الإبقاء على غوانتانمو... وعود ترامب الانتخابية تتخطى حقوق الإنسان

الإبقاء على غوانتانمو... وعود ترامب الانتخابية تتخطى حقوق الإنسان

03 فبراير 2018
تحرك أمام البيت الأبيض في يناير لإغلاق غوانتانمو(واين ماكنمي/Getty)
+ الخط -
قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء، إبقاء معتقل غوانتانمو في كوبا مفتوحاً، تنفيذاً لأحد وعوده الانتخابية، ساعياً من خلاله لكسب نقاط إضافية لرفع شعبيته المتدهورة، ليُسقط مسعى سلفه باراك أوباما لإغلاق هذا المعتقل. ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض مطلع عام 2017، كان ترامب يلمح إلى هذا الإجراء، بحجة حرصه على "أمن الأميركيين".

ومتغاضياً عن الانتقادات الحقوقية التي طاولت المعتقل، ظهرت نية ترامب عندما غرّد على "تويتر" في مارس/آذار الماضي، منتقداً قرار أوباما عام 2009، والمعني بإغلاقه. حينئذ قال ترامب "122 شخصاً ممن أطلق أوباما سراحهم عادوا إلى ساحات القتال. هؤلاء أشخاص خطرون للغاية، يجب عدم السماح بعودتهم إلى أرض المعركة". ويعود الرقم الذي ذكره ترامب، إلى بيانات رسمية صدرت عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، في سبتمبر/أيلول 2016، أكد خلالها أن 122 من أصل 693 سجيناً غادروا غوانتانمو، عادوا إلى الأنشطة الإرهابية. وكان ترامب قد أعلن في فبراير/شباط 2016، خلال مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية، أنه "يتعين على الولايات المتحدة الإبقاء على غوانتانمو مفتوحاً، بل وإمداده بمزيد من الرجال السيئين (في إشارة منه إلى المعتقلين)".

موقف ترامب من غوانتانمو وصفه مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن جواد الحمد، بأنه "استمرار لسياسة الكاوبوي (رعاة البقر) القائمة على البلطجة والتهديد وتجاهل الدستور والقوانين". وأضاف الحمد في حديث لوكالة "الأناضول": "ترامب دمّر أي محاولات لمن سبقه من أجل تحسين صورة الولايات المتحدة، عقب كشف غوانتانمو عن الصورة المزرية للقضاء والسياسة الأميركيين". وأشار الحمد إلى أنّ المناخ العام الأميركي حالياً، يخدم رغبات "ترامب المتطرفة" أكثر من سلفه، كون "التيار المتشدد هو الأكثر سيطرة على سياسة البلاد، والذي يعد ترامب أحد رموزه".

إعطاء ترامب وأوباما أهمية للمعتقل، ينبع من دوافع مختلفة؛ فالأول موقفه نابع من رغبته في الوفاء بوعوده الانتخابية. أما الثاني، فقد حاول إغلاقه تماشياً مع سياساته التي سعت لإظهار الولايات المتحدة دولة معنية بتطبيق حقوق الإنسان والحد من استخدام المعتقل من قبل الجهاديين "كأداة للترويج لأعمالهم الإرهابية".
وعن هذا الأمر، قال مدير المركز المغاربي للدراسات في إسطنبول، زهير عطوف، إنّ أوباما فشل في تحقيق مبتغاه "كون الدولة الأميركية دولة مؤسسات". وأشار عطوف في حديث لـ"الأناضول" إلى "رفض مقترح أوباما من الكونغرس جراء عرقلة الجمهوريين". في المقابل، شدد عطوف على أن "ترامب يحاول بقراره حول غوانتانمو كسب نقاط إضافية في مسألة رفع شعبيته المتدنية في الأوساط الأميركية". واستدل على ذلك بتصريحات ترامب المتكررة حول استخدام المعتقل لـ"حماية الأمة الأميركية بسجن كل من تم القبض عليهم من تنظيمي داعش والقاعدة، حتى من حاملي الجنسية الأميركية".
وفعلياً، يحظر القانون الأميركي محاكمة مواطني البلاد أمام لجان عسكرية، ما يعني أن مساعي ترامب تحتاج تشريعاً من الكونغرس، بحسب وسائل إعلامية عدة.


من جهته، شكك الأستاذ الحقوقي الأميركي روبرت شيسني، الذي عمل مع وزارة العدل الأميركية عام 2009، بإعادة فتح المعتقل، قائلاً "إن الأقوال أسهل من الأفعال". وأضاف في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، نشرته الأربعاء الماضي: "لا شيء في المرسوم التنفيذي الجديد يغيّر العقبات القانونية والسياسية، التي حالت دون اعتقال أي شخص خلال 2017، كتنفيذ لتعهد ترامب". ومن بين العقبات، التكلفة الهائلة لسجن الأشخاص (يحتاج سجن المعتقل الواحد سنوياً 10،8 ملايين دولار)، علاوة على تصنيف المعتقل كـ"رمز فاسد يؤجج المشاعر المعادية لأميركا"، وفق شيسني.

وإلى جانب الانتقادات الحقوقية التي وصفت فيها منظمة العفو الدولية في تقارير متلاحقة، غوانتانمو بأنه "يمثل همجية هذا العصر"، أعرب شيسني عن خشيته من ثلاث مشاكل أخرى رئيسية، هي "التورط مع تنظيم داعش الإرهابي، وعمليات نقل المعتقلين، ونظام لجان المحاكمات العسكرية (لم تحاكم سوى 8 معتقلين)".

في هذا الإطار، أوضحت "نيويورك تايمز" أنّ أحد أهم المخاطر القانونية التي قد تنشأ من إرسال مقاتلي "داعش" إلى غوانتانمو، أن يلجأ قاضٍ فيدرالي إلى الحكم لصالح المتهم. كما حذر موقع "ذا ديلي بيست" الأميركي من أن اعتقال مقاتلي "داعش" قد يستخدمه التنظيم "كسلاح ضد واشنطن". ويحق للمعتقلين في غوانتانمو رفع قضايا أمام المحكمة الفيدرالية الأميركية، للتشكيك في شرعية اعتقالهم، وذلك وفق قرار للمحكمة العليا الأميركية، صادر في يونيو/حزيران 2004.

يشار إلى أن القاعدة البحرية في غوانتانمو حيث المعتقل، تبلغ مساحتها 45 ميلاً (نحو 72 كيلومتراً)، وتستأجرها واشنطن من هافانا منذ عام 1903 مقابل 4085 دولاراً أميركياً سنوياً، بموجب اتفاقية لا يمكن فسخها سوى باتفاق الطرفين.
ولم تكن خطة إغلاق غوانتانمو أحد طموحات أوباما فحسب، إذ لمح الرئيس الأسبق جورج بوش الابن (الذي أعاد افتتاح المعتقل عام 2002) إلى إغلاقه، إلا أنه اكتفى بالإفراج عن 532 معتقلاً من أصل 775. وجاءت خطوة بوش الابن حينها، ضمن خطة دعاية لتعزيز فرصه في الفوز بفترة رئاسية ثانية بانتخابات عام 2004 التي انتهت بانتخابه لمدة أربع سنوات.
وأغلب المعتقلين لم تتم إدانتهم بتهم محددة، بل تم جلبهم من دول أخرى كباكستان وأفغانستان بـ"تهمة الإرهاب". ومن بين المعتقلين كان هناك 21 طفلاً، بلغ أصغرهم 13 عاماً، وانتحر أحدهم عندما بلغ 21 عاماً بعد أن أمضى 5 سنوات في المعتقل.

(الأناضول)


المساهمون