النظام يوظّف "داعش" جنوب دمشق لتبرير الحصار

النظام يوظّف "داعش" جنوب دمشق لتبرير الحصار ومنع عودة السكان

18 فبراير 2018
يسيطر "داعش" على مساحة واسعة من مخيم اليرموك(فرانس برس)
+ الخط -
تظهر المؤشرات المتتالية في جنوب دمشق، وهي المنطقة التي تعيش منذ بعض الوقت فترة ركود وترقّب في ظل الحصار الكلي أو الجزئي المفروض عليها منذ منتصف العام 2013 من جانب قوات النظام السوري والمليشيات التابعة له، أن النظام قرّر إيكال تنظيم "داعش" مهمة خوض بعض المعارك عنه في المنطقة، ومن ثمّ توظيفه في تبرير استمرار حصارها ومنع عودة الأهالي إليها، على غرار ما حصل في مناطق أخرى من البلاد، خصوصاً في ريف حماة الشرقي إذ سعى النظام إلى خلق بؤرة استنزاف لقوات المعارضة السورية وفصيل "هيئة تحرير الشام" في ريف إدلب الجنوبي من خلال تسهيل عبور فلول تتبع تنظيم "داعش" قادمين من ريف حماة الشمالي الشرقي إلى مناطق سيطرة المعارضة.

ورغم أنّ المناطق الجنوبية من دمشق، التي تضمّ الحجر الأسود ومخيم اليرموك ومخيم فلسطين والقدم والسبينة، والتي يسيطر على معظمها تنظيم "داعش" وتتواجد فيها فصائل معارضة، لا تبعد أكثر من 7 كيلومترات عن قلب دمشق، إلاّ أنّ النظام السوري لا يبدي أيّ قلق بشأن وجود التنظيم فيها، بل ثمّة مؤشرات قوية على تعاون بين الطرفين ضد الفصائل الأخرى المنتشرة في المنطقة.


واللافت، خلال الأيام الأخيرة، مسألتان: الأولى تتمثّل بالهجمات التي بدأ تنظيم "داعش" يشنها على الفصائل الأخرى في المنطقة، وتمكّنه من التمدّد على حسابها، والثانية، تزامن ذلك مع دخول أمراء للتنظيم من خارج المنطقة المحاصرة بإحكام، ما يعني أن دخولهم تمّ بالتنسيق مع النظام.

وقد سيطر التنظيم، الجمعة، على شارع الـ 15 وكتل سكنية خلف جامع الوسيم في مخيم اليرموك، بعد اشتباكات مع "هيئة تحرير الشام" (فصائل تقودها النصرة) والتي ما زالت تسيطر على مساحة محدودة من المخيم. وبدأت الاشتباكات باستهداف نقاط "تحرير الشام" بسيارة مفخخة تخللها استخدام قذائف "هاون" وعبوات ناسفة، فيما عمدت قوات النظام المتمركزة في الكتلة السكنية لأبنية القاعة في حي الميدان الدمشقي، إلى مساندة التنظيم من خلال تمشيط ساحة الريجة التي تسيطر عليها "تحرير الشام"، بالرشاشات المتوسطة.

وجاء ذلك بعد يومين من سيطرة "داعش" على شارع حيفا في المخيم، بعد اشتباكات ضد "تحرير الشام"، حيث قتل وأصيب 24 عنصراً من التنظيم. وعمد عناصر التنظيم إلى حرق العديد من المنازل السكنية في شارع حيفا، بعد السيطرة عليه، إضافة إلى حرق جثتين من عناصر "تحرير الشام". ولفت ناشطون إلى أنّ اثنين من جرحى التنظيم الذين أصيبوا خلال الاشتباكات نقلوا لتلقي العلاج في مشفى المهايني بدمشق عن طريق حاجز العسالي المسيطر عليه من قوات النظام السوري.

ومع سيطرة التنظيم على شارع حيفا، يضيق الخناق على "تحرير الشام" في آخر معاقلها، وهو حي الريجة الذي يشكّل خط تماس مع قوات النظام من جهة العاصمة دمشق.

وسبق أن اتهم "جيش الإسلام"، يوم 18 يناير/كانون الثاني الماضي، النظام السوري بعلاج عناصر تنظيم "داعش" الذين جرحوا باشتباكات حي الزين جنوب العاصمة.

كذلك، اندلعت اشتباكات بين "داعش" والفصائل الأخرى مثل "جيش الإسلام" و"جيش الأبابيل" التابع لـ "الجيش السوري الحر" في حي الزين الفاصل بين الحجر الأسود ويلدا، أسفرت عن سيطرة التنظيم على الحي، بما في ذلك "البناء الأبيض"، وهو أعلى بناء في المنطقة، ويشرف على أجزاء واسعة من حي يلدا. وتمكّن التنظيم من السيطرة على حي الزين، بعد استخدامه سيارات مفخخة وجرافات وصواريخ موجهة شديدة التأثير وأسلحة ثقيلة ومتوسطة، ما يجعل الطريق ممهداً أمامه للتقدم باتجاه حي يلدا، الخاضع لسيطرة كل من جيش الإسلام وجيش الأبابيل.

ولفت ناشطون إلى دور النظام الهام في تقدّم "داعش" جنوب دمشق، مشيرين إلى أن الصواريخ شديدة الانفجار التي استخدمها التنظيم في هجومه تلقاها من مليشيات النظام التي تحاصر المنطقة. واعتبر الناشط مصطفى أبو محمود، الموجود في المنطقة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "النظام يستهدف من خلال مساعدة داعش هناك إلى إضعاف فصائل المعارضة جنوب دمشق، والضغط عليها، للقبول بشروط التسوية التي سبق أن طرحها النظام سابقاً والتي تقضي بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط، وخروج الرافضين للتسوية إلى إدلب".

وأوضح أبو محمود أن "التنظيم ينفّذ أجندات النظام، وهو يخرج يومياً العديد من عناصره من جنوب دمشق عبر حواجز النظام بعد دفع مبالغ مالية كبيرة عن كل شخص لإخراجه للشمال السوري، فضلاً عن التنسيق بين الجانبين لمعالجة جرحى التنظيم في مشفى المهايني بدمشق".


وجاءت أوضح مؤشرات التعاون بين الجانبين، خلال الأيام الأخيرة، مع دخول عدد من قياديي تنظيم "داعش" إلى مناطق سيطرة التنظيم جنوب دمشق، بالتنسيق مع قوات النظام. وقالت مجموعة "العمل من أجل فلسطيني سورية" إن ثلاثة أمراء من جنسيات مختلفة دخلوا المنطقة، وتولوا فور وصولهم مناصبهم القيادية في التنظيم، حيث تولى قيادي من جنسية جزائرية الإمارة العامة لداعش، وآخر يحمل الجنسية العراقية نُصّب أميراً أمنياً، وقيادي ثالث سعودي الجنسية عيُّن أميراً شرعياً للتنظيم، فيما وردت أنباء عن وجود أمير رابع يحمل الجنسية التونسية. كما تشير المعطيات إلى احتمال دخول قياديين آخرين خلال الأيام المقبلة إلى المنطقة، من بينهم أبو صياح طيارة الملقّب بـ"أبو صياح فرامة"، أمير التنظيم سابقاً، علماً أن عائلة فرامة كانت قد دخلت جنوب دمشق قبل نحو أسبوعين.

وبحسب مصادر عدة، فإن قياديي التنظيم قدموا من شمال سورية وجنوبها، ومن العراق، ودخلوا عبر حاجز بردى جنوب الحجر الأسود، حيث باشروا بإجراء اجتماعات مكثّفة، وتفقد "نقاط الرباط"، ليستلموا زمام الأمور بعد التخبّط الذي أصاب التنظيم بسبب خروج العشرات من أمرائه وعناصره، في أوقات سابقة، ضمن صفقات مع النظام.


وأفادت مصادر من داخل "داعش" في جنوب دمشق، أن التنظيم قام بتسليم رواتب لعناصره بعد انقطاعِ أشهر عدة، على الرغم من أن جنوب دمشق يخضع لحصار مشدّد من قبل النظام السوري ومجموعاته الموالية له.

من جانب آخر، تشهد المنطقة حالة توتر شديدة وتخوّف كبير بين المدنيين، تنذر بموجة نزوح جماعية، إذ بدأ الأهالي فعلياً بالبحث عن مساكن في مناطق الجوار، وذلك بعد إخطار التنظيم سكّان مدينة الحجر الأسود بالخروج منها والتوجه لمخيم اليرموك وتحويلها لمنطقة عسكرية.

وتضم مناطق جنوب دمشق الخارجة على سيطرة النظام، ثلاث مناطق رئيسية، تحاصرها قواته منذ نهاية عام 2013. وبعد توقيع هدنة في الشهر الرابع من عام 2015، سمح بإدخال بعض المواد الغذائية من حاجز سيدي مقداد – ببيلا، مقابل إيقاف استهداف طريق مطار دمشق الدولي.

وتضم المنطقة الأولى بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، وتخضع لسيطرة فصائل المعارضة (تجمع أبناء الجولان، لواء أبابيل حوران، جيش الإسلام، حركة أحرار الشام، لواء شام الرسول وفصائل أخرى). في حين تضم المنطقة الثانية حييّ الحجر الأسود ومخيم اليرموك وأجزاء من مخيم فلسطين، ومعظم حي التضامن وحي العسالي، وتخضع لسيطرة "داعش"، باستثناء منطقة الريجة داخل حي اليرموك التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام". أما المنطقة الثالثة، فتضم حييّ القدم والمادنية، وتخضع لسيطرة فصيل "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام".

وظهر تنظيم "داعش" في منطقة جنوب دمشق بعد انشقاق عناصر من "جبهة النصرة"، وطردهم من منطقتي يلدا والتضامن إلى الحجر الأسود، وكان عددهم حينذاك نحو 150 مقاتلاً، جرت محاصرتهم في منطقة جامع الرحمن من جانب الفصائل في المنطقة.

وأوضح الناشط من مخيم اليرموك، أبو يحيى الشامي، لـ"العربي الجديد"، أن عناصر التنظيم كانوا قبل عام 2013، مجموعة صغيرة لا وزن لها، لكن مع اشتداد الحصار، وتراجع الدعم للفصائل وتدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانتشار البطالة، بدأ مقاتلون وشبان باللجوء إلى "داعش" الذي كان يقدّم رواتب شهرية كبيرة نسبياً للمقاتلين. ولفت الشامي إلى أن "داعش الذي يسيطر اليوم على الحجر الأسود والتضامن ومساحة واسعة من مخيمي اليرموك وفلسطين، تعتبر جبهاته مع النظام مستقرة بشكل تام، في حين يوجه سلاحه باتجاه الفصائل المسلحة المعارضة".


ويرى خبراء عسكريون أن "منطقة جنوب دمشق تعتبر ساقطة عسكرياً، حيث لا تضمّ أسلحة ثقيلة، وتعاني من الحصار والإنهاك نتيجة الحصار الطويل، ويستطيع النظام اجتياحها بكل سهولة لو أراد ذلك"، لافتين إلى أنّه "لم يحاول ولا مرة بشكل جدي اجتياح المنطقة التي تعتبر جزءاً من دمشق، بينما استبسل للسيطرة على مناطق أخرى مثل داريا وجوبر".

ويعزو الخبراء "تساهل" النظام مع المنطقة إلى وجود تنظيم "داعش" فيها الذي نادراً ما يشتبك مع قوات الأسد، فيما يسعى النظام أيضاً من خلال عملائه ضمن التنظيم، إلى فتح جبهات قتال متعددة بين التنظيم وفصائل المعارضة، بهدف إضعاف جميع القوى في المنطقة، تمهيداً للسيطرة عليها. كما يستفيد النظام من وجود التنظيم جنوب دمشق لتوفير ذريعة بأنه يحارب الإرهاب، ولا يستطيع رفع الحصار عن المنطقة، والسماح بعودة الأهالي إليها، علماً أنّ المنطقة كانت تضم قبل الحرب نحو مليون ونصف المليون شخص، لم يبق منهم اليوم سوى بضعة آلاف.

وتعتبر منطقة جنوب دمشق منطقة نفوذ لإيران ومليشياتها، خصوصاً منطقة السيدة زينب التي تضم مقام السيدة زينب. وراجت في أوقات مختلفة معطيات، أن النظام الذي يمنع عودة الأهالي إلى مناطق جنوب دمشق حتى تلك التي استعاد السيطرة عليها منذ سنوات، مثل السبينة، ربما بسبب خطط لديه لإحلال سكان آخرين مكانهم على أساس طائفي، خصوصاً في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الذي بات خالياً تقريباً من سكانه اليوم، بعد أن كان يضم سابقاً نحو مليون شخص، بينهم 350 ألف فلسطيني.

وكانت جرت جولات عدة من المفاوضات، العام الماضي، بين قوات النظام وتنظيم "داعش" بهدف خروج الأخير نحو المنطقة الشرقية، إلاّ أنّ المتغيّرات التي حصلت، وانحسار مناطق نفوذ التنظيم في سورية ألغت فكرة الخروج.

 

المساهمون