المغرب والجزائر: خصام من الحدود إلى "الكسكس" فالدين والموسيقى

المغرب والجزائر: خصام من الحدود إلى "الكسكس" فالدين والموسيقى

22 فبراير 2018
على الحدود المغربية ـ الجزائرية (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -
لا تحتاج العلاقات المتردية بين المغرب والجزائر إلى مناسبة للكتابة عنها، فهي جرح مفتوح منذ عقود، وتزيد من جرحه حدود مغلقة، ومواقف تتبادل العداء بين القيادتين، وحساسية بين الشعبين، وأزمات تظهر بوتيرة موسمية، آخرها بعنوان اتهام المغرب للجزائر بشنّ حرب مخدرات ضدها، أو باعتبار الجزائر أن الرباط تحاربها بمصارفها عبر تبييض الأموال.

والعلاقات متردية في أصعدة وقطاعات كثيرة، من السياسة إلى الاقتصاد وانتهاءً بمجال الثقافة والفنون. كلها توترات حوّلت علاقات الجوار بين البلدين إلى "عداوة" متجددة. ولسوء العلاقات بين الدولتين الجارتين جذور تاريخية انطلقت أساساً من الخلاف حول الحدود البرية. فالمغرب رأى أن حدوده عليها أن تكون كما كانت قبل مرحلة الاستعمار الفرنسي، من خلال بنود "اتفاقية مغنية"، نسبة لمدينة مغنية الجزائرية، الموقّعة في مارس/آذار 1845 بين المغرب وفرنسا التي كانت حاكمة الجزائر. أما الجزائر فمتمسكة بالحدود وفق ما خلّفه الاستعمار الفرنسي، الذي ضمّ مناطق عدة إلى الأراضي الجزائرية، من بينها تندوف وبشار. وتفاقم الخلاف الحدودي بين المغرب والجزائر بعد استقلال الأول عام 1956، وبعد استقلال الثانية إثر حربها الاستقلالية عام 1962.

وأدى التوتر إلى اندلاع مواجهة عسكرية سُمّيت بـ"حرب الرمال" في أكتوبر/تشرين الأول 1963، دامت بضعة أيام انتهت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام عينه، بعد دخول وساطات جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية تُوجت حينها بتوقيع اتفاق إنهاء إطلاق النار في فبراير/شباط 1964. ورغم قصر أمد "حرب الرمال"، إلا أنها كانت عاملاً تاريخياً مفصلياً في تردي العلاقات بين المغرب والجزائر، مستمرّ حتى اليوم، غير أن حدثاً آخر لا يقلّ أهمية زاد من سوء العلاقات بين الجارين بلة، وهو تنظيم الملك الراحل الحسن الثاني مسيرة سميت بـ"المسيرة الخضراء" بمناسبة ذكرى جلاء الاستعمار الإسباني عن مناطق بالصحراء.

وبعد إنهاء المغرب الاستعمار الإسباني في الصحراء، وجدت الجزائر نفسها على مشارف خسارة مواقع استراتيجية بالمنطقة وفقدان ممر لتسويق الغاز والحديد، فدفعت إلى قيام دولة صحراوية في الصحراء، من خلال "جبهة البوليساريو" أو "الجمهورية العربية الصحراوية"، بدءاً من سنة 1975، بعد تنظيم "المسيرة الخضراء". وأصرّت الجزائر على أن "للبوليساريو حق تحقيق مصيرها في الصحراء"، فيما شدّد المغرب على أن "الجزائر معنية بنزاع الصحراء وليست وسيطاً كما تروج، وأن الصحراء مغربية وحل النزاع يكمن في حكم ذاتي للصحراء".

وانتقل الخلاف التاريخي حول الحدود والأرض إلى ميدان السياسة والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، التي لم تكن تتجاوز منذ ذلك الحين درجة الصفر إلا في فترات نادرة جداً، من بينها فترة حكم الرئيس الجزائري المُغتال محمد بوضياف، الذي أمضى في الحكم 5 أشهر ونصف الشهر فقط، ظهر خلالها أنه قريب من المغرب محاولاً حلّ نزاع الصحراء بشكل مرضٍ لجميع الأطراف المعنية، لكن اغتياله في عام 1992 قطع أي احتمال للتقريب بين البلدين.


في هذا السياق، كان إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر سنة 1994 "نتيجة طبيعية" للخلافات الحادة بسبب الصحراء، وذلك عندما وقعت تفجيرات إرهابية طاولت فندقاً بمراكش، فاتهمت خلالها الرباط الجزائر بالتورط فيها، وفرض الملك الراحل على الجزائريين تأشيرة ولوج المغرب، وردت الجزائر بقرار إغلاق الحدود البرية باعتبار أن قرار فرض التأشيرة أحادي الجانب.

ومنذ إغلاق الحدود البرية استعرت العلاقات بين البلدين، وتبادل الجاران تهماً مختلفة كان أبرزها تصدير المخدرات وأقراص الهلوسة "القرقوبي". وهو ما رصده تقرير سابق لوزارة الخارجية الأميركية الذي نقل اتهامات الحكومة الجزائرية للمغرب بإغراق البلاد بالحشيش المغربي، وأيضاً اتهامات الرباط للجزائر بتسريب أقراص الهلوسة إلى البلاد للتأثير على الشباب المغربي.

الاتهامات بتصدير المخدرات تكررت أكثر من مرة من الجانب الجزائري للمغرب، إلى أن أثارت أزمة دبلوماسية حادة انتهت باستدعاء سفيري البلدين للتشاور والاحتجاج، وذلك بعد أن اتهم وزير الخارجية الجزائري، مراد مدلسي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مصارف مغربية كبرى، بأنها "تعمد إلى تبييض الأموال في أفريقيا، وقال إنه سمع الكلام من زعماء بلدان أفريقية". وهو ما ردت عليه الرباط بأن "التصريحات الجزائرية ادّعاءات لا تخفي المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحقيقية لهذا البلد".

كما اشتبك الطرفان في إبريل/نيسان الماضي في قضية ترحيل لاجئين سوريين من الجزائر إلى الأراضي المغربية، واتهمت الرباط الجزائر بتعمّد ترحيلهم بطريقة غير قانونية لإحراج المغرب، فيما اعتبرت الجارة الشرقية للمملكة أنها "اتهامات تبتغي الإساءة إليها فقط".



وفي أكتوبر 2013 سحب المغرب سفيره في الجزائر رداً على رسالة وجهها الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، إلى اجتماع "مؤتمر دعم الشعب الصحراوي" بأبوجا النيجيرية، علاوة على حادثة اقتحام للقنصلية الجزائرية بالدار البيضاء في نوفمبر من العام عينه، قام خلالها شاب مغربي بتنكيس العلم الجزائري، وهو ما أثار حفيظة الجارة الشرقية للمغرب.

وعقد ثلة من المتفائلين آمالاً بصفاء الأجواء بين المغرب والجزائر، تحديداً باستحضار بعض الزيارات الدالة، كاللقاء الرسمي الوحيد والمنفرد الذي جمع الملك محمد السادس بالرئيس بوتفليقة بالجزائر العاصمة في مارس 2005، وأيضاً زيارة وزير الخارجية المغربي السابق سعد الدين العثماني للجزائر في يناير/كانون الثاني 2012، بهدف تنقية العلاقات الثنائية من الشوائب، غير أن لا شيء من ذلك حصل.

واكتفت العلاقات الرسمية بين المغرب والجزائر بتبادل وفود وزارية في قطاعات الزراعة والاتصالات وغيرها. وتمّ ذلك لفترة قصيرة فقط. كما تمّ تبادل برقيات التهاني بين زعيمي البلدين في مناسبات وطنية ودينية. برقيات أسماها مراقبون "دبلوماسية البرقيات"، أو "دبلوماسية التهاني والمناسبات" بين الجارين.

كما تسابق البلدان أفريقياً، وضخّا استثمارات كبرى في قطاعات البناء والمصارف والزراعة والصيد في بلدان أفريقية عدة. وتحوّل المغرب في غضون بضع سنوات إلى أول مستثمر أفريقي داخل القارة السمراء، وخامس مستثمر في العالم بالقارة، فيما تخلت الجزائر عن هذا السباق بسبب انشغالها بالوضع الداخلي، لكنها رغم ذلك تحاول استدراك التأخر من خلال تحضير مقاولات ومؤسسات كبرى لدراسة مشاريع تنموية في أفريقيا، لمزاحمة تواجد المغرب.



وانتقل التنافس الاقتصادي داخل القارة، إلى التنافس المحموم على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فالمغرب حصل على مشروع مدينة صينية ذكية باستثمار تجاوز 10 مليارات دولار، فيما هرعت الجزائر إلى توطيد علاقاتها التجارية مع بكين. وظهر التنافس الشديد بين المغرب والجزائر على المستوى الاقتصادي في مجال تصنيع السيارات خصوصاً، وتمكن المغرب في إطار مخطط "التسريع الصناعي"، من جلب استثمارات شركات كبرى كـ "بيجو" و"رينو" الفرنسيتين، اللتين دشنتا مصانع في القنيطرة وطنجة، فيما استطاعت الجزائر كسب ثقة شركة "فولكسفاغن" الألمانية.

كما انتقل الخلاف إلى الدين وطرقه، خصوصاً الطريقة الصوفية العلاوية، وكل بلد اعتبر أنه صاحب الفضل والأصل في احتضان هذه الطريقة ذات الحضور القوي داخل القارة الأفريقية. واعتبر كل بلد أنه "هو من يتزعم الطريقة التيجانية (الصوفية)"، على سبيل المثال. وهو خلاف بدأ بكون مؤسس وشيخ الطريقة الأول أحمد التيجاني وُلد بالجزائر، لكن وفاته ودفنه كان بمدينة فاس المغربية.

ولعل آخر فصول الصراع حول الطرق الصوفية بين الجارين، هو ما حصل أخيراً بشأن الطريقة الكركرية (نسبة للمغربي محمد فوزي الكركري)، المثيرة للجدل بأزياء منتسبيها الغريبة، ومقرها بمدينة العروي شمالي المغرب، والتي ظهرت أيضاً في الجزائر. ما حدا برجال دين جزائريين إلى توجيه اتهامات بـ"خلق الفتنة والاختراق المذهبي" للمغرب.

وليست الفنون، تحديداً مجال الغناء، بمنأى عن الخلافات الدائمة بين البلدين الجارين، فالسلطات المغربية حرصت على منح فنانين معروفين لغناء الراي الجنسية المغربية، كالشاب خالد والشاب فضيل وغيرهما، كما منحت لهما تسهيلات كبيرة لإحياء حفلات فنية حاشدة في مدن المغرب. وتلا ذلك تصريحات هؤلاء الفنانين تشيد بالمغرب وما يعيشه من نمو اقتصادي متصاعد.

وأبدت الجزائر انزعاجها من حضور فناني الراي إلى المغرب لإحياء سهرات وحفلات، بل كثيراً ما هاجمتهم صحف جزائرية معروفة بتهمة التطبيل للمغرب، لقاء منحهم امتيازات مادية وفق تعبيرها. ووصل الأمر إلى محاولة الجزائر بسط يدها على غناء الراي، من خلال تقديمها طلباً إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) من أجل تصنيف موسيقى الراي ضمن التراث العالمي للإنسانية.

ومثل الراي اندلعت أكثر من مرة "معارك" صغيرة بين أهل الاختصاص بشأن أصل أكلة "الكسكس" هل هي مغربية أم جزائرية؟ مع تمسك كل طرف أنه مالك وصاحب أصول هذه الوجبة الشعبية الشهيرة، ونفس الأمر يتعلق بزي "القفطان" النسائي التقليدي، الذي قال الجزائريون، إنه يعود إليهم، فيما تشبث المغاربة بأنهم أصحاب هذا اللباس.