تعيينات هادي: خارطة عسكرية جديدة شمالاً بعد مقتل صالح

تعيينات هادي: رسم خارطة عسكرية جديدة شمالاً بعد مقتل صالح

20 فبراير 2018
هاشم الأحمر في صنعاء عام 2012 (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
بصدور التعيينات العسكرية الجديدة التي أقرّها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، التي شملت تسمية العميد هاشم عبدالله الأحمر، قائداً للمنطقة العسكرية السادسة، أخيراً، بالتزامن مع ظهور طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، في الساحل الغربي للبلاد، يبدو المشهد العسكري اليمني على أبواب تموقع جديد لمراكز القوى العسكرية، التي أمسكت زمام القرار في البلاد لعقود. لكن الصورة الجديدة تضع حلفاء (النظام سابقاً) وأعداء السنوات الأخيرة، مع الخصم المسيطر على عدد غير قليل من محافظات البلاد، ومركزها صنعاء، وهو جماعة أنصار الله (الحوثيين).

وأفادت مصادر يمنية قريبة من قيادات عسكرية في الشرعية، خلال حديث مع "العربي الجديد"، بأن القرارات العسكرية التي أصدرها الرئيس هادي أخيراً جاءت في إطار ترتيبات مواصلة العمليات العسكرية ضد جماعة الحوثيين، بالإضافة إلى ما يتعلق بظهور طارق صالح والريبة التي تظهرها أطراف في الحكومة الشرعية من دعم التحالف له في جبهة الساحل الغربي على الأقل. وتشرف الإمارات على العمليات العسكرية في تلك الأجزاء، انطلاقاً من مناطق نفوذها في جنوب البلاد.

أحد القرارات الثلاثة التي أصدرها هادي نص على تعيين اللواء يحيى حسين صلاح، قائداً للمنطقة العسكرية الخامسة، التي تتضمن محافظتي الحديدة وحجة المطلتين على البحر الأحمر، وحيث محور معركة الساحل الغربي حالياً جنوب محافظة الحديدة، إحدى أهم المدن الحيوية في البلاد.
وقالت مصادر إن صلاح، القائد المعين من هادي، محسوب على نائب الرئيس الفريق علي محسن الأحمر، والذي يعد صاحب النفوذ الأول في قوات الجيش الموالية للشرعية في المحافظات الشمالية، وتتمركز في محافظة مأرب ومحيطها.
وأثارت قرارات هادي تفسيرات متباينة بين من رأى في تعيين أحد المحسوبين على الأحمر في "الساحل الغربي" رسالة من الرئيس اليمني لأبوظبي المعروفة باتخاذها موقفاً من أطراف الشرعية التي لا تخضع لنفوذها شمالاً ويحضر فيها نفوذ حزب التجمع اليمني للإصلاح، وبين من اعتبر أن القرارات قد تكون في إطار تنسيق غير معلن، أو قد تسبق تعيينات أخرى، ربما تعطي دوراً للمحسوبين على نجل شقيق صالح، وهو ما لم تظهر له أي بوادر تفاهم حتى اليوم.
في السياق نفسه، عيّن الرئيس اليمني شخصية عسكرية وقبلية مهمة، العميد هاشم الأحمر، قائداً للمنطقة العسكرية السادسة، التي تضم محافظات صعدة وعمران والجوف، شمال البلاد. ويعدّ هاشم الذراع العسكري لعائلة رئيس مجلس النواب الراحل، الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، والذي كان أحد أبرز شركاء الحكم والنفوذ في المحافظات الشمالية لليمن إلى جانب صالح، ثم كان أغلب أبنائه من أبرز الفاعلين الداعمين للثورة في العام 2011، بعد سنوات من وفاة أبيهم (توفي في 2007). ونشبت الخلافات بين صالح وأقاربه من جهة، وبين أبناء الأحمر من جهة أخرى، ليتحول الأخيرون إلى أشد المعارضين لصالح خلال الثورة، قبل أن يتعرضوا للاستهداف من تحالف صالح والحوثيين خلال توسع الجماعة من صعدة إلى صنعاء في العام 2014.


وبسبب الخصومات التي لدى أبناء الأحمر مع صالح وعائلته في السنوات الأخيرة، نظر يمنيون إلى قرار تعيين هاشم بوصفه يأتي في سياق الخطوات التي يتخذها هادي، رداً على محاولات الإمارات والتحالف عموماً، دعم إعادة دور لأقارب لصالح، بمن فيهم طارق صالح، الذي يتواجد في مناطق سيطرة الإمارات وحلفائها من القوات اليمنية المحسوبة على الشرعية، في عدن ومحيطها وصولاً إلى منطقة "المخا" الساحلية التابعة إدارياً لمحافظة تعز.
وعلى عكس الأهمية التي يمثلها تعيين صلاح قائداً للمنطقة الخامسة والأحمر قائداً للمنطقة السادسة، فإن القرار الثالث، بتعيين اللواء إسماعيل زحروح، قائداً لقوات العمليات الخاصة (قوات النخبة في الجيش اليمني)، بدا أقل أهمية، باعتبار أن المعسكرات الرئيسية للقوة ومقارها في صنعاء ومحيطها خاضعة لسيطرة الحوثيين. وكان لافتاً بقاء منصب قائد المنطقة السابعة التي تضم صنعاء وذمار وإب، من دون تسمية قائدٍ له، ما فتح المجال لتكهنات بقرارات مقبلة.
من زاوية أخرى، ومع تصدر قائد من أسرة آل الآحمر (شيوخ قبيلة حاشد) لواجهة قيادة الجيش في المحافظات التي تخضع بمعظمها لسيطرة الحوثيين لكنها تبقى في خارطة معارك قوات الجيش المتمركزة في مأرب والمحسوبة على اللواء الأحمر، وظهور طارق صالح في الساحل الغربي مدعوماً من التحالف مع إشراف على معسكر على الأقل لتجميع الموالين له لمحاربة الحوثيين، يبدو واضحاً أن مراكز القوى العسكرية التقليدية تتوزع النفوذ بخارطة جديدة خلفها مقتل صالح. وتتصدر القوات الموالية لنائب الرئيس الأحمر والأطراف اليمنية الأخرى الموالية للشرعية (أهمها حزب الإصلاح)، في المناطق الوسطى والشمالية، ومركزها مأرب، وما يرتبط بها من جبهات حرب، شرق صنعاء وفي محافظة الجوف بالإضافة إلى البيضاء ومحافظة صعدة، معقل الحوثيين.
في المقابل، يبرز نفوذ طارق صالح، أبرز الناجين من فريق صالح الذي تعرض لهزيمة في صنعاء في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، في المناطق الجنوبية الغربية (الحديدة - غرب تعز)، حيث تؤدي الإمارات دوراً قيادياً إلى جانب قوات ما يُعرف بـ"المقاومة الجنوبية". وكلا الطرفين، قوات الشرعية والمحسوبون على الأحمر في مأرب والموالون لطارق صالح، يعلنون أن معركتهم تتجه صوب الحوثيين، الذين يسيطرون على أغلب محافظات شمال البلاد. ومع ذلك، فإن الخلافات بين الشرعية والمحسوبين على نجل شقيق صالح، تبدو غير هينة، وتعبّر بدرجة أو بأخرى عن الأزمة بين الشرعية وأبوظبي. ومعلوم أن الأزمة وصلت إلى اشتباكات في عدن بين المحسوبين على الطرفين (الشرعية وحلفاء الإمارات).

وبصورة عامة، وإذا ما واصل من تبقوا من فريق صالح إيجاد موطئ قدمٍ لهم في الجبهة الجنوبية الغربية، تبدو الخارطة اليمنية وقد توزعت بين الحوثيين، المسيطرين الفعليين على مركز الدولة، وبين الأطراف المحسوبة على الشرعية وسط البلاد، وبين الفريق الثالث الذي نجا من أحداث صنعاء في ديسمبر الماضي. في موازاة ذلك، تحكم الجنوب معادلة مختلفة، بين قوات أغلبها تدعو للانفصال في عدن ومحيطها، وبين أخرى تكتسب خصوصية محلية في المحافظات الشرقية ومركزها حضرموت.
يذكر أن كلاً من فريق صالح والمحسوبين على الأحمر، كانوا بمثابة المتحكم الأول بالدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية لعقود. وببروز أدوار لأسماء مركزي النفوذ السابقين في العائلتين، على غرار طارق صالح وهاشم الأحمر، فإن ذلك لا يعني عودتها بالغالب، بقدر ما يعني أن البلاد آلت إلى معادلة مختلفة، دمرت إلى حد كبير نفوذ القوى التي كانت الفاعل الأول في البلاد، لصالح الحوثيين الذين قضوا على نفوذ خصوم صالح من آل الأحمر، ثم أكملوا بالقضاء عليه.