الشرخ في صفوف حزب المحافظين يهدد مستقبل علاقات بريطانيا

الشرخ في صفوف حزب المحافظين يهدد مستقبل علاقات بريطانيا

10 فبراير 2018
معارضون لبريكست في لندن ــ فبراير 2018(دانيال أوليفاس/فرانس برس)
+ الخط -

تفرض الانقسامات الداخلية في صفوف حزب المحافظين نفسها على علاقة بريطانيا المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي. وكانت آخر حلقات هذا الجدل المتجدد في الأيام القليلة الماضية حول طبيعة الفترة الانتقالية التي ستتبع الموعد الرسمي لبريكست، وعضوية بريطانيا في الاتحاد الجمركي في هذه الفترة وما بعدها. وتؤدي علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست إلى شرخ يقسم حزب المحافظين الحاكم إلى شطرين، فمنهم من يؤيد بريكست مخففاً يحفظ ما أمكن من صلات القربى وحسن الجوار مع الاتحاد، وآخر يرغب في طلاق كامل، أو بريكست مشدد، تنفصل فيه بريطانيا كلياً من أية روابط مع الاتحاد الأوروبي. ويكاد يتطابق هذا الشرخ في الموقف من الاتحاد الأوروبي كلياً مع صدع يقسم حزب المحافظين إلى تيارين، هما أشبه بحزبين منفصلين داخل الحزب الواحد. تيار يميني قومي متشدد، وآخر وسطي أكثر انفتاحاً واعتدالاً.

وكان النزاع بين هذين التيارين الدافع، أو أحد أهم الدوافع، وراء القرارات المصيرية التي اتخذها حزب المحافظين منذ وصوله إلى الحكم في عام 2010. وشكل الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي في 2016 أحد أكثر المواجهات مصيرية بين الطرفين، إذ تمكن التيار المحافظ القومي من حشد الدعم الشعبي لموقفه المعادي للعضوية في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً من خلال التحالف مع تيار شعبوي، تزعّمه الرئيس السابق لحزب استقلال المملكة المتحدة، نايجل فاراج. إلا أن فشل قيادات ذلك التيار، مثل بوريس جونسون ومايكل غوف، من الوصول إلى قيادة الحزب، في الصراع الذي تلا استقالة رئيس الحكومة السابق، ديفيد كاميرون، أدى إلى وصول تيريزا ماي إلى رئاسة الحزب الحاكم والحكومة، وهي شخصية براغماتية من التيار الوسطي في الحزب.

ومع توقيع المادة 50 في مارس/آذار 2017، والتي طلبت بريطانيا بموجبها رسمياً الخروج من الاتحاد الأوروبي، اعتقدت ماي بقدرتها على الانتصار في انتخابات عامة وتشكيل حكومة من لون واحد تجعل من قيادتها لسفينة بريكست إلى بر الأمان أمراً سهلاً، مستغلة حينها الضعف الشديد في شعبية حزب العمال، إذ أظهرت استطلاعات الرأي فارقاً وصل إلى 20 نقطة بين الحزبين. كما أنها قللت من أهمية صعود التيار القومي حينها، خصوصاً بعد فشل ذلك التيار في التجمهر وراء شخصية واحدة تقوده في الحلبة السياسية البريطانية. إلا أن حسابات ماي كانت أبعد ما يمكن عن الواقع، إذ خسر الحزب الحاكم أغلبيته البرلمانية، وهو ما اضطر ماي لأن تتحالف مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الإيرلندي الشمالي. بل أجبرها أيضاً على الاعتماد على كافة الأصوات المحافظة، وضرب تحالف بين الحزبين تعكسه تركيبة حكومتها، التي تضم بوريس جونسون وزيراً للخارجية، ومايكل غوف وزيراً للبيئة عن مؤيدي بريكست المشدد، وفيليب هاموند وزيراً المالية، وآمبر رود وزيرة الداخلية، عن مؤيدي بريكست مخفف. هذه المقاعد الرئيسية في الحكومة لم يطلها التعديل الحكومي الذي أجرته ماي الشهر الماضي.



وتمكنت ماي من إدارة حكومتها خلال الأشهر السبعة الماضية، بعد اتخاذها مواقف مسبقة محددة حيال أي من القضايا الرئيسية في مفاوضات بريكست، مثل الحدود الإيرلندية والهجرة والعضوية في السوق المشتركة والاتحاد الجمركي، واكتفت بالمواقف المشتركة بين المعسكرين والغموض. إلا أنه كلما احتدت المفاوضات حول إحدى هذه النقاط، تظهر علامات الشقاق داخل الحكومة والحزب. فلطالما خرج جونسون مهدداً بالاستقالة، وكشفت شخصيات بريكست المشدد عن خطوطها الحمر، محذرة ماي، ومذكرة إياها بمدى هيمنتها على قاعدة الحزب الشعبية. ودائماً ما كانت ماي تطمئن التيار اليميني في حزبها، وتصل في نهاية المطاف إلى تسوية ترضي جميع الأطراف، وهو ما أدى إلى نجاح الجولة الأولى من مفاوضات بريكست.

ومع اقتراب موعد الجولة الثانية من المفاوضات، تضطر رئيسة الحكومة للإجابة على أسئلة أكثر صعوبة، وأشد خلافية بين معسكري حزبها. وتحتاج ماي فيها لحنكة سياسية، وحلول إبداعية، تمكنها من الاستمرار في إدارة دفة سفينتها من دون أن تنهار. فرئيس الوفد الأوروبي المفاوض، ميشال بارنييه، يزور لندن لنقاش رؤية بريطانيا للمرحلة الانتقالية وتصورها للعلاقة المستقبلية مع الاتحاد. وذكر بارنييه الحكومة البريطانية بأن وصولها لتصور موحد وواضح سيسهل بدء عملية التفاوض على العلاقات التجارية بين الطرفين بعد بريكست، وأن ذلك التصور يجب ألا يخالف مبادئ الاتحاد الأوروبي. فلا عضوية في السوق المشتركة من دون حرية الحركة، ولا تجارة سلسة وخالية من التعرفة الجمركية خارج الاتحاد الجمركي. كما أقرت الدول الـ27 الاعضاء في الاتحاد الأوروبي مشروع قرار يجيز فرض عقوبات على بريطانيا في حال عدم التزامها بقوانين التكتل خلال المرحلة الانتقالية بعد بريكست.

لكن جناحي حزب المحافظين سبقا وصول بارنييه بنقاشات علنية عكست عمق الصدع بينهما. فقد خرجت الوزيرة السابقة، آنا سوبري، وهي من مؤيدي بريكست مخفف، لتطالب تيريزا ماي بطرد مؤيدي البريكست المشدد، من أمثال جونسون وغوف وجاكوب ريس موغ من الحزب، متهمة إياهم بأنهم لا يمثلون حزب المحافظين الذي انتمت إليه قبل 40 عاماً. كما أن سوبري هددت بالاستقالة من الحزب في حال وصول ريس موغ إلى زعامة الحزب، وربما تشكيل تحالف سياسي آخر. وقالت "يجب أن يتغير شيء ما، وإلا فإننا سنجد جاكوب ريس موغ رئيساً للوزراء، وبريكست مشدد يعصف بنا وسيتسبب بضرر هائل لاقتصادنا لأجيال عديدة مقبلة". وطالبت سوبري رئيسة الحكومة بالوقوف في وجه هذا التيار وإلا "فإنها في خطر حقيقي، تخسر فيه دعماً شعبياً واسعاً وأجزاءً كبيرة من حزب المحافظين أيضاً"، مذكرة ماي كيف استطاع هذا التيار الإطاحة بكاميرون، بل وأيضاً بحكومة جون ميجور في بداية التسعينيات.

وكان جاكوب ريس موغ قد وجه انتقادات لاذعة إلى فيليب هاموند، متهماً إياه بشكل غير مباشر بالتلاعب ببيانات وزارة المالية لكشف صورة مبالغ فيها عن ضرر البريكست على الاقتصاد البريطاني. كما وجه انتقادات إلى ماي وطريقة إدارتها للحزب والحكومة منذ وصولها إلى منصبها في 2016. وكان ريس موغ قد تصدر الساحة المؤيدة لبريكست مشدد، خصوصاً بعد التعديل الحكومي، الشهر الماضي، إذ أصبح زعيم الكتلة البرلمانية المحافظة المعادية لأوروبا، والتي تضم نحو 50 نائباً. ويختلف ريس موغ عن بقية السياسيين في هذا المعسكر بشخصيته المحبوبة بين قواعد حزب المحافظين، إذ وصفه محللون بأنه جيريمي كوربن حزب المحافظين. وكان استطلاع للرأي بين أنصار الحزب قد كشف عن تصدر ريس موغ لقائمة المفضلين لخلافة ماي، ليتبعه غوف ومن ثم جونسون. وينتظر أن تعقد لجنة حكومية اجتماعين قريباً، ترسم فيهما تصور العلاقة مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست. وينتظر أن يكون هذا التصور، كالمعتاد، توافقياً بين طرفي الحزب، فالخيارات المتاحة أمام ماي قليلة جداً، وأي مغامرة سياسية تقدم عليها قد تكون لها عواقب وخيمة على مستقبلها السياسي، وحزب المحافظين، ومستقبل بريطانيا.

المساهمون