دراسة: قطر تملك سياسة مستقلة ولم تسعَ للخلافات

دراسة: قطر تملك سياسة مستقلة ولم تكن محرضاً للخلافات مع جيرانها

09 فبراير 2018
قطر تتمتع بنظرة استراتيجية لسياستها الخارجية (نيكولاس كام/فرانس برس)
+ الخط -
قطر ركنٌ أساسي داخل "مجلس التعاون الخليجي"، وهي تملك سياسة خارجية مستقلة ولم تكن محرضاً للخلافات مع جيرانها. هذا ما تخلص إليه دراسة تحت عنوان "الأزمة القطرية، وارتداداتها الإقليمية، ومصالح الولايات المتحدة"، نشرت في موقع "سمول وورز جورنال" small wars journal، للباحث نيك (نجدي) أسيسيان.

ويعتبر الباحث أن هناك عوامل عدة متضاربة ومتورطة في اندلاع الخلاف القطري- السعودي، وبإمكانها أن تخلق تحديات للأمن الإقليمي، إذا فشلت الوسائل الدبلوماسية في حلّها. والنقطة المهمة، أن "مجلس التعاون الخليجي" هو إطار لا غنى عنه لأمن منطقة الخليج، إلى حين التوصل إلى صيغة أفضل لدمج دول ساحلية أخرى في الهيكلية الأمنية لهذه المنطقة.

والأهم بحسب الدراسة، أن الخلاف السعودي–القطري متعدد المستويات، وقد تطور خلال السنوات القليلة الماضية التي تفاقمت فيها القوة والهيبة على الساحة الدولية للسعودية وقطر والدول الأخرى الأعضاء في "مجلس التعاون الخليجي"، نتيجة المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية التي طرأت منذ عام 1979. فمن الناحية الجيوسياسية، تواصَلَ فقدان كلٍّ من العراق وإيران لحجم تأثيرهما نتيجة "الثورة الإيرانية" والحروب التي أضعفتهما بشكل جذري، وخلقت فراغاً أثّر على ميزان القوى. أما اقتصادياً، فإن وفرة الثروات الطبيعية بدّلت الوضع الاقتصادي في الجزء الجنوبي من منطقة الخليج (الجزيرة العربية). وازدياد قوة السعودية ودول أخرى في "مجلس التعاون" دفعتها للعب دورٍ أكبر في السياسة الإقليمية، لكن هذه القدرات والقوة لم يتمّ العمل على مراقبتها، وضبط توازنها داخل إطار عمل "المجلس" نفسه، بحسب الدراسة.


وبحسب الباحث، فقد أظهر الخلاف السعودي-القطري، حقيقةً أكثر مرارة، وهو أن "مجلس التعاون الخليجي" تبع مسارات اجتماعية - سياسية واقتصادية مختلفة، وأن عمله ليس منسقاً بأي شكل من الأشكال. هذه الدول، تعارضُ مصالح بعضها البعض، ولا يوجد أي جسمٍ موحد قادر على حلّ الأزمات الناتجة عن تضارب مصالحها. أما فقدان الوساطة وأجواء الشك والريبة المتبادلة وعدم الثقة بين هذه الدول، فقد ولّدت معضلة كبيرة في منطقة الخليج. بعبارات أخرى، ارتدّ غياب المقاربة الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي تجاه القضايا الداخلية والإقليمية، فوضىً وانعدام ثقة في جميع مستويات "مجلس التعاون".

ولفهم الجانب السياسي للأزمة، يقسم الباحث ورقته إلى ثلاثة أجزاء: المشاكل النظرية التي أوصلت السعودية وقطر إلى هذه الذروة من الخلاف، وتحليل شروط السعودية لحلّ الخلاف، بهدف فهم نوايا السعودية الإستراتيجية، والمصالح التي تربط الولايات المتحدة الأميركية بالمنطقة عموماً، وبـ"مجلس التعاون خصوصاً". علماً أن قطر بإمكانها التأثير على توازن القوة في منطقة الخليج وخلق أزمة حقيقية بين دول الساحل الخليجي والتأثير على مصالح الولايات المتحدة الإقليمية والتدفق الحرّ للنفط في الأسواق العالمية، على ذمة "سمول وورز جورنال".

قطر "الصغيرة" مقابل السعودية "الكبيرة"

مستنداً إلى نظريات علمية عدة حول الدول الكبيرة والصغيرة، يشرح الباحث أن قطر، كغيرها من دول جنوب منطقة الخليج صغيرة الحجم، استخدمت كافة الوسائل المتوفرة لديها من أجل الاستمرارية والبقاء، منذ أيام السيطرة البريطانية وصولاً إلى تأسيس "مجلس التعاون الخليجي" بقيادة السعودية وتأمين مقرّ للوجود الأميركي في المنطقة من أجل صياغة توازن فعال لاحتواء إيران والعراق. وهي رغم صغر مساحتها نجحت في إدارة دورٍ هام سياسياً واقتصادياً وجيوسياسياً. والفضل في ذلك يعود إلى أنها استطاعت استخدام عوامل قوة تمتلكها للتواصل مع العالم الخارجي، وهي: مرونة نخبتها السياسية، حجم الثروة الطبيعية (الغاز والنفط) التي تمتلكها، موقعها الجغرافي، تقاربها الثقافي مع دول الجوار، والهيكلية الإجتماعية–السياسية الشبيهة إلى حدّ بعيد بهيكلية دول الجوار في منطقة الجزيرة العربية. نقطة القوة ربما الأكثر وضوحاً، بالنسبة إلى قطر، هي أنها، باستثناء السعودية، لا تختلف كثيراً في المساحة عن باقي الدول المجاورة.

هذه العوامل جميعها دفعت الدول الكبرى للنظر إلى قطر كدولة مفيدة. أما لناحية السياسة الخارجية، فمن الخطأ القول إن قطر لا تمتلك سياسةً خارجية ذات وجهة معينة. بل هي تعتمد على رؤيتين، قصيرة وبعيدة المدى، وعلى ميزان القوة، والرغبة في السباحة في حوض مليء بأسماك القرش، على أن تبقى سمكة القرش الأقوى إلى جانبها. لكن الباحث أسيسيان رغم ذلك، يعتبر أن لعنة "الدولة الصغيرة" قد تكون تمكنت من قطر، ودفعت أسماك القرش الكبيرة لإعادة تقييم سياستها معها.

الأزمة القطرية وأهميتها

يذكر أسيسيان بأهمية قطر بالنسبة إلى الأمن الإقليمي ومصالح الولايات المتحدة، متحدثاً عن القاعدتين العسكريتين الأميركيتين اللتين تستضيفهما قطر، واللتين ستلعبان دوراً مهماً في المنطقة في المستقبل. لذلك فإن انتهاج الولايات المتحدة السياسة الصائبة حيال الأزمة ضروري من أجل دورها المستقبلي في المنطقة، معتبراً أن الأزمة القطرية استلزمت سعياً ملحاً لتحديد الشكل المستقبلي لنظام الأمن في منطقة الخليج. وينصح الباحث الولايات المتحدة باستمرار قدرتها على إبراز قوتها في المنطقة، وتأمين الأمن الإقليمي، مع محاولة التخفيف من حدة الأزمة داخل "مجلس التعاون الخليجي".

السعودية وقطر: ماذا حصل؟

خلق تقلص القوة لكل من إيران والعراق واقعاً جيوسياسياً جديداً في المنطقة. ويعتبر الباحث أن تعاظم تأثير السعودية أصبح يشكل خطراً جديداً بالنسبة للدول الأقل حجماً في المنطقة. كما أن المنطقة شهدت محاولة إعادة توازن لمواجهة هذا النفوذ السعودي، عبر طلب الدول الصغيرة في مجلس التعاون الخليجي وجوداً أميركياً أكبر على أراضيها. وفي الوقت ذاته، تتردد الولايات المتحدة، حفاظاً على علاقاتها الخاصة بالسعودية، في القيام بأي خطوة لإعادة التوازن الذي قد يضعف موقع السعودية المهيمن داخل "مجلس التعاون الخليجي".

ويؤكد الباحث إلى أن قطر، حتى الآن، هي الدولة الوحيدة التي أعلنت عن سياسة خارجية مستقلة عن السعودية. لكنه من العدل القول إن قطر لم تكن دائماً المحرض على نشوب الخلاف مع جيرانها، فيما السعودية متورطة في محاولتي انقلاب للحكم في قطر في عهد الأمير السابق (الأمير حمد بن خليفة آل ثاني)، ومحاولات عديدة لزعزعة حكم الأمير الحالي (الأمير تميم بن حمد آل ثاني). ويخلص الباحث إلى أن "دول مجلس التعاون الخليجي لم تعد بحاجة إلى بعضها البعض بعد زوال خطر الاتحاد السوفياتي والعراق وإيران، وهي اليوم تنظر بعين الريبة إلى بعضها البعض، عوضاً عن التعامل كدول صديقة".

الربيع العربي

وفي ما خص "الربيع العربي"، يعتبر الباحث أن السعودية وقطر وجدتا نفسيهما على الجبهة الأمامية لدول تملك الأموال النفطية من جهة، ولكن من دون أي مفتاح للأجندة السياسية. وهو ما ظهرت علاماته للمرة الأولى في اختلافهم حول مصر، ومن ثم في سورية.

وفي سورية، فإن الترتيب لمرحلة ما بعد بشار الأسد مهم جداً لتقييم أهمية السعودية وقطر الاستراتيجيتين (أبعاد جيو- اقتصادية للصراع السعودي القطري في سورية بالإضافة إلى احتواء النفوذ الإيراني). ويحذر الباحث من أن تنامي قوة السعودية في المشرق العربي لن يخدم مصالح الولايات المتحدة، وسيخلق تحديات ومشاكل جديدة على الأمد الطويل. أما بالنسبة إلى الشروط التي وضعتها السعودية للمصالحة مع قطر، فهي بالنسبة للباحث "وثيقة استسلام". بمعنى آخر، إذا رضخت قطر لهذه الشروط، فإن نفوذها سيضعف بشكل كبير.


ويختم الباحث بالقول إن الأزمة بين السعودية وقطر لن تُحلّ سريعاً. هناك، بحسب رأيه الكثير من المشاكل العالقة، بعضها يستوجب حلُّه من قبل الأطراف المعنية، للوصول إلى توافق بين دول "مجلس التعاون الخليجي" لرسم سياساتها الخارجية تحت مظلة هذا "المجلس". وربما من المفيد خلق وسائل لاحتواء الهيمنة السعودية داخل "المجلس" والسماح للدول الأصغر بالتنفس.

المساهمون