فساد العراق بحماية النواب: تعطيل محاربة الكسب غير المشروع

الفساد في العراق بحماية النواب: تعطيل محاربة الكسب غير المشروع

15 فبراير 2018
من الاحتجاجات ضد استشراء الفساد (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

بالتزامن مع كلمة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، خلال مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي أنهى أعماله أمس الأربعاء في الكويت، وتعهد فيها بالعمل على محاربة الفساد في بلاده كونه من أبرز الملفات التي تقلق المانحين، يراوح أحد أبرز مشاريع القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد في العراق، والمعروف باسم "من أين لك هذا"، مكانه للأسبوع الرابع على التوالي في أروقة البرلمان. ويخول مشروع القانون السلطة القضائية والحكومة العراقية إحالة المسؤولين الحكوميين والسياسيين إلى التحقيق والمساءلة عن مصدر أموالهم أو أموال أفراد أسرهم، تحديداً الأقرباء من الدرجة الأولى، مع إجبار البنوك على كشف حركة تعاملات المسؤولين والسياسيين حين يطلب منها ذلك، بما في ذلك معاملات وحركات الأموال منذ عام 2003 (احتلال العراق).

وتعارض كتل سياسية عدة بعض بنود مشروع القانون، معتبرة أنه قد يتحول إلى سكين استهداف سياسي، إلا أن هذا الاعتراض لم تعلنه أي جهة برلمانية سياسية حتى الآن خوفاً من ردة فعل الشارع. ووفقاً لمصادر تحدثت من داخل البرلمان العراقي، مع "العربي الجديد"، فإنه يوجد محاولات لعرقلة مشروع القانون من قبل بعض الكتل السياسية أبرزها حزب الدعوة الإسلامية الذي يصنف عددٌ من قياداته وشخصياته البارزة ضمن خانة الأثرياء الجدد في البلاد.



وأوضح النائب عن كتلة الجماعة الإسلامية الكردستانية، زانا سعيد، أنه "تمّ تجميع 140 توقيعاً لأجل تمرير مشروع قانون الكسب غير المشروع، وذلك في خطوة نعتقد أنها تساعد الحكومة في مشروع مكافحة الفساد"، مبيناً أنّ "عدداً من النواب اعترضوا على قراءة المقترح، وحاولوا عرقلته داخل البرلمان". ولفت سعيد، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "القانون وضع فقرات مهمة، نصت على اتخاذ بعض الإجراءات الأخرى، التي تساعد الحكومة وهيئة النزاهة على مكافحة الفساد".

ويتطلب إقرار القوانين الجديدة في البرلمان العراقي، وفقا للمادة الثانية من الدستور، ثلاث قراءات تتم خلالها مناقشة جميع فقرات مشروع القانون قبل الذهاب للتصويت عليه على أن يحظى أي قانون مراد تشريعه بتأييد نصف عدد أعضاء البرلمان زائداً واحداً.

ونجح النواب المؤيدون للمشروع في تمرير القراءة الأولى له، والتي يتم من خلالها توزيع نسخ من مشروع القانون على أعضاء البرلمان ليطرحوا ملاحظاتهم خلال القراءة الثانية التي لا تزال تتعرض للعرقلة من بعض الكتل. 

ويتضمن مشروع قانون "الكسب غير المشروع"، متابعة أموال موظفي الدولة من مدير عام فما فوق، وأنّ أي أموال يمتلكها لا تتناسب مع راتبه الرسمي، تعد مثار شبهة. وينص مشروع القانون على فتح تحقيق بجميع أموال المسؤول التي اكتسبها بعد شغله للمنصب، على أن تخضع الأموال للتحقيق القانوني ويلزم المسؤول بتقديم كشف لذمته المالية، بين فترة وأخرى، وأن يحاسب في حال عدم تقديمه، كما يحاسب على أي أموال لم يثبت مصدرها.
وتكمن خطورة قانون "الكسب غير المشروع" على الفاسدين، في أنه يكشف عن ملفاتهم السابقة أيضاً وليس عن الملفات الحالية، إذ يفسح المجال لمتابعة كل الملفات الأمر الذي جعل الكثير من المسؤولين يستبعدون إمكانية تمريره، أو العمل على تعديله.
من جهته، قال عضو هيئة النزاهة، ماجد المفرجي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قانون هيئة النزاهة يطالب المسؤولين بتقديم ذممهم المالية، لكن المشكلة تكمن في أنه لا يسمح بمحاسبة المسؤول الذي لا يقدم ذمته، أو الذي تثار شبهة حول مكاسبه المالية". وبيّن أنّ "عدم وجود فقرات تخولنا المحاسبة والمساءلة، هو بمثابة فرصة تمنح للفاسدين لمواصلة فسادهم".
ولفت المفرجي إلى أنّ "الكثير من المسؤولين الذين تدور حولهم الشبهات والشكوك، لم يقدموا ذممهم المالية منذ سنوات عدّة، على الرغم من المطالبات المستمرة بكشفها، الأمر الذي يؤشر إلى مدى خطورة الفاسدين وتهربهم من أي قانون وأي استفسار"، مبينا أنّ "هؤلاء الفاسدين سيحاربون القانون داخل البرلمان، ولن يسمحوا بتمريره مهما كلفهم ذلك".
واعتبر المفرجي أنّ "قانون الكسب غير المشروع، يهدد حتى الملفات السابقة للمسؤولين، ويسمح بفتحها والتحقيق فيها، الأمر الذي يجعل من محاولات تمريره محاولات يائسة، إذ إنّ الفاسدين سيحاربونه بكل الطرق".

ويؤكد قانونيون أنّ القانون العراقي لا يحتاج إلى تعديلات جوهرية، بل تعديل فقراته وتشديدها بمحاربة الفساد والفاسدين، وإلّا فإنّ بقاءه على هذه الصيغ هو بمثابة تدعيم للفساد.
وفي السياق، قال الخبير القانوني، عبد الرؤوف محسن، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "القوانين تحتاج إلى تعديل ودراسة مستمرة بحسب معطيات الوضع الذي يمر به البلد"، مبيناً أنّ "الوضع العراقي المزري، من ناحية الفساد ومن ناحية انتشار العنف والتزوير والسلب والنهب والسطو المسلح، وغير ذلك، يستدعي قانوناً مشدداً وحاسماً يقف حائلاً بين المجرم وجريمته، ويعاقب بشدة كل من يرتكب أي جريمة، مهما كان منصبه وارتباطه، كما يحاسب الجهات المعطلة للقانون والتي تتدخل فيه".
وأشار محسن إلى أنّ "القانون العراقي في حال كان شديداً ومنصفاً بالوقت نفسه، لا يوجد حاجة إلى تشريع قوانين جديدة داخل البرلمان تدخل في سجالات سياسية وخلافات عميقة، وتعمل جهات سياسية على تعطيلها"، مؤكدا أنّه "من المهم جداً أنه في حال عدم تمرير القانون في البرلمان، أن يتم العمل على تعديل قوانين هيئة النزاهة بحيث تكون قوانين تسمح بمحاسبة ومعاقبة كل مسؤول لا يتعاون معها".
وشدد الخبير القانوني نفسه على "أهمية أن تشكل لجان قانونية خاصة، تدرس قانون هيئة النزاهة من جديد، وتضع تعديلات جوهرية عليه، وأن يتم وضع قانون بمستوى حجم خطر الفساد في البلاد، والجهات الداعمة له".
وفي السياق، يرجح مراقبون عدم قدرة العبادي على المضي قدماً في حربه ضد الفساد، وأن تنتهي جهوده بالفشل، في ظل قوة ونفوذ الفاسدين.