استباحة إسرائيلية لسيناء: طائرات الاحتلال تخوض حرب السيسي

استباحة إسرائيلية لسيناء: طائرات الاحتلال تخوض حرب السيسي

05 فبراير 2018
يراقب الاحتلال الأوضاع في سيناء بشكل دائم (ديفيد سيلفرمان/Getty)
+ الخط -


لا يُعد الدور الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي في سيناء المصرية ضد تنظيم "ولاية سيناء" والموالين له، أمراً خفياً، فلطالما تحدثت مصادر قبلية ومحلية لـ"العربي الجديد" خلال السنوات الأخيرة عن ضربات جوية إسرائيلية استهدفت قادة التنظيم بالتنسيق مع النظام المصري، خصوصاً بعد فشل الجيش المصري في مواجهة المسلحين واستمرار هجماتهم. وفي هذا السياق أيضاً، تأتي المعلومات التي كشفتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في تقرير لها أمس الأول السبت، نقلاً عن مسؤولين أميركيين لم تسمهم، من أن الطائرات الإسرائيلية تستبيح الأرض المصرية، وتستهدف ما تريد ووقتما شاءت، وهذا ما نتج عنه 100 طلعة جوية للطائرات الإسرائيلية بأنواعها.

استهداف قادة التنظيم
تقول مصادر قبلية مطلعة لـ"العربي الجديد" إن غالبية الضربات التي تعرض لها تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش" في سيناء كانت بأيد إسرائيلية، خصوصاً الاستهدافات التي طاولت قادة التنظيم المحليين، ليحل مكانهم قادة من خارج سيناء ومصر، من المهاجرين إلى سورية والعراق، مضيفةً أن أهالي سيناء لطالما أكدوا بالدلائل أن الطيران الإسرائيلي يستهدفهم.
وتوضح المصادر ذاتها أن "طيران العدو الصهيوني، تدخّل في أوقات حرجة تعرض فيها الجيش المصري لهجمات دموية من قِبل تنظيم ولاية سيناء، كمحاولة السيطرة على مدينة الشيخ زويد في رمضان 2015، وكذلك في هجوم البرث الأخير الذي وقع قبل أشهر وأدى لإبادة كتيبة صاعقة بأكملها، إذ إن التعزيزات العسكرية والجوية المصرية تأخرت في الوصول إلى مكان الاستهداف لعدم وصول إشارة من المنطقة، بينما كانت إسرائيل تراقب المشهد عن كثب بحكم قرب الجغرافيا".

وتشير إلى أن إسرائيل استطاعت إحباط عمليات نقل مواد إلى قطاع غزة، من خلال استهداف المواد نفسها، أو الأنفاق التي تُستخدم في تهريب المواد، أو عن طريق قصف المهربين، وهذا ما جرى أكثر من مرة باستهداف سيارات تقل مهربين في مناطق رفح والشيخ زويد، كان آخرها مطلع العام الحالي، وتحاول إسرائيل بطيرانها الوصول إلى المناطق التي لا يتمكن الجيش المصري من دخولها برياً في جنوب رفح والشيخ زويد.
وتقول المصادر نفسها إن إسرائيل تقوم بتنفيذ عدد من الإجراءات في سيناء، أهمها التنصت الدائم على اتصالات التنظيم والمهربين، على حد سواء، وكذلك التحليق المستمر للطائرات من دون طيار "الزنانة" التي تصور كل التحركات، خصوصاً في المناطق الحدودية مع قطاع غزة.

استباحة الأجواء المصرية
ووفقاً لما رصدته "العربي الجديد" على مدار سنوات الحرب في سيناء، فإن الطيران المجهول في ذلك الحين، والذي كانت روايات أهالي سيناء تؤكد أنه إسرائيلي، استهدف منازل تعود لناشطين في التنظيم، لم يكن لدى الأمن المصري أي معلومات عنهم حتى بانضمامهم للتنظيم، بينما كانت تتوافر تلك المعلومات الدقيقة لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي لم تكن تتوانى عن استهداف أي خطر آتٍ من سيناء. كما تعرضت عدة نقاط تمركز للتنظيم وحواجز ميدانية في منطقة البرث جنوب مدينة رفح إلى استهداف متكرر من قبل طائرات من دون طيار، لم يتمكن التنظيم أو الأهالي من التأكد من هوية تلك الطائرات في ذلك الحين، مما أدى لاختفاء حواجز التنظيم وكمائنه عن الطرقات في مناطق متفرقة من سيناء.

يشار إلى أن إسرائيل استهدفت مجموعة تابعة للتنظيم إثر اطلاقهم صواريخ على مدينة إيلات المحتلة على الحدود مع سيناء مطلع فبراير/شباط من العام الماضي، ما أدى إلى مقتل أربعة من أفراد التنظيم، وهذا ما أكده التنظيم في حينه. ورداً على اتهامات التنظيم لإسرائيل بالوقوف وراء ذلك، قال وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، في 20 فبراير/شباط 2017، في معرض تعليقه على استهداف مقاتلي تنظيم "داعش" في سيناء، بأن الجيش (الإسرائيلي) "لا يترك أمراً من دون رد"، في تلميح ضمني إلى وقوف قوّاته خلف الهجوم في سيناء المصرية. وتشير مصادر قبلية إلى أن اختفاء بعض النشاطات العسكرية للتنظيم، كعمليات القنص واستهداف الآليات العسكرية بصواريخ موجّهة متطورة، يؤكد أن إسرائيل استهدفت نشطاء ذوي كفاءة عالية خلال العامين الماضيين.


وفي هذا السياق، جاء ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في تقرير لها السبت، من أن طائرات من دون طيار إسرائيلية، وطائرات هليكوبتر، وطائرات نفاثة، قامت على مدى أكثر من عامين، بحملة جوية سرية، ونفذت أكثر من 100 غارة جوية داخل مصر، في كثير من الأحيان أكثر من مرة في الأسبوع، وأن ذلك تم بموافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ونقلت الصحيفة الأميركية، تلك المعلومات عن مسؤولين أميركيين ذوي صلة بسياسات الشرق الأوسط، فيما رفضت الخارجية المصرية وجيش الاحتلال الإسرائيلي التعليق على تلك المعلومات.

واعتبرت الصحيفة أن "التعاون الملحوظ بين مصر وإسرائيل يمثّل مرحلة جديدة في تطور علاقتهما، فبعد أن كانا أعداء في ثلاث حروب، ثم خصوماً في سلام غير مستقر، أصبحت مصر وإسرائيل الآن حليفين سريين في حرب سرية ضد عدو مشترك"، مضيفة أنه بالنسبة إلى القاهرة فإن التدخّل الإسرائيلي ساعد الجيش المصري على استعادة قدمه في معركته التي دامت خمس سنوات تقريباً ضد المسلحين. وبالنسبة لإسرائيل، عززت الغارات أمن حدودها واستقرار جارتها.

وقال مسؤولون أميركيون لـ"نيويورك تايمز" إن "الحملات الجوية الإسرائيلية أدت دوراً حاسماً في تمكين القوات المسلحة المصرية وجعلها صاحبة اليد العليا ضد المسلحين"، فيما أكد سبعة مسؤولين بريطانيين وأميركيين سابقين لهم علاقة بسياسة الشرق الأوسط، الهجمات الإسرائيلية داخل مصر. ووفق الصحيفة، فإن "الجارين" سعيا إلى إخفاء دور إسرائيل في الضربات الجوية خوفاً من حدوث رد فعل عنيف داخل مصر، مضيفة أن الرقابة العسكرية تمنع نشر التقارير عن الغارات الجوية، ومن غير الواضح ما إذا كانت القوات الإسرائيلية أو القوات الخاصة قد وُضعت داخل الحدود المصرية. وكشفت أن السيسي، كما يقول المسؤولون الأميركيون، أخفى الضربات عن كل الدوائر، باستثناء دائرة محدودة من الضباط العسكريين والاستخباراتيين.

خروقات بعلم السيسي
وكانت مصادر خاصة، قد كشفت لـ"العربي الجديد"، في 13 فبراير/شباط 2017، أن الطائرات من دون طيار الإسرائيلية تخترق الأجواء المصرية بصورة شبه يومية، منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، مشيرة إلى أن هذا الأمر يتم بكل تأكيد بالتنسيق مع الجانب المصري. وأضافت أن هذا النوع من الطائرات لا يقصف فقط، ولكن يضطلع بمهام استطلاعية لرصد تحركات المسلحين ومساعدة الجيش المصري في مهماته على الأرض. وأشارت إلى أن أهالي سيناء ضاقوا من القصف المتكرر من قبل الطائرات الإسرائيلية والجيش المصري، فضلاً عن جملة الانتهاكات الأخرى من اعتقالات وتصفيات جسدية. وأوضحت المصادر ذاتها أن عملية إطلاق صواريخ تجاه الأراضي المحتلة ليست بالسهلة على الإطلاق، لا سيما في ظل تشديد دولة الاحتلال الرقابة على الحدود مع مصر، ورصد تحركات العناصر المسلحة على طول الشريط الحدودي. وأكدت أن "الموساد" يجنّد بعض من وصفتهم بـ"العملاء" للإبلاغ عن أي تحركات لمسلحين قرب الحدود، لرصد الدوريات العسكرية الإسرائيلية تمهيداً لتنفيذ هجوم مسلح عليها أو إطلاق صواريخ.

وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في أغسطس/آب 2016، عن ثلاثة مشاهد لاختراق إسرائيل لسيناء، أولاً اختراق طائرات من دون طيار إسرائيلية المجال الجوي المصري وتنفيذ عمليات قصف ضد أهداف هناك، وثانياً الاعتماد على شبكة من الجواسيس الذين يتعاملون مع "الموساد" الإسرائيلي لنقل تحركات المسلحين، وأخيراً قيام ضباط إسرائيليين بالاتصال بأهالي سيناء لحثّهم على نقل تحركات المسلحين وتحذيرات من التعامل معهم، فضلاً عن حثهم على الرحيل من المناطق التي تشهد عمليات مسلحة.

وأول واقعة تورّطت فيها إسرائيل بقصف أهداف في سيناء، كانت من خلال طائرة من دون طيار، حين تم استهداف أحد عناصر الجماعات المسلحة ويدعى إبراهيم عويضة، إذ نفذت طائرة من دون طيار قصفاً لدراجة نارية كان يستقلها عويضة. عقب ذلك توالت عمليات القصف الجوي من قبل طائرات من دون طيار، يُعتقد بأنها إسرائيلية، لعدم امتلاك مصر هذا النوع من الطائرات، التي يمكنها حمل صواريخ والمشاركة في عمليات قتالية، بحسب ما أكدت مصادر عسكرية مصرية لـ"العربي الجديد".

وما بين واقعة استهداف عويضة في 2012 ومقتل 10 مدنيين أخيراً، توجد عشرات الحالات لقصف طائرات من دون طيار لأهداف في سيناء، خلال ما يزيد عن ثلاثة أعوام، ومنها مقتل مواطن يدعى ناجح سليمان، في أغسطس/آب الماضي، إثر قصف السيارة التي كان يستقلّها في مدينة رفح المصرية، من طائرة من دون طيار مجهولة المصدر. وبحسب روايات الأهالي في سيناء حينها، قُتل سليمان في قصف لطائرة مجهولة، من المرجح أن تكون إسرائيلية، لا سيما أنه تلقى تهديدات بعدم المرور في المناطق الحدودية.

يشار إلى أن تنظيم "ولاية سيناء" نشر في أكثر من مرة صوراً لصواريخ وقذائف قال إنها إسرائيلية أطلقت على منازل المدنيين ومواقع انتشار التنظيم على مدار السنوات الماضية، فيما لم يرد أي طرف مصري على ما جاء على لسان التنظيم، مما أوجد حالة من التشكيك في رواية التنظيم، بينما لطالما حصلت "العربي الجديد" على شهادات لمواطنين من سيناء أكدوا أن الطيران الحربي الإسرائيلي، يقصف منازل وأراضي وسيارات بحجة الحرب على الإرهاب.

وتعليقاً على ذلك، يقول باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد"، إن ما كشفته الصحيفة الأميركية ليس جديداً على المتابعين للمشهد في سيناء، فالجيش المصري لطالما عجز عن مواجهة المسلحين، الذين ازداد عددهم في الآونة الأخيرة، مما أشعر إسرائيل بالقلق على حدودها الجنوبية، من إمكانية توجه التنظيم لتنفيذ عمليات تضر بأمن إسرائيل في مرحلة لاحقة.
ويضيف الباحث، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن العمليات الجوية الإسرائيلية في سماء سيناء أوجدت حالة من التقاعس من قبل القوات المصرية على الأرض، والاعتماد الكلي على الجيش الإسرائيلي، للقضاء على الخلايا الخطيرة للتنظيم، خصوصاً بعد "النجاحات" التي حققها في الأعوام الماضية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن النظام المصري هو أكثر الجهات معرفة بما حققته إسرائيل من "إنجازات أمنية" في سيناء.

ويشير إلى أن إسرائيل باستهدافاتها في سيناء تضرب أكثر من عصفور بحجر، فهي من جهة تؤكد للنظام المصري أنها تقف إلى جواره في الحرب على الإرهاب، ومن جهة أخرى تخلصت من غالبية قادة التنظيم المحليين الذين يكنّون العداء لها، وإن انشغلوا في قتال الجيش المصري في المرحلة الحالية.

المساهمون