"العربي الجديد" تفتح الصندوق الأسود لـ8 آلاف عراقي مختطف

"العربي الجديد" تفتح الصندوق الأسود لـ8 آلاف عراقي مختطف

26 فبراير 2018
تسلم "الحشد" إدارة أمن جرف الصخر(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

مضى أكثر من ثلاث سنوات على اختطاف قرابة 8 آلاف مواطن عراقي من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وشمال بابل ومناطق مختلفة، على يد مليشيات "الحشد الشعبي". حدث ذلك بُعيد اشتداد العمليات العسكرية التي قادتها القوات العراقية، مصحوبة بمليشيات "الحشد الشعبي"، في 2014 و2015 و2016، إذ اضطر مئات الآلاف من سكان مناطق شمالي وغربي العراق للنزوح إلى بلدات ومحافظات أكثر أمناً وهدوءاً إلى حين انتهاء الحرب.

وكانت المنطقة المحصورة بين الأنبار وكربلاء وبابل هي الأكثر وقعاً على الهاربين من الصواريخ العشوائية للطائرات الحربية وقذائف "الحشد" والجيش العراقي بناءً على معلومات خاطئة، إذ تم عزل الرجال من قبل مليشيات "الحشد الشعبي" واقتيادهم إلى سجون داخل بساتين ناحية جرف الصخر، التابعة إدارياً لمحافظة بابل جنوب غرب بغداد، فيما سُمح للنساء بالمضي قدماً نحو مناطق وسط البلاد وجنوبها. وحمل برلمانيون عراقيون الحكومة ورئيسها حيدر العبادي، والمجتمع الدولي مسؤولية اختطاف الآلاف من الشباب السنة. وفيما يطالب البعض بفتح تحقيق ومعرفة مكانهم على وجه الدقة، ومحاسبة من كان ينتمي إلى تنظيم "داعش" وإطلاق سراح الأبرياء، تنفي حكومة بابل المحلية وجود أي سجون في جرف الصخر. وكان العبادي أعلن، نهاية العام الماضي، تحرير كامل الأراضي العراقية من سيطرة "داعش" وانكسار التنظيم عسكرياً في البلاد، إلا أن مدناً كاملة ما زالت محظورة على سكانها. وتقع هذه المدن في محافظات ديالى وصلاح الدين ونينوى وبابل، وأبرزها جرف الصخر التي حررت نهاية العام 2014 وما زال نحو ربع مليون من سكانها في الخيام بسبب رفض المليشيات عودتهم إليها.

وسلمت الحكومة العراقية إدارة أمن منطقة جرف الصخر إلى فصائل من "الحشد"، لتنطلق من خلالها عمليات عسكرية باتجاه عامرية الفلوجة والصقلاوية ومدن أخرى مطلع 2015، وهي المناطق ذاتها التي شهدت أعلى معدل انتهاكات وجرائم ذات دافع طائفي من قبل المليشيات. وشهدت مناطق الرزازة والصقلاوية والثرثار وجرف الصخر وذراع دجلة والكرمة والشهابي وأبو غريب وإبراهيم بن علي وسليمان بيك والصينية وسامراء والدور وبلدات في شمال تكريت عمليات خطف جماعي للعراقيين الهاربين من المعارك أو من تنظيم "داعش". ويبلغ مجموع المختطفين من تلك المناطق أكثر من 7800 شخص، تتراوح أعمار غالبيتهم العظمى بين 17 و60 سنة.

وتم العثور على مقابر جماعية في العراق تقدر بالعشرات خلال الفترة الماضية، إلا أن الشرطة سرعان ما تنسبها إلى تنظيم "داعش"، من دون فتح تحقيق، رغم أن أغلبها عثر عليه في مناطق سيطرة المليشيات والقوات العراقية وليس في مناطق سيطرة "داعش". وقال النائب عن محافظة الأنبار، حامد المطلك، إن "هناك تعتيماً إعلامياً متعمداً، من قبل جهات سياسية ومليشيات نافذة، على كارثة اختطاف آلاف الرجال من محافظات سنية"، معتبراً أن "ثلاث سنوات مرت من دون وجود توجه حقيقي من الحكومة لفك شيفرة ما حدث، خصوصاً في بلدة جرف الصخر"، مبيناً، لـ"العربي الجديد"، أن "المجتمع الدولي هو الآخر يتجاهل نداء أهالي المختطفين". وأشار إلى أن الحكومة والقوى الأمنية، المتمثلة بقوات وزارتي الدفاع والداخلية، تتحمل مسؤولية معرفة أوضاع المختطفين، لافتاً إلى أن "اختطافهم من قبل المليشيات المسلحة دليل على عزمها على التفريق المذهبي بين أبناء الشعب العراقي. ونعجب كل العجب من أن المرجعية الشيعية في النجف هي الأخرى صامتة، على الرغم من كل مطالباتنا وتصريحاتنا. وسكوت مرجعية الشيعة على قضية جرف الصخر هي من الأمور المعيبة".


يشار إلى أن تحالف القوى العراقية دعا العبادي، في 11 مايو/أيار 2017، بصفته رئيساً لهيئة "الحشد الشعبي" وفق القانون، "للكشف عن مصير المفقودين من الرزازة وباقي المختطفين من أبناء المدن الغربية والشمالية، وإعادتهم إلى ذويهم والكشف عن جهة الاختطاف وتسليم الخاطفين إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل". ولفت إلى أن "الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية قانونية ودستورية بالحفاظ على أرواح ودماء مواطنيها من دون تمييز، وأمام تقاعسها لا نجد إلا مطالبة المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان الأممي والأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بتحمل مسؤوليتها، والضغط على الحكومة العراقية وتشكيلاتها العسكرية للكشف عن مصير المفقودين والمختطفين من مناطق محررة".

وأكد النائب عن التحالف الوطني، جاسم محمد جعفر، وجود مختطفين في جرف الصخر، إلا أنه لا يتفق مع الأرقام التي يتبناها تحالف القوى العراقية. وقال جعفر إن "وجود 3000 مختطف في سجون جرف صخر أمر مبالغ فيه، فالعدد الحقيقي أقل من نصف ذلك". وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "بعض المحتجزين هناك ينتمي إلى تنظيم داعش، وبعضهم الآخر هرب إلى مناطق تواجد داعش، مثل عامرية الفلوجة". وعن اختطاف مليشيات "الحشد الشعبي" للأبرياء من النازحين، قال جعفر إن "الحشد الشعبي جزء من المنظومة الأمنية، ولا يمكن عزله عن باقي الصنوف العسكرية، ويستقي أوامره من الحكومة المركزية والقائد العام للقوات المسلحة"، مشيراً إلى أن "تحريك قضية المختطفين بين فترة وأخرى، ومحاولة تضخيم أعدادهم، أمر فيه جانب سياسي وانتخابي من قبل بعض السياسيين السنة".

بدوره، نفى عضو المجلس المحلي لمحافظة بابل، علي السلطاني، وجود سجون داخل ناحية جرف الصخر. واتهم ما يصفه "بالإعلام السني" بفبركة قصة اختفاء شباب سنة من محافظات مختلفة منذ سنوات، في جرف الصخر، نافياً "وجود أي سجون في المنطقة". وأضاف أن "تحالف القوى ورموزه وقادته يحاولون جرّ البلد إلى فتنة طائفية"، مستدركاً أن "السجون التي يتحدث عنها نواب سنة، حتى وإن كانت موجودة فهي تضم دواعش أرادوا النزوح مع الأسر الفارة من المعارك". يشار إلى أن الحكومة العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي"، وأبرزها "كتائب حزب الله" و"كتائب الإمام علي" و"عصائب أهل الحق" و"حركة النجباء"، تمنع أهالي جرف الصخر، الذين نزحوا خلال عمليات تحريرها من "داعش"، من العودة إليها، بحجة أنها "غير آمنة وتعرض البنى التحتية إلى أضرار جسيمة"، إلا أن المواطن من المنطقة أحمد الجنابي نفى ذلك، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، جاهزيتها لاستقبال المواطنين.