أزمة عفرين تتفاعل: أنقرة تهدّد المجموعات الموالية للنظام

أزمة عفرين تتفاعل: أنقرة تهدّد المجموعات الموالية للنظام

21 فبراير 2018
مقاتلون أكراد يرحبون بمقاتلين تابعين للنظام بعفرين(جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
تتجه الأوضاع في شمال غربي سورية إلى مزيد من التأزيم والتعقيد، في ظلّ انسداد آفاق التوصّل إلى حلول من شأنها نزع فتيل صدام عسكري مباشر متوقّع بين الجيش التركي وقوات تتبع للنظام السوري تؤكد مصادر أنها دخلت بالفعل إلى منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية للتصدي للجيش التركي وفصائل تتبع للجيش السوري الحر، والتي شرعت منذ شهر في عملية واسعة النطاق لطرد الوحدات الكردية إلى شرقي الفرات. وفيما أعلنت أنقرة أن المجموعات الموالية للنظام ستكون هدفاً لقواتها في حال قدومها لمساعدة الوحدات الكردية، أكدت مصادر مقرّبة من الأخيرة أنها لا تنوي الانسحاب من عفرين على الإطلاق، ما يفتح باب احتمالات استنزاف الجيش التركي في منطقة مكتظّة بالمدنيين، وهو ما يعيق تحقيق هذا الجيش لحسم عسكري سريع.

وحالت الظروف الجوية دون تحقيق تقدم كبير من قبل الجيشين التركي والسوري الحر، أمس الأربعاء، في ريف عفرين، ولكن الجيش التركي أكّد السيطرة على قرية فيركان، شمال شرقي عفرين، كما أعلن أن "عدد الإرهابيين الذين جرى تحييدهم منذ انطلاق عملية غصن الزيتون بلغ 1780". وبدأت العملية واسعة النطاق في 20 يناير/ كانون الثاني الفائت، واستطاع الجيش التركي السيطرة على أكثر من 80 نقطة تضم بلدات وقرى ونقاطاً جبلية استراتيجية.

وكانت مدفعية الجيش التركي أفشلت، الثلاثاء، محاولة من قبل قوات النظام لدخول عفرين، وهو ما فتح الباب أمام العديد من السيناريوهات التي تنتظر المدينة في ظلّ عدم نيّة الوحدات الكردية الانسحاب (على الأقل في الوقت الحاضر) إلى شرقي الفرات كما يطالب الجيش التركي. ولكن المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مقرّب من الوحدات الكردية، أكّد أمس، أنّ القوات التابعة للنظام دخلت عفرين مساء الثلاثاء، وبدأت بالانتشار في نواحي المدينة، مشيراً إلى أنها وزّعت نقاطها على خطوط التماس مع القوات التركية في نواحي جنديرس، الشيخ حديد، راجو وشرا، من جنوب غرب عفرين إلى شمال شرقها، باستثناء جبهة بلبلة. كذلك، أكد المرصد أنّ القوات التركية استطاعت وصل مناطق سيطرتها على الشريط الشمالي من منطقة عفرين مع الحدود التركية، ففرضت بذلك سيطرتها على نحو 50 كيلومتراً من هذه الحدود، لتتوسّع سيطرتها لأكثر من 150 كيلومتراً متصلة من غرب نهر الفرات وصولاً لمنطقة شنكال في شمال غرب عفرين.

بدورها، أكدت وكالة أنباء النظام، "سانا"، أمس، "وصول مجموعات جديدة من القوات الشعبية إلى عفرين لدعم الأهالي، في مواجهة النظام التركي المتواصل على المنطقة"، بحسب ما كتبت. من جانبه، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات، عبد الوهاب العاصي، أنّ أمام منطقة عفرين ثلاثة سيناريوهات: إمّا أن تصبح "منطقة موالية"، أي تحت سيطرة النظام السوري، شرط انسحاب وحدات حماية الشعب منها، وإنشاء تركيا لحزام آمن وممرّ عسكري بعمق 10 كيلومترات قرب الحدود، أو "منطقة محايدة"، أي تسليمها لإدارة محليّة من دون وجود النظام فيها، مع إنشاء تركيا لحزام آمن وممر عسكري بعمق 10 كيلومترات قرب الحدود، أو "منطقة محاصرة"، أي استمرار وحدات الحماية الكردية بالقتال، وبالتالي مسارعة تركيا لتنفيذ مراحل المعركة الأربع، والتي تشمل حصار مركز المدينة.

وأوضح العاصي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السيناريوهين الأول والثاني، لا يتمان إلا من خلال اتفاق ثلاثي بين تركيا وروسيا وإيران"، مضيفاً أنه "في حال حصل مثل هذا الاتفاق، فلدى تركيا مبرر لإقامة حزام آمن في محيط عفرين، وفق بروتوكول أضنة 1998، الذي أبرمه النظام مع تركيا إبان أزمة كادت أن تتحوّل إلى حرب انتهت بطرد زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، من سورية". وأشار إلى أنّ "السيناريو الثالث، ينمّ عن عدم اتفاق واستمرار الخلاف، وفرض تركيا لسياسة الأمر الواقع. وفي حال حصل حصار لعفرين مثلما ذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فسيكون شكل المفاوضات مع الضامنين الدوليين مختلفاً"، وفق الباحث.


ويبدو أنّ أنقرة لن تقبل بحل وسط لأزمة عفرين، فإما دخول جيش النظام وخروج الوحدات الكردية، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بشكل كامل إلى شرقي نهر الفرات، أو تسليم المنطقة لمجلس محلي تحت إشراف روسي، أو استمرار عملية "غصن الزيتون" للقضاء على عناصر الوحدات الكردية.

ولا يزال الغموض يكتنف الموقف الروسي حيال ما يجري، إذ لم تبدِ موسكو رفضاً للعملية العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي، ولكنها في الوقت ذاته، لم تضغط على النظام بشكل يردعه عن محاولة الدخول إلى عفرين، وهو ما يؤدي إلى تأزيم الوضع. وكان من اللافت دعوة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الثلاثاء، أنقرة للحوار مع دمشق لحل أزمة عفرين. وقال لافروف: "المصالح المشروعة لضمان أمن تركيا يمكن أن تتحقّق بشكل كامل من خلال الحوار المباشر مع الحكومة السورية"، مضيفاً "نحن ندرك مخاوف تركيا مما يحدث في سورية على طول حدودها. وبطبيعة الحال، ندرك تطلعات الأكراد. ولكن ما لا نعترف به وما نعارضه هو محاولات التكهّن بشأن هذه التطلعات... وأعني بذلك محاولات بعض القوى الخارجية التكهّن بهذه التطلعات للتحرك في سورية وفي المنطقة ككل، وفقاً لأهداف لا تمت بصلة لتطلعات الشعب الكردي، وإنما تهدف إلى تحقيق أهدافهم الجيوسياسية ضيقة الأفق".

وأعادت أنقرة، الأربعاء، التأكيد على استراتيجيتها في عفرين، مهدّدة باستهداف أي قوات تساند الوحدات الكردية. كما أشارت إلى وجود اتصالات "استخبارية" مع دمشق في ظروف استثنائية. وأعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، وفق ما نقلت عنه وكالة "الأناضول" التركية للأنباء، أنّ "المجموعات الإرهابية الموالية للنظام السوري، ستكون هدفاً مشروعاً للقوات التركية حال اتخاذها خطوة داعمة لتنظيم العمال الكردستاني، وجناحه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي، الإرهابي، في منطقة عفرين السورية".

وأضاف قالن أنّ بلاده اتخذت التدابير المتعلّقة بهذا الشأن، مؤكداً أن "كل خطوة داعمة لتنظيم الاتحاد الديمقراطي، تعني وقوف المجموعات المذكورة بطريقة مباشرة في صف واحد مع التنظيمات الإرهابية، وبالتالي ستكون هدفاً مشروعاً بالنسبة لنا". وشدد قالن على أنّ بلاده ليست لديها اتصالات رسمية مباشرة مع النظام السوري، مضيفاً: "لكن يمكن لمؤسساتنا المعنية، وأقصد هنا أجهزتنا الاستخباراتية، الاتصال بشكل مباشر أو غير مباشر معه في ظروف استثنائية، لحلّ مشاكل معينة عند الضرورة. هذا الأمر يندرج ضمن وظائف أجهزتنا الاستخباراتية".

وأكدت مصادر مقربة من الوحدات الكردية أن الأخيرة لا تنوي الانسحاب في الوقت الراهن من منطقة عفرين، مشيرةً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "الوحدات تعوّل على خلط الأوراق لتحسين شروط أي حلّ سياسي يتعلق بالصراع على عفرين وريفها، وتالياً على مدينة منبج وريفها". وأوضحت المصادر أنّ "انسحاب الوحدات من عفرين يعني هزيمة من الممكن أن تكون لها ارتدادات من شأنها تأليب الشارع السوري الكردي على الوحدات الكردية التي لا تملك تأييداً كبيراً في هذا الشارع، الذي ينظر بقلق إلى مجريات الصراع في عفرين"، مؤكّدةً أن "النظام لم يشترط خروج الوحدات الكردية من عفرين في المفاوضات التي جرت في مدينة حلب منذ أيام عدّة، ما يؤكّد نيّة النظام نقل الصراع إلى مستويات أخطر، بهدف استنزاف الجيش التركي، وجرّه إلى صراع طويل".