مصر: الحكومة تلجأ إلى "لامركزية" نزع الملكيات الخاصة

مصر: الحكومة تلجأ إلى "لامركزية" نزع الملكيات الخاصة

18 فبراير 2018
تخفّف التعديلات من شروط إصدار قرارات بنزع الملكية(فرانس برس)
+ الخط -
أقرّ مجلس النواب المصري، منذ أيام، تعديلات واسعة على قانون تنظيم نزع ملكية الأراضي من المواطنين لصالح المنفعة العامة للدولة، تجيز، للمرة الأولى، لرئيس الجمهورية أن يفوّض أحد وزرائه أو المحافظين أو أي جهة أخرى، لإصدار قرار نزع الملكية من المواطنين للمنفعة العامة، بعدما كان هذا الأمر مقتصراً على رئيس الجمهورية وحده، وأن يرفق الرئيس أو من يفوضه بقرار النزع مذكرة ببيان المشروع المطلوب تنفيذه، ورسماً بالتخطيط الإجمالي للمشروع والعقارات اللازم هدمها.

ويتيح هذا التعديل سرعة إجراءات نزع ملكية الأراضي وعدم مركزيتها، فلن تحتاج الحكومة مستقبلاً انتظار صدور قرار من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء لاعتماد المشروع المخطط له، ثمّ نزع الأراضي المطلوبة، بل سيتمتع كل مسؤول يفوضه رئيس الجمهورية بسلطة الاعتماد والنزع بصورة أقرب للامركزية.


وتتّسق هذه الخطوة مع توسّع الحكومة والجيش في نزع الأراضي الخاصة بالمواطنين، لإقامة مشاريع جديدة في مجالات الطرق والمواصلات والإسكان والاستثمار العقاري، إذ تشهد محافظات الدلتا نشاطاً متصاعداً للجيش في إنشاء طرق ومحاور لربطها بالقاهرة الكبرى، بينما تسعى الحكومة لإقامة مشروع "حورس" الاستثماري على أرض جزيرة الوراق في الجيزة، فضلاً عن مشروع امتداد الخط الثالث لمترو الأنفاق في الجيزة أيضاً.

وبعدما كان القانون يلزم الحكومة بتقدير التعويض الذي تدفعه للمواطن المنزوعة منه ملكية الأرض أو العقار، وفقاً لأسعار السوق، وإيداعه خلال شهر لدى خزانة الجهة الحكومية المكلفة بتنفيذ نزع الملكية (المحافظات والمحليات)، ليستفيد منه المواطن مباشرة، ترفع التعديلات مبلغ التعويض ليصبح التقدير الفعلي لسعر الأرض وفق أسعار السوق، مضافاً إليه نسبة 20 في المائة، وعلى الحكومة إيداعه في حساب بنكي يدرّ دخلاً ليستفيد منه المواطن.

وفي مقابل هذه الميزة النسبية التي تحققها التعديلات للمواطنين، سيتم إلغاء المادة 20 من القانون التي تنص على صرف نصف قيمة العقارات المنزوع ملكيتها لتحسين المرافق العامة، فوراً لمالكيها، على أن يودع النصف الآخر لدى الجهة صاحبة المشروع المراد نزع الملكية لصالحه، وهو ما يعني خضوع هذه الفئة أيضاً للحكم العام السابق ذكره بإيداع المقابل مضافاً إليه 20 في المائة في حساب بنكي يدرّ دخلاً.


كما تخفّف التعديلات من شروط إصدار قرارات بنزع الملكية في حال حصول غرق أو قطع جسر أو تفشي وباء، وسائر الأحوال الطارئة أو المستعجلة، بالاستيلاء مؤقتاً على العقارات اللازمة لإجراء أعمال الترميم أو الوقاية للمرافق، حيث تسند التعديلات هذا الاختصاص إلى المحافظين بدلاً من الوزراء، على أن تقوم المحافظة بالاستيلاء على الأراضي بمجرد انتهاء مندوبي الجهة المختصة من إثبات صفة العقارات ومساحتها وحالتها، من دون الحاجة لاتخاذ إجراءات أخرى.

وكان ملف نزع الملكية للمشاريع التي يصفها، الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بـ"القومية"، يمثّل "صداعاً" للدولة بصفة عامة والجيش بصفة خاصة، باعتبار أن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة هي القائمة الآن على إدارة وتنفيذ ومقاولة 80 في المائة من المشاريع الحكومية، بما في ذلك المشاريع التي تنفّذها فعلياً شركات حكومية أخرى كـ"المقاولون العرب والنصر العامة للمقاولات" وغيرها.


فبسبب اشتراط صدور قرار النزع عن رئيس الجمهورية في القانون القائم، وقعت بعض المشاكل، أبرزها ما نشرته "العربي الجديد" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من إحالة بعض المواطنين الغاضبين من نزع ملكية أراضيهم إلى المحاكم العسكرية، لمحاولتهم عرقلة إجراءات الهيئة الهندسية والشركات العاملة معها، لتوسيع حرم بعض المشاريع باعتبارها منشآت عامة في حكم المناطق العسكرية، مما يعني نزع ملكية مساحات إضافية من الأراضي والعقارات بالمخالفة لقرارات رئيس الجمهورية السابق نشرها.

وتسببت هذه الإجراءات في غضب الأهالي المالكين للعقارات المطلوب نزع ملكيتها، فحاول بعضهم منع الجيش من إزالة العقارات وإخلاء الأراضي، مما تسبب في مصادمات ببعض مناطق محافظات القليوبية والشرقية والمنوفية، لكن هذا لم يمنع الجيش من تنفيذ مخططاته، وتمت إحالة عدد غير معروف (تقدره المصادر القانونية بالعشرات) إلى المحاكم العسكرية، رغم أن الجيش ينفذ تلك المشاريع بالنيابة عن الحكومة، ومازالت تلك المحاكمات جارية.

لكن التعديلات الجديدة، ستسمح للجيش وأي جهة حكومية أخرى قادرة، على فرض قراراتها بعد تفويض مفتوح لها يصدر عن رئيس الجمهورية، من دون الحاجة لإدخال تعديلات على المخططات الأصلية للمشاريع، مما يضمن إطلاق يد الجيش في إدارة هذا الملف، والإسراع في إجراءات تنفيذ المشاريع، وهو ما يهدف إليه السيسي، والذي كان قد أصدر في يناير/كانون الثاني 2015، تعديلاً على القانون نفسه، لتسريع الإجراءات أيضاً من خلال تقليص مدد صدور قرارات النزع وإجراءات الاعتراض والتعويض.