انهيار مفاوضات تقاسم السلطة في إيرلندا الشمالية... والسبب اللغة

انهيار مفاوضات تقاسم السلطة في إيرلندا الشمالية... والسبب اللغة

18 فبراير 2018
نفت فوستر التوصل لاتفاق مع شين فين (تشارلز ماكيلان/Getty)
+ الخط -

عزز توجه رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، ورئيس وزراء إيرلندا، ليو فارادكار، إلى بلفاست، قبل أيام، لدعم مفاوضات تقاسم السلطة بين الحزبين الرئيسيين في إيرلندا الشمالية، "الاتحادي الديمقراطي" و"الشين فين"، الآمال بالوصول إلى اتفاق ينهي فراغاً سياسياً دام لأكثر من عام.

وكان من المتوقع أن تبارك ماي وفارادكار الصفقة التي طال انتظارها، رغم وجود أصوات حذرت من التفاؤل المبكر، متوقعة دخول المفاوضات مرحلة أكثر جدية وتوتراً بوصول الزعيمين إلى بلفاست، وهو ما حدث بالفعل، إذ انهارت المفاوضات بين الحزب الاتحادي الديمقراطي، المؤيد للتاج البريطاني، وحزب الشين فين المؤيد للجمهورية الإيرلندية، حول موضوع الاعتراف باللغة الإيرلندية لغة رسمية في إيرلندا الشمالية، وهو ما يطالب به "الشين فين" وترفضه الأغلبية في إيرلندا الشمالية. وكان قادة الحزبين استطاعا، خلال عام من المفاوضات، التقارب حول عدد من القضايا الشائكة بينهما. كما أن نقطة الطاقة النظيفة التي أدت إلى انهيار الحكومة في يناير/كانون الثاني عام 2017 أصبحت من الماضي. وتوصل الطرفان الأسبوع الماضي إلى تفاهمات حول موضوع اللغة الإيرلندية، تقضي بتشريع ثلاثة قوانين تكفل حقوق المتحدثين بالإيرلندية، وحقوق اسكتلنديي أولستر، وتعزيز الثقافة البروتستانتية. لكن انهيار المفاوضات السريع يعكس حقيقة مرّة عن واقع إيرلندا الشمالية.

فعلى الرغم من التفاهمات بين الحزبين وتشاركهما السلطة منذ اتفاق الجمعة العظيمة قبل 20 سنة، لا يزال الاستقطاب الطائفي موجوداً وبقوة في إيرلندا الشمالية. ويفاقم من تعقيد الوضع حكومة الأقلية البريطانية، ومفاوضات بريكست الحالية. فحزب الشين فين متهم من الطرف الآخر بتسييس مسألة اللغة لتحقيق أهداف سياسية، أكثر من رغبته في حماية حقوق الأقلية المتحدثة بالإيرلندية. فاللغة الإيرلندية هي اللغة الأم لنحو 0.2 في المائة من سكان إيرلندا الشمالية فقط، وإن كانت نسبة من يفهمونها، إلى درجة ما، لا تتجاوز 11 في المائة، وفقاً لإحصاء أجري في عام 2011. وبالتالي فإن المطالبة بجعل اللغة الإيرلندية لغة رسمية، واستخدامها في الطرقات والمدارس والتوظيف، سيولد المزيد من الحساسيات بين المجتمعات الإيرلندية التي لا تزال تحمل ذكرى الحرب الأهلية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.


أما الحزب الاتحادي الديمقراطي فمتهم أيضاً بعدم رغبته في التوصل إلى اتفاق سياسي مع الـ"شين فين". فقد كانت زعيمة الحزب، أرلين فوستر، نفت التوصل إلى اتفاق مع حزب "شين فين" حول اللغة الإيرلندية، قائلة إنه "أمر لا يمكنني الموافقة عليه. كنت دائماً شديدة الوضوح بهذا الخصوص". وردت زعيمة "شين فين"، ماري لو ماكدونالد، بأن حزبها يمتلك أوراقاً تثبت توصل الطرفين إلى اتفاق. ويعزو بعضهم هذا التردد في موقف الحزب الاتحادي الديمقراطي إلى عدم قدرته على إقناع قاعدته الشعبية بالتسوية السياسية التي تم التوصل إليها الأسبوع الماضي، رغم إضافة فقرة خاصة بحقوق المتحدثين باسكتلندية أولستر، وهي اللغة المستخدمة في مقاطعة أولستر التاريخية، والتي تشكل إيرلندا الشمالية جزءاً منها، ويتحدث بها من يتحدر من المستوطنين الاسكتلنديين الذين قدموا إلى الجزيرة الإيرلندية في القرن السابع عشر. إلا أن هذه اللهجة المحلية، أو اللغة كما يراها بعضهم، يفهمها أقل من 10 في المائة من السكان، بينما نسبة المتحدثين بها كلغة أم شبه معدومة، وفقاً لإحصاء 2011.

ويرى بعضهم أن الهيمنة السياسية لحزبي "شين فين" و"الاتحادي الديمقراطي" لا تعود إلى شعبيتهما، بل إنها تعبير عن رغبة مجتمع أتعبته التوترات السياسية والطائفية في ردع التوجهات السياسية المتطرفة من التفرد في الحكم، خوفاً من العودة إلى التشاحن الذي عاشته البلاد خلال الحرب الأهلية، وتمزيق التوازن الهش الحالي. فأغلبية الناخبين يصوتون لصالح الحزب الذي يرون فيه أفضل خيار لصد المواقف المتطرفة، وهم يرفضون الاختيار بين بريطانيا وإيرلندا، إذ إن اتفاق الجمعة العظيمة أتاح الفرصة لخلق بيئة يرى فيها ثلثا سكان إيرلندا الشمالية أن الوضع الحالي جيد لهم، وهو إنجاز كبير ساهمت الحكومتان البريطانية والإيرلندية في حمايته ورعايته.

لكن الانتخابات العامة في بريطانيا أخلت بهذا التوازن عندما سعى حزب المحافظين إلى التحالف مع "الاتحادي الديمقراطي" في البرلمان البريطاني، لدعم حكومة الأقلية التي تقودها تيريزا ماي بأصوات الحزب العشر في ويستمنستر. وأضعفت هذه الصفقة من موقف الحكومة البريطانية كضامن للعملية السياسية في بلفاست، وقوضت من قدرة لندن على الضغط على الحزب الاتحادي الديمقراطي لتحقيق أي تقدم في هذه المباحثات. ويفاقم من سوء هذا الوضع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومعضلة الحدود الإيرلندية. فهناك عدد من السياسيين البريطانيين في لندن مستعد لرفع الحدود الصلبة بين إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية، وهو ما قد يقوض عملية السلام في إيرلندا الشمالية كلياً، بينما خرجت أصوات تطالب بعودة الحكم المباشر لإيرلندا الشمالية بحجة وجود ضرورة لإعادة الاستقرار السياسي إلى البلاد. وطالب البعض الآخر بقطع أجور أعضاء مجلس ستورمونت، وهو برلمان إيرلندا الشمالية، لتوقفه عن العمل لأكثر من 400 يوم. ويخشى في ظل هذا الفراغ السياسي المستدام أن تعود إيرلندا الشمالية إلى زمن القلاقل، كما كانت تعرف خلال الحرب الأهلية. ولكن رغم ذلك، فإن هناك اعتقاداً بأن الأطراف المعنية ستتلقف خيوط المفاوضات من جديد لتحيك اتفاقية ترضي الطرفين بعيداً عن التوتر الذي كان جلبه وصول ماي وفارادكار إلى بلفاست.