنوب الغوطة أو ما كان يعرف بالقطاع الأوسط، ويضم عدة مدن وبلدات، أشهرها عربين، حمورية، كفربطنا، سقبا، عين ترما وصولاً إلى حي جوبر، وتُعتبر هذه المناطق معاقل لـ"فيلق الرحمن"، فيما فُصلت مدينة حرستا (غرب الغوطة) بالكامل عن محيطها، وهي مركز حركة "أحرار الشام" في الغوطة، وباتت محاصرة من كل جهاتها، من دون أي اتصالٍ جغرافي مع المنطقتين المذكورتين شمال وجنوب الغوطة. وتقول مصادر المعارضة في الغوطة، إنها خسرت كل هذه المساحات نتيجة سياسة الأرض المحروقة التي تتّبعها القوات المهاجمة، إذ تعتمد الأخيرة على استخدامٍ مكثفٍ للقوة النارية، قبل تقدّمها في المناطق التي سويت بالأرض.


جاء ذلك في حين روجت روسيا أنباء عن وجود مفاوضاتٍ تبحث في إجلاء مقاتلي الفصائل من الغوطة، لكن "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" نفيا ذلك، وإن كان "جيش الإسلام" أكد التوصل لاتفاقٍ برعاية الأمم المتحدة لإخلاء جرحى من الغوطة.
وذكرت "قاعدة حميميم العسكرية" الروسية، أمس، أن "مركز المصالحة الروسي" عقد لقاء مع قيادة "فيلق الرحمن" في الغوطة، وطالبه بالنأي بالنفس عن "جبهة النصرة"، وبحث معه مستقبل عناصر الفيلق، مشيرة إلى عقد لقاء عن طريق وساطة أممية مع قيادة "جيش الإسلام".

لكن المتحدث باسم "فيلق الرحمن" وائل علوان، نفى صحة التصريحات الروسية، وقال في تغريدة على حسابه الرسمي في "تويتر"، إن "وزارة الدفاع الروسية وقاعدة حميميم وإعلام الأسد يعمدون إلى نشر المغالطات والأكاذيب والشائعات للتأثير داخلياً وخارجياً على معنويات الثوار. إننا نؤكد عدم وجود أي اتصال أو مفاوضات مع الروس أو حلفائهم".

كما قال المتحدث باسم "جيش الإسلام" حمزة بيرقدار، لـ"العربي الجديد"، إن "الادعاءات الروسية كاذبة وغير صحيحة"، قبل أن يُصدر هذا الفصيل لاحقاً بياناً، أمس، تحدث فيه عن التوصل لاتفاقية عبر الأمم المتحدة مع الطرف الروسي، لإجلاء جرحى من الغوطة إلى خارجها. وأضاف الجيش أنه "تم التواصل عبر الأمم المتحدة مع الطرف الروسي، وفي إطار الجهود الإنسانية المبذولة، خلصنا إلى القيام بعملية إجلاء المصابين على دفعات... نظراً لظروف الحرب والحصار ومنع إدخال الأدوية منذ ست سنوات واستهداف المستشفيات والنقاط الطبية". وفي السياق، أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في سورية، أمس، الحاجة العاجلة لإجلاء ألف حالة طبية من الغوطة. وقالت المتحدثة باسم المكتب ليندا توم، لوكالة "فرانس برس"، إن "معظمهم من النساء والأطفال".

وكانت معلومات من مصادر غير رسمية، قد تحدثت عن مفاوضات بين وجهاء محليين من بلداتٍ في الغوطة، وقوات النظام، يسعى خلالها الوجهاء المحليون، بحسب ناشطين في الغوطة، للتوصل إلى اتفاقٍ بدخول قوات النظام إلى بعض بلدت جنوبي الغوطة من دون قتال؛ لكن مصادر مطلعة على جانبٍ من هذه المحادثات، قالت لـ"العربي الجديد"، إن "النظام وإن كان تعهد بعدم ملاحقة المدنيين في حال بسط سيطرته على بلداتٍ جنوبي الغوطة، مثل حمورية، لكنه يشترط على الشباب في هذه المناطق أن يحملوا السلاح للقتال في صفوفه".

ورغم نفي الفصائل، بما في ذلك "جيش الإسلام"، حدوث مفاوضات من هذا النوع، أوردت وكالة "فرانس برس" أنه "وفق المرصد ومصادر محلية، تجري مفاوضات منفصلة إزاء مصير كل منطقة من المناطق الثلاث". ونقلت عن مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، قوله إن مفاوضات "تجري حالياً بين الروس وجيش الإسلام عبر وسطاء معارضين مقربين من موسكو". ونقل عن وسيط مفاوض أن الهدف "تحويلها إلى منطقة مصالحة تدخلها الشرطة الروسية مع بقاء جيش الإسلام فيها"، موضحاً أن الطرف الروسي يطلب "رفع الأعلام السورية وعودة المؤسسات الحكومية من دون دخول قوات النظام". وتعد حرستا التي تتقاسم قوات النظام وحركة أحرار الشام السيطرة عليها "الحلقة الأضعف" وفق عبد الرحمن. وتدور المفاوضات "بين عدد من وجهائها من جهة والنظام وروسيا من جهة ثانية لإجلاء الراغبين من مقاتلي أحرار الشام وبقاء من يوافق على تسوية وضعه". ولا تتضمن تلك المفاوضات خروج المدنيين. كما أشار إلى أن منطقة سيطرة "فيلق الرحمن" تجري مفاوضات بين وجهاء من بلدات حمورية وجسرين وكفربطنا وسقبا وقوات النظام، من دون أن يكون هناك أي دور للفيلق. ويتم، وفق عبد الرحمن، بحث عرض يتضمن خروج المدنيين والمقاتلين الراغبين إلى مناطق أخرى تسيطر عليها الفصائل المعارضة، بينها إدلب (شمال غرب).

بالتزامن مع ذلك، قالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن حافلات ترافقها سيارات تابعة للهلال الأحمر السوري وصلت إلى أطراف حي القدم، جنوب مدينة دمشق، أمس، بهدف تنفيذ اتفاق تهجير جديد بعد موافقة مقاتلي المعارضة الراغبين بعدم المصالحة في الحي بالخروج إلى الشمال السوري. وأضافت أن النظام وجّه رسائل إلى المعارضة والأهالي في الحي يهدد فيها بعملية عسكرية مشابهة للعمليات التي يشنها ضد الغوطة، في حال عدم قبول مقاتلي المعارضة بالتسوية.

في موازاة ذلك، ذكرت وسائل إعلام روسية، أمس، أن قوات النظام عثرت "على ورشة عمل للمسلحين في الغوطة تستخدم في إنتاج أسلحة كيميائية". ونقلت عن العقيد في قوات النظام، فراس إبراهيم، قوله إنها عثرت بالقرب من بلدة أفتريس في الغوطة بعد خروج المسلحين منها على ورشة لتصنيع ذخائر كيميائية.

وليس بعيداً عن أحداث الغوطة، برز أمس، تطورٌ لافت جنوبي البلاد، إذ قصف طيران النظام السوري بلداتٍ وقرى في محافظة درعا، وذلك للمرة الأولى منذ أشهر، إذ تشهد درعا هدوءاً نسبياً منذ ما بعد دخولها في اتفاقيات "خفض التصعيد". وقالت مصادر محلية هناك، إن طيران النظام قصف الأحياء السكنية في بلدات الحراك والصوره والغارية الغربية وبصر الحرير، وقرية مسيكه وقرية الخوابي بمنطقة اللجاة في ريف درعا، موقعاً جرحى بين المدنيين. وأوضح الناشط الميداني محمد الحوراني، لـ"العربي الجديد"، أنها أول مرة يشن فيها طيران النظام الحربي غارات على ريف درعا، وذلك منذ سريان وقف إطلاق النار قبل قرابة سبعة أشهر.

ويأتي هذا التطور في ظل الحديث عن احتمال عملية عسكرية ستشنّها المعارضة المسلحة في الجنوب ضد النظام، دعماً للغوطة. وقال القيادي في "الفرقة الأولى مشاة" التابعة للجيش السوري الحر، في درعا، خالد الفراج، لـ"العربي الجديد"، إن "التحضيرات العسكرية قائمة لعمل عسكري كبير نصرة للغوطة، إذ تم استنفار القوات والقيام بعمليات التحشيد والتذخير"، مشيراً إلى أن المعركة ستكون في اتجاهين: الأول باتجاه مثلث الموت، وتتولاه فصائل تحالف الجنوب التي تنتمي إليها فرقته (الأولى مشاة)، والثاني باتجاه خربة غزالة وازرع، وستتولاه فصائل تحالف الجيدور التي تواصل بدورها التحضير للعمل العسكري المرتقب.

وكانت وكالة "الأناضول" التركية قد ذكرت أن التحضيرات في الجنوب تزامنت مع وصول نحو 200 ضابط وجندي أميركي إلى قاعدة التنف قرب الحدود مع الأردن والعراق، والتي تضم غرفة عمليات أميركية مشتركة مع فصائل من الجيش الحر في المنطقة. كما تحدثت تقارير صحافية عن وصول عددٍ من الضباط البريطانيين إلى الحدود السورية الأردنية، في إطار تلك التجهيزات.

كما شهدت مدينة درعا تعزيزات عسكرية في مناطق سيطرة النظام، وتحديداً في أحياء شمال الخط، السحاري، المطار، الكاشف، السبيل، القصور، بينما عملت جرافات النظام، خلال اليومين الماضيين، على تعزيز السواتر الترابية، التي تفصل الأحياء الخاضعة لسيطرتها عن مناطق نفوذ المعارضة. وقال الناشط محمد العاسمي، في وقت سابق، لـ"العربي الجديد"، إن بلدتي بصر الحرير ومليحة العطش في ريف درعا الشرقي، تشهدان حركة نزوح كثيفة بسبب توقع عمل عسكري لفصائل المعارضة على مواقع قوات النظام في مدينة ازرع.