احتقان شعبي متزايد ضد "تحرير الشام" في إدلب

احتقان شعبي متزايد ضد "تحرير الشام" في إدلب

04 فبراير 2018
تُتهم الهيئة بعدم الجدية بمواجهة النظام(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
يتزايد الاحتقان الشعبي ضد "هيئة تحرير الشام" في إدلب، نتيجة الاتهامات الموجّهة لها بعدم جديتها في مواجهة حملة النظام السوري العسكرية شرقي إدلب، وتوجيه سلاحها لتشديد قبضتها على المناطق الخاضعة لسيطرتها في المحافظة، فيما بدأ الحراك المتصاعد ضد الهيئة يشي بإمكان تشكيل جبهة معارضة لها، سيكون للأحداث المتسارعة في إدلب دور كبير في تحديد مسارها وتطور حركتها.

وارتفعت وتيرة احتجاجات السكان والناشطين في مناطق في إدلب ضد "هيئة تحرير الشام"، خصوصاً في بلدة بنش خلال اليومين الماضيين، ما يعكس حالة احتقانٍ شعبي متزايد في تلك المناطق، ضد الهيئة التي تحاول الهرب إلى الأمام، في تصعيدها ضد المحتجين وملاحقة الناشطين هناك، والذين أصدروا أمس السبت، بياناً، طالبوا فيه الهيئة بـ"وقف أي عمليات اعتقال في مدينة بنش، واحترام حق التظاهر والتعبير عن الرأي، وتوجيه السلاح لرفد الجبهات".

ونتيجة تصعيد "هيئة تحرير الشام" ضد سكانٍ ونشطاء في بنش، في محاولتها لتطويق الاحتجاجات التي تتزايد ضدها منذ أول من أمس الجمعة، وإرسالها صباح أمس السبت رتلاً عسكرياً نفّذ اعتقالاتٍ هناك، أصدر "نشطاء إدلب"، بياناً قالوا فيه، إنه "في الوقت الذي تتصاعد فيه الصيحات الشعبية لجميع الفصائل لتعزيز الجبهات، ووقف تمدد قوات النظام، فوجئنا بالأمس (الجمعة) وبعد تظاهرة شعبية ضد الفصائلية في مدينة بنش، بمحاصرة المدينة ليلاً من قبل هيئة تحرير الشام"، مؤكدين أنه "مع صباح اليوم (السبت) وردت أنباء عن نيتها (الهيئة) شن حملات اعتقال تطاول نشطاء، وإعلاميين ومنظمين من الحراك الشعبي، في وقت لا يزال فيه الطيران الحربي يقصف سراقب وريف إدلب الشرقي بشدة". وطالب البيان "هيئة تحرير الشام"، بـ"وقف أي عمليات اعتقال في مدينة بنش، واحترام حق التظاهر والتعبير عن الرأي، وتوجيه السلاح لرفد الجبهات ومساندة المدنيين والتخفيف من معاناتهم".

كما أصدر "ناشطو مدينة بنش"، بياناً قبل ذلك، على خلفية دخول رتلٍ عسكري لـ"هيئة تحرير الشام" إلى بلدتهم، أكدوا فيه أن هذا الرتل قام بـ"مداهمة بيوت الناشطين والمتظاهرين الذين خرجوا في تظاهرة (الجمعة)، والتي ندد المشاركون فيها بالفصائلية ودعوا المقاتلين للالتحاق بالجبهات". كما دعا الناشطون "جميع أهالي المدينة لتظاهرة سلمية حاشدة من الجامع الكبير"، بهدف "المطالبة بخروج الرتل العسكري من المدينة والتذكير بأن الرشاشات الثقيلة مكانها على الجبهات وليس في المدن".

وفي وقت لاحقٍ لصدور هذا البيان، علمت "العربي الجديد" من مصادرها في بلدة بنش شمالي شرق مركز محافظة إدلب، بأن الرتل العسكري الذي دفعت به "هيئة تحرير الشام" إلى البلدة، انسحب ظهر أمس السبت، بعد أن اعتقل ما لا يقل عن ستة أشخاصٍ، كما أن المداهمات التي نفذها الرتل أدت إلى مقتل شخصٍ يدعى حسام حوراني أثناء مداهمة منزله في بنش.


وكان فتيل التوتر هذا، اشتعل الجمعة، بعد خروج تظاهرة في بنش، طالبت الفصائل العسكرية بالتوجّه إلى جبهات المعارك، وصدّ قوات النظام المتقدمة من أبو الظهور نحو سراقب شرقي إدلب. ورفع المتظاهرون العلم الذي يُعتبرُ ممثلاً لقوى الثورة السورية، وهو الذي استُخدم سنة 2011 في التظاهرات الشعبية ضد النظام السوري؛ كما هاجموا لاحقاً مركزاً لشرطة "حكومة الإنقاذ" التي تشكلت قبل أشهر، وتُتهم بانحيازها لـ"هيئة تحرير الشام"، الأمر الذي ردت عليه الأخيرة بتنفيذ حملة مداهماتٍ واعتقالاتٍ في بنش، كما قام عناصرها بحرق علم الثورة السورية.

حرق عناصر "هيئة تحرير الشام" للعلم الذي رفعه المتظاهرون على مدخل مدينة بنش، أجّج الاحتقان المتزايد هذه الأيام من الهيئة، التي لا تعترف بعلم الثورة، وتعتبر أي حراكٍ تحته معادياً لها، فيما يحمل العلم رمزية مهمة لمجموعة فصائل الجيش الحر وقوى الثورة السورية، الذين يعتبرونه رمزاً للثورة السورية ضد نظام بشار الأسد.

ويتهم ناشطون فاعلون في محافظة إدلب، "هيئة تحرير الشام" بعدم مواجهتها بجدية لحملة النظام العسكرية شرقي إدلب، وتوجيه سلاحها لتشديد قبضتها على المناطق الخاضعة لسيطرتها في إدلب، وهم وجّهوا لها عبر بيانهم أمس، رسالة واضحة الدلالات، عبّروا فيها عن تشكيلهم جبهة رافضة لانتهاكات "الهيئة" وطالبوها بوقف اقتحام المدن والبلدات، وتوجيه قوتها العسكرية نحو الجبهات التي يتقدم فيها النظام، مستغلاً حالة التشرذم الفصائلي في إدلب.
وعموماً، فإن بيانات واحتجاجات النشطاء في محافظة إدلب ضد "هيئة تحرير الشام" ليست الأولى، إذ شهدت المحافظة في السابق احتجاجات وتظاهرات كثيرة ضد الهيئة، خصوصاً أثناء شنّها حملات استئصال ضد الفصائل العسكرية المنافسة لها شمال غربي سورية، ولكنها تعكس تزايد حالة الاحتقان الشعبي ضد الهيئة بالتزامن مع الحملة العسكرية العنيفة التي يشنها النظام والمليشيات المساندة لها والمدعومة بالطيران الروسي شرقي المحافظة.

وآخر أبرز التحركات الشعبية ضد "هيئة تحرير الشام"، كانت بالتزامن مع حملتها العسكرية في يوليو/تموز الماضي، والتي قوّضت من خلالها نفوذ "حركة أحرار الشام" في محافظة إدلب، إذ خرجت حينها تظاهرات في بلدات ومدن عدة في إدلب، أكبرها في مدينة سراقب شرقي المحافظة، طالب فيها المتظاهرون بخروج الهيئة من مناطقهم وإيقاف الاقتتال مع "أحرار الشام" وإنهاء المظاهر العسكرية وتجنيب المدن تبعات وويلات تلك المواجهات، لكن التظاهرات توقفت مع حسم الهيئة لحملتها العسكرية بعد ثلاثة أيام من بدايتها.
كما شهدت مدينة معرة النعمان تظاهرات عدة ضد "هيئة تحرير الشام"، أبرزها كان إثر اقتحام عناصر الهيئة للمدينة الواقعة جنوبي إدلب في يونيو/حزيران الماضي، بهدف تقويض نفوذ "الفرقة 13" التابعة للجيش الحر، والتي انضمت لاحقاً لـ"جيش إدلب الحر".

واتّبعت الهيئة مع تزايد الاحتقان الشعبي ضدها، أساليب عدة في مواجهة أو محاولة احتواء التحركات المناهضة لها، كإنشائها بعد المعركة مع "أحرار الشام" لما أسمته "الإدارة المدنية للخدمات" في محاولة للتقرب من الأهالي، عبر هذه الإدارة، التي تهتم بتأمين الخدمات الأساسية للسكان، مثل صيانة أعطال شبكتي الماء والكهرباء في إدلب. ولكن هذه الخطوة جوبهت بانتقادات من المجالس المحلية والمديريات المدنية التي كانت تضطلع بهذه المهمة، وعدّتها انقلاباً عليها، تهدف منه الهيئة للتفرد بالإدارة المدنية للمحافظة، واستبعاد دور كافة المديريات المدنية والمجالس المحلية غير الموالية لها.

ولا يمكن التنبؤ ما إذا كانت تحركات السكان ستتصاعد خلال الأيام القليلة المقبلة ضد "هيئة تحرير الشام"، لكن الظروف الصعبة والمعقدة التي تعصف بمحافظة إدلب حالياً، سيكون لها دور كبير في تحديد حجم هذه الاحتجاجات في المستقبل القريب؛ إذ إن عيون السكان هناك، تراقب المعارك التي يحرز فيها النظام تقدّماً سريعاً شرقي إدلب، فيما يتزايد احتقانهم من التضييق الذي تفرضه الهيئة في مناطقهم الخاضعة لسيطرتها.

المساهمون