الجزائر: المعارضة تبحث عن مرشح والرئيس يريد منافساً

الجزائر: المعارضة تبحث عن مرشح والرئيس يريد منافساً

10 فبراير 2018
في حال ترشّح بوتفليقة، ستكون الانتخابات شكلية(رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
يرصد متابعون للشأن السياسي في الجزائر مساعي حثيثة بشأن الدفع بمرشح التوافق بين أقطاب المعارضة، لكن ذلك لا يزال في دائرة ضيقة تكاد لا تخرج عن أمنيات سياسية، وعن نقاشات هامشية بهذا الشأن، في الوقت الذي يسود فيه ترقّب وترقّب مضاد، بين المعارضة التي تتابع تفاعلات قضية الولاية الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة أو عدمها، ورصد مؤشراتها، وبين السلطة التي تنتظر فرز خارطة المرشحين.

وتجري قوى سياسية وناشطون من المعارضة في الجزائر اتصالات لطرح فكرة مرشح توافقي لقوى المعارضة السياسية في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في ربيع 2019، بهدف توفير حظوظ منافسة أكبر في مواجهة بوتفليقة في حال قرّر الترشح لولاية رئاسية خامسة، (والثانية في مفهوم الدستور الجديد الصادر في عام 2016). وكشف رئيس حزب "جيل جديد"، المعارض جيلالي سفيان، في تصريح صحافي، أنه قدّم لشخصيات وطنية وحزبية مبادرة تتعلّق بالاتفاق على مرشح مشترك بين قوى المعارضة لترشيحه في انتخابات 2019، مشيراً إلى أن هذه الفكرة "حصلت على قبول مبدئي من قبل أحزاب وشخصيات سياسية، لكنها لم تتبلور بعد على شكل خطوات عملية". ولفت سفيان إلى أنّه لا يتصوّر حلاً للمعارضة في الرئاسيات المقبلة، سوى التوافق على مرشح واحد لمواجهة ما يعتبره "مشروع العهدة الخامسة" لبوتفليقة.

ولم يطرح سفيان أسماء محددة يمكن أن تكون مرشحة المعارضة، لكن مجموعة من الأسماء يتم التداول بها في هذا السياق، أبرزها اسم رئيس الحكومة السابق، أحمد بن بيتور، ووزير الاتصال السابق، الدبلوماسي عبد العزيز رحابي، والرئيس السابق لرابطة حقوق الإنسان، المحامي مصطفى بوشاشي.

وفي السياق نفسه، تباشر مجموعة من الناشطين المستقلين اتصالاتها للتوصّل إلى توافق بشأن تقديم مرشّح توافقي يجمع قوى المعارضة. وتشير معلومات "العربي الجديد" إلى أنه تمّ التوصّل بعد رفض بن بيتور الترشّح، إلى التوافق على اسم بوشاشي.

لكنّ فكرة المرشّح التوافقي اصطدمت بمواقف مسبقة من بعض قوى المعارضة نفسها، كإخوان الجزائر الذين أعلن زعيم حزبهم، "حركة مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري، عن عدم تحمّسه لمناقشة قضية مرشح توافقي للمعارضة في الوقت الحالي، واعتبر أن الأولوية الآن تتصل بالمشاكل والتوترات الاجتماعية والتحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد حالياً، وكيفية مساهمة السلطة واقناعها بمدّ يدها للمعارضة لإنقاذ البلاد. وتشير بعض التوقعات إلى أنّ إخوان الجزائر الذين يعقدون مؤتمر الوحدة لإعادة دمج حزب "جبهة التغيير" الذي انشق عنهم عام 2008، داخل الحزب الأم، قد يطرحون مرشّحاً لهم، في إشارة إلى رئيس الحركة، عبد الرزاق مقري، للمرة الأولى منذ انتخابات عام 1995 التي قدموا فيها مؤسس تيار الإخوان في الجزائر الراحل محفوظ نحناح، والذي حقق وقتها أفضل نتيجة لمرشح منافس لمرشح السلطة حتى الآن، وحاز على 25 في المائة من الأصوات. كذلك، يستعدّ "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية" المعارض، لطرح مرشحه أيضاً في الانتخابات المقبلة، بعد آخر مشاركة له في هذه الانتخابات برئيسه السابق سعيد سعدي عام 2004.

ويقرّ القيادي في "حركة النهضة" المعارضة، يوسف خبابة، بوجود صعوبات كبيرة إزاء فكرة مرشّح توافقي بالنسبة للمعارضة، مقللاً من إمكانية التوافق بهذا الشأن، فالانتخابات في الجزائر عادة ما تفرّق المعارضة أكثر مما تجمعها، وفي تجربة الانتخابات البرلمانية الأخيرة ما يؤكد على ذلك، إذ انفضّت المعارضة وتشتّتت مواقفها سريعاً، بين مشارك ومقاطع ومتردد في الانتخابات، بعد فترة توافق على أرضية سياسية للتغيير والانتقال الديمقراطي، انبثقت عن أكبر مؤتمر للمعارضة عقد في يونيو/حزيران 2013 و2014.

ويقول خبابة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "موضوع مرشّح التوافق بين المعارضة صعب المنال، فحجم الضغوط التي مورست على تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي تجمع المعارضة وهيئة التشاور التي أسست لحوار جاد لانتقال ديمقراطي سلمي، أدّى إلى تفكيكها. يضاف إلى ذلك أنانية ذاتية وحزبية البعض، التي تجعل من احتمال التوافق على برنامج مشترك ومرشح واحد صعب المنال"، مشيراً إلى أنه لا يحمّل المعارضة وحدها مسؤولية عدم التوافق، لكون "السلطة وأجهزتها النظامية والحزبية لا تريد انتقالاً في هذه المرحلة، لأنها تعتقد أنها هزمت الإسلام السياسي، ودجّنت وفتتت المعارضات الديمقراطية واليسارية، وأفقدتها كثيراً من المصداقية الشعبية، فأصبحت تستفرد في المنازلات الانتخابية، في حين اكتفت المعارضة بالتنديد بالتزوير".

وتشير التقديرات السياسية إلى أنّ المعارضة التي تدرس، بتمهل، خياراتها المحتملة بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة، تنتظر في المقابل بروز مؤشرات أكثر وضوحاً بشأن ترشّح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة أو عدمه، أو الدفع بخليفة له إلى السباق الانتخابي. ويعتقد خبابة أنه "من السابق لأوانه تحديد كيفيات مشاركة المعارضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ لا تزال هناك إرهاصات داخل السلطة لتحديد كيفية المشاركة، هل بعهدة خامسة أم بمرشح جديد يحظى بتزكية السلطة".

من جانبه، يشير رئيس قسم الشؤون السياسية والأمنية في صحيفة "الخبر"، كبرى الصحف الجزائرية، محمد شراق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المعارضة تعتقد أنه في حال ترشّح بوتفليقة، فإن الانتخابات ستكون شكلية ووجودها في المنافسة الرئاسية سيكون رمزياً، وهذا التحليل واقعي نظرياً، لكنني أعتقد أن المعارضة، سواء اتفقت على مرشح واحد أو قدّمت أكثر من مرشح، لن تخلي الطريق لبوتفليقة أو لمرشح آخر للسلطة". ويضيف "إذا ترشّح بوتفليقة، سيكون الوضع على ما هو عليه، لكن في حال أعلن عدم ترشحه -وهذا احتمال وارد ولو أنه ضعيف- وقدمت السلطة مرشحاً لها، يزكّيه الجيش وكل مؤسسات الدولة وأحزاب الموالاة، فإن المعطيات قد تتغيّر، وقد يكون ذلك حافزاً بالنسبة للمعارضة للمنافسة والرغبة في المشاركة القوية في الاستحقاق الرئاسي"، أسوة بانتخابات عام 1999 التي كان فيها بوتفليقة مرشحاً للمرة الأولى، وواجه منافسة قوية مع ستة مرشحين كبار، انسحبوا من السباق يوم الاقتراع بسبب ما اعتبروه تزويراً وعدم حيادية مؤسسات الدولة.

يبحث بوتفليقة عن منافس قوي في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، وتبحث المعارضة عن مرشّح توافقي تدفع به إلى السباق الرئاسي، في ظلّ استمرار معطيات اللعبة السياسية نفسها في الجزائر، المتسمة بهيمنة السلطة على تفاصيل الإشراف على العملية الانتخابية وتنفيذها، وشكوك مستمرة من قبل المعارضة باستغلال السلطة وسائل الدولة والإدارة لصالح مرشحها.