غضب في باكستان لإرسال الجيش قوات إلى السعودية

غضب في باكستان بسبب إرسال الجيش قوات إلى السعودية

20 فبراير 2018
من تدريبات لقوات باكستانية في 2017 (جون مور/Getty)
+ الخط -
في 15 شهر فبراير/شباط الحالي، أعلن مكتب العلاقات العامة في الجيش الباكستاني عن إرسال مزيد من القوات إلى المملكة العربية السعودية في "مهمة تدريب وتشاور"، من دون الحديث حول عدد القوات، مشيراً إلى أن الخطوة تأتي في إطار التعاون العسكري بين الرياض وإسلام آباد، وأنه على غرار التعاون مع باكستان ودول الخليج الأخرى.

لكن سرعان ما بدأ الإعلان يثير ردود فعل معترضة سياسية وشعبية، خصوصاً أن الجيش لم يقدم أي تفاصيل بشأن القرار عدا أنه أتى بموافقة رئيس الوزراء الباكستاني شاهد خاقان عباسي.
ويرى المنتقدون أن القرار الجديد اتخذه الجيش بشكل أحادي ومن دون التشاور مع البرلمان والأحزاب السياسية وبطلب من السعودية ولتلبية مصالحها، وأن تداعياته ستدفع البلاد نحو انزواء أكثر في المنطقة، لاسيما أن القرار سيؤدي إلى تأزم في العلاقات بين طهران وإسلام آباد، وهذا ما لا تتحمله البلاد في الوقت الراهن إذ تتغير الأمور في المنطقة بشكل متسارع، وتقترب طهران من نيودلهي المنافسة الأولى لإسلام آباد.
وما يعزز استياء المعترضين أن القرار الأحادي للجيش اتخذ بعد ثلاث سنوات من تصويت البرلمان الباكستاني لصالح رفض المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، واتخاذ قرار البقاء على الحياد لتجنب الانجرار إلى صراع إقليمي طائفي، وذلك رداً على طلب كانت قدمته السعودية لباكستان ودعوتها للمشاركة بسفن وطائرات وقوات في إطار العمليات العسكرية التي تخوضها في اليمن.



مجلس الشيوخ كان أول من رفع الصوت ضد قرار الجيش، إذ طلب رئيس المجلس، رضا رباني، من وزير الدفاع خرم دسكير خان أن يقدم إيجازاً أمام المجلس هذا الأسبوع بشأن القضية وتوضيحات حول قرار اتخذ في العجالة ومن دون التشاور مع المجلس ومع الجهات السياسية.
من جهته، تساءل القيادي في حزب الشعب، فرحت الله بابر، حول فوائد القرار لباكستان وأسبابه. وقال بابر، وهو من أول من أثار القضية في المجلس، إن إرسال القوات إلى السعودية قضية خطيرة ومهمة لا يمكن التغاضي عنها بهذه السهولة، منوهاً إلى أن القرار أتى في العجالة وبعد اجتماع بين قائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوه وبين السفير السعودي لدى إسلام آباد نواف سعيد المالكي. كما قال إن قائد الجيش أجرى زيارة غير معلنة إلى السعودية قبل ذلك.
كذلك نوقشت القضية في البرلمان. وفي حين بقي الحزب الحاكم، حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف صامتاً حيالها، ما يشير إلى أنه هو الآخر لم يستشر، عدت معظم الأحزاب السياسية القضية خطيرة، خصوصاً أن قرار الجيش أتى بدون التشاور مع الحكومة والأحزاب السياسية.
وقالت شيرين مزاري، القيادية في حزب حركة الإنصاف بزعامة عمران خان، إن جميع القضايا المصيرية والتي تؤثر على سياساتنا في المنطقة لا بد وأن تناقش في البرلمان. كما تساءلت القيادية "لماذا يقرر الجيش وحده في مثل هذه القضية المهمة؟". ولفتت إلى تعيين قائد الجيش السابق الجنرال راحيل شريف قائداً للتحالف العربي الإسلامي، الذي تموله السعودية ومقره الرياض، حدث كذلك من دون التشاور، واليوم يتكرر الأمر نفسه وهو أمر غير مقبول على حد تعبيرها.
بدورها قالت نفيسه شاه، وهي عضوة من حزب الشعب، "إننا لا بد أن نفهم محتويات القرار والسبب من وراء إرسال القوات إلى السعودية، ما مهامها ولماذا تذهب". وتوصل البرلمان إلى بعث رسالة إلى الخارجية لمعرفة دواعي القرار والهدف منه، كما قال رئيس البرلمان سردار أياز صادق.

ولم تقتصر ردود الفعل على السياسيين بل طاولت عامة المواطنين والنشطاء. وفي السياق، خرجت تظاهرة في العاصمة إسلام آباد يوم الأحد الماضي. وكان للتظاهرة هدفان: التنديد بالاغتيالات المتعمدة لرموز الشعب وإرسال القوات إلى السعودية.
وقال أحد منظمي التظاهرة، شبير ساجدي، هو ناشط اجتماعي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الجيش الباكستاني يرسل قواته إلى السعودية لهدف لا نعرفه وتتواصل عمليات الاغتيال في صفوف علماء الدين ورموز الشعب. المفروض التركيز على الوضع الداخلي وعدم الاهتمام بقضايا الخارج، منوهاً إلى أن "إرسال القوات إلى السعودية يؤثر سلباً على سياسات بلادنا في المنطقة، كما أنه يلقي بظلاله على الوضع الداخلي".
وبالإضافة إلى ردود الفعل الداخلية كان قرار باكستان محط اهتمام في الغرب. وفي السياق، نشر موقع "واشنطن إيكزامينر"، مقالاً للكاتب توم روغن قبل أيام، بعنوان "لماذا ترسل باكستان جنوداً إلى السعودية" ناقش القضية وتطرق إلى التداعيات التي قد تواجه باكستان فضلاً عن توقفه عند العلاقات الباكستانية السعودية.
وقال روغن إن ما يلفت الانتباه أن باكستان رفضت في السابق أن ترسل قواتها إلى السعودية للمشاركة في الحرب في اليمن لصالح السعودية. وفي محاولته لتفسير الأمر، أعرب عن اعتقاده بوجود عاملين أساسيين، أولهما وجود توقع لدى الباكستانيين أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيتسلم السلطة قريبا من والده، ويريدون أن يضمنوا حفاظه على موقف منه داعم لباكستان. ولفت إلى أن الجيش الباكستاني، الذي لاحظ أنه يقوده الآن قائد أكثر واقعية، قرر بوضوح أن يبقي بن سلمان في صفه. أما العامل الثاني الذي رجح روغن أن يكون ساهم في اتخاذ الجيش قراره بإرسال قوات إلى السعودية فيتمثل في ما وصفه بـ"وجود عنصر شخصي"، مشيراً إلى أن رحيل شريف، الذي يعد أحد أفضل قادة الجيش الباكستاني، يشغل حالياً منصب رئيس التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الممول من السعودية ويتخذ من الرياض مقراً له. وقد فاز شريف بثقة بن سلمان ويريد من اسلام آباد أن تستثمر هذه العلاقة بشكل أكبر.
ويخلص الكاتب الأميركي إلى أن باكستان، بقرارها، انحازت إلى الجانب السعودي في الصراع الدائر بين الرياض وطهران.
ولا شك أن الهند تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة، وبعد أن تمكنت من تقويض نفوذ باكستان في أفغانستان، تظهر المؤشرات أنها تستغل هذا الوضع لبسط نفوذها في المنطقة وتقوية علاقاتها بإيران. وتشكل زيارة الرئيس الإيراني روحاني الأخيرة إلى نيودلهي دوراً مهماً بهذا الخصوص. كما أن التنسيق بين إيران والهند سيضر بنفوذ باكستان في المنطقة، لا سيما أن ما تفعله الهند عادة ما يتم برضى أميركي.

المساهمون