اللجنة الدولية المستقلة: للسوريين الحق في العدالة بكامل أشكالها

اللجنة الدولية المستقلة: للسوريين الحق في العدالة بكامل أشكالها

20 فبراير 2018
عضوا اللجنة أبو زيد (يمين) وبينييرو(جان بيار كلاتو/فرانس برس)
+ الخط -

تنشر "العربي الجديد" مقالاً لأعضاء "اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق بشأن الجمهورية العربية السورية"، موقعاً بأسماء أعضاء اللجنة، باولو سيرجيو بينهيرو وكارين كونينغ أبو زيد وهاني المجالي. وفي ما يلي نص المقال:


إن مشاهدة الوفود السورية خلال الأسابيع الأخيرة، وهي تسافر جواً من وإلى جنيف وفيينا وأستانة والآن سوتشي للتفاوض بشأن السلام، أمر قد عزز الاعتقاد بأن تسوية سياسية للنزاع السوري أضحت على مرمى حجر. فالتساؤل الحقيقي لا يرتبط بوقف القتال، بل بتحقيق العدالة. عانى الشعب السوري لسبع سنوات تقريبا من الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان، التي لا تقتصر على القتل والتدمير المترتب عن نزاع تُفلِت كل أطرافه تماما من العقاب.

لقد عانى الشعب من مأساة جهل الحقيقة بشأن الأقارب المفقودين، ومن الاحتجاز السري أو "الاختفاء"، ومن التعذيب خلال الاحتجاز، ومن التشريد القسري أكثر من مرة واحدة على الأرجح. لا يمكن أن نأمل بتحقيق سلام مستدام ما لم تتصدَّ الأطراف الباحثة عن تسوية بجدية للظلم الذي لحق بالشعب السوري.
بدأت الحرب السورية في مارس/آذار 2011 بعد مظاهرات سلمية، قبل أن تتطور سريعاً، وبمرارة، إلى نزاع مسلح غير دولي. ومع تكاثر الأطراف الداخلية في هذا النزاع، أدى الدعم العسكري وانضمام عدد من الأطراف والجهات الداعمة الإقليمية والدولية إلى استدامة وتصاعد حدة النزاع، عوض المساهمة في إخماده.

تم قتل مئات الآلاف من المدنيين، وتشريد أكثر من 6 ملايين مواطن داخلياً، في حين أن 13 مليون مواطن يظلون بحاجة إلى مساعدة إنسانية. ولقد غادر البلاد أكثر من 5.5 ملايين سوري. ولم تسقط ضحايا هذه الحرب عن طريق الخطأ، بل نتيجة سياسات وإجراءات متعمدة تستهدف المدنيين بالأساس. إن هذه الأساليب لا تضع على المحك القانون الدولي وحده، بل كذلك المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والمعايير الإنسانية، وعرَّضت بذلك ضمير العالم للصدمة.
وإذ نسعى، منذ ست سنوات من الآن، إلى تنفيذ ولاية لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن الجمهورية العربية السورية، توصلنا إلى استنتاجات تصف بدقة ما تحمَّله الشعب السوري من مآسٍ جراء جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. إن كل فرد من بين 6000 فرد ائتمننا على قصته، أقدم على هذه الخطوة آملا أن تسمح بوضع حد للاقتتال وبتحقيق العدالة لفائدة الضحايا، وبمعاقبة مرتكبي هذه الانتهاكات.

أيَّدنا بشدة قيام مجلس الأمن بإحالة الوضع في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الرغم من وصول المجلس إلى الطريق المسدود في ديسمبر/كانون الأول 2016، رحبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بفكرة إحداث آلية جديدة ومُبتكرة ـ وهي الآلية الدولية المحايدة والمستقلة- بهدف حفظ الأدلة الخاصة بالجرائم المرتكبة في سورية وإعداد ملفات لدعم الجهود المستقبلية الرامية إلى محاكمة مرتكبي الانتهاكات حيثما أمكن العثور عليهم. وتحتاج هذه الآلية إلى دعم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمحاكم المختصة بمثل هذه الملفات الجنائية، لتتمكن من تحقيق أهدافها.


ورغم المطالبة الملحة للضحايا السوريين بتحقيق المساءلة بشأن ما تعرضوا له من جرائم، فهم بحاجة كذلك إلى بعض الأشكال الملموسة والفورية من العدالة، التي تشمل معرفة مصير أقاربهم المفقودين والمختفين، أو تلقي تعويضات عن الانتهاكات المروعة التي تعرضوا لها أثناء الاعتقال، أو إتاحة الفرصة للعودة إلى بيوتهم والمطالبة بممتلكاتهم المصادرة بعد مغادرتهم. كما يشمل ذلك وضع حد لحالات الاختطاف والاعتقال التعسفي، ولأماكن الاحتجاز السرية وللتعذيب ـ بما في ذلك العنف الجنسي والقائم على اعتبارات جنسانية. إن قائمة المطالب بشأن هذه الحاجيات المتصلة بالعدالة، لا تُلغي بأي شكل من الأشكال المطالبة بالمساءلة الجنائية، ولكن تحقيقها قد يتيح سُبُل انتصاف فعلية وعملية لبعض أقسى مظاهر هذا النزاع. يمكن بل وينبغي لهذه المطالب أن تُعتبر أولوية وجزءاً من أي محادثات سلام.

إن كل العمليات المستمرة والرامية إلى دعوة كل أطراف النزاع إلى طاولة مفاوضات السلام بحاجة إلى مراعاة هذه المسائل. وينبغي أن تشمل المفاوضات السياسية مسألة إطلاق سراح السجناء، ووقف تنفيذ أحكام الإعدام، وإحداث عملية مستقلة ومحايدة لجمع المعلومات التي تسمح بالتعرف على المفقودين وضحايا الاختفاء القسري، بهدف بناء الثقة والاطمئنان. ولتعزيز هذه الالتزامات، يجب أن تلتزم كل الأطراف بالإقرار بهوية المحتجَزين وبأماكن الاحتجاز، وبالسماح لآلية مستقلة معنية بالرصد بالنفاذ إليها.

لقد غادر أكثر من نصف الشعب السوري بيوته، ويتعين على كل الأطراف تقديم ضمانات بشأن الاحترام الكامل لحقوق اللاجئين والنازحين، بما في ذلك حقوق الأرض والملكية، والحق في الهوية الوطنية وباقي الاستحقاقات الأخرى البالغة الأهمية والتي تُمَكِن الأفراد من استعادة حياتهم الطبيعية. إن هذه المطالب المتصلة بالعدالة، والتي تتمحور حول الضحية، ينبغي أن تكون أولوية المجتمع الدولي والدول التي تدعم أحد أطراف النزاع السوري، وذلك في إطار الجهود الدبلوماسية لكل طرف من أجل النهوض بالسلام، والمساعدة في إعادة إعمار البلاد، والتخفيف من العقوبات الاقتصادية أو رفعها.

لقد أثبت التاريخ مراراً وتكراراً أن النهوض بالعدالة والمساءلة عنصران أساسيان لتحقيق السلام المستدام. وعلّمنا التاريخ كذلك أنه لا ينبغي للمفاوضين السياسيين منح العفو لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، في سبيل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.
إن الطريق الطويل والعسير باتجاه تحقيق العدالة لفائدة الشعب السوري والمساءلة بالنسبة للمسؤولين عن الجرائم الشنيعة التي ارتُكبت، عبارة عن مسؤولية مشتركة ملقاة على عاتق المجتمع الدولي -وهذه النتائج لن تتحقق بين عشية وضحاها أو في لمح البصر. نظل بحاجة إلى المبادرات الدالة على حسن النية وتدابير بناء الثقة، كما ينبغي على كل الأطراف في هذا النزاع أن تبدأ اليوم بالعمل من خلال القيام بشكل فوري بإطلاق سراح كل النساء والأطفال والمسنّين والأشخاص ذوي الإعاقة. ونظل على استعداد لتقديم المساعدة للشعب السوري للعيش مجدداً جنباً إلى جنب، وبشكل سلمي: فنحن نَدين بذلك للضحايا -أي الناجين-، وهذا أضعف الإيمان.