بلاغ كاذب في الأردن

بلاغ كاذب في الأردن

14 فبراير 2018
في أحد أسواق عمان (جويل صمد/فرانس برس)
+ الخط -
يجرّم قانون العقوبات الأردني "البلاغ الكاذب"، ويرتب عقوبة على مقدمه، تتراوح مدة السجن فيها أو الغرامة المالية وفقاً لتكيف الجرم جنحة كان أم جناية. في الأردن حيث يتوسع النقاش حول الدولة المدنية القائمة على العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، والتي حدد الملك في ورقته النقاشية السادسة سيادة القانون أساساً لتحقيقها، وجّه مستشار في الديوان الملكي صفعة عنيفة للنقاش ومخالفة صريحة للرؤية الملكية.

المستشار عصام الروابدة، الذي صعد للمنصب بقوة دفع والده، رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، مارس مطلع الأسبوع سلوكاً استعلائياً يفصح عن قيمة المواطن في وعي المسؤول الأردني، وهي قيمة تتضاءل كلما تضخم موقع المسؤولية. لم يكتف المستشار بتجاوزه السرعة المقررة على الطريق العام، بل ضاق ذرعاً بسائق حافلة نقل ركاب، ذنبه الوحيد أن التزامه بالقواعد المرورية حال دون قدرته على فتح الطريق أمام المستشار "المتهور".
المستشار، وبعد أن شعر بجرح في كبرياء منصبه الرفيع، استغل نفوذه لتوقيف السائق وتحرير مخالفة سير بحقه اتهم فيها بناءً على بلاغِ المستشار الكاذب بـ"قيادة المركبة بصورة متهورة". ولولا إصرار السائق المحمي بعشيرة كبيرة على دفع الظلم الذي لحق به، لما فُضِح المستشار، ولولا قوة مواقع التواصل الاجتماعي التي حولت "الفضيحة" إلى قضية رأي عام لما انكشف الوجه الحقيقي للمستثمرين في المناصب بغية إذلال المواطنين وسحقهم.

ما فعله المستشار جريمة مكتملة الأركان، لكن الجريمة المضاعفة تمثلت باستقوائه بالديوان الملكي على السائق لإنهاء القضية خارج الأطر القانونية عبر اعتذار بارد قدّم للسائق الذي استدعي للديوان الملكي، في مخالفة واضحة للعرف الأردني المستقرّ بأن يتوجه الجاني لطلب الصفح لا أن يستدعي الضحية. المعالجة الأولية التي ألبسها رجال الديوان الملكي عباءة ملكية مثّلت إساءة مقصودة للتوجيهات الملكية المعلنة، وفتحت الباب ليطاول النقد ما أهو أبعد من الديوان الملكي. استدعى ذلك أن تلحقها معالجة ترقيعية حفظت أيضاً ماء وجه المستشار المُتنمِّر بصدور إرادة ملكية بقبول استقالته. "الفضيحة" ومعالجتها لا تصفع فقط أحلام الدولة المدنية بل تعيدنا إلى ما قبل الدولة.

دلالات

المساهمون