"دواعش" جنوب العراق: حركات متطرفة لـ"تنظيف الطائفة"

"دواعش" جنوب العراق: حركات متطرفة لـ"تنظيف الطائفة"

14 فبراير 2018
تمكّنت قوات الأمن من تفكيك أكثر من مجموعة(فرانس برس)
+ الخط -
ليس سراً أن "الظاهرة الداعشية" بما هي حالة عنفية إرهابية منطلقة من قراءة متطرفة للخطاب الديني، لا تقتصر على مذهب معين، أو دين واحد. وليس سراً أن "حالة داعشية" موجودة بالفعل في بعض أوساط المذهب الشيعي في أكثر من مكان في العالم، بالخطاب والممارسة التكفيرية والدعوة للتصفية الجسدية. ويشكل جنوب العراق، منذ سنوات، موطئ قدم لتيارات من هذا النوع، صحيح أنها أقلية، لكنها موجودة منذ ما قبل الظهور الرسمي لتنظيم "داعش". غير أن هذه الظاهرة عادت لتظهر بقوة في الفترة الماضية في عدد من مناطق الجنوب العراقي، ذات الغالبية الشيعية الساحقة، وهو ما يطرح تحديات، ليس للأجهزة الأمنية فحسب، بل أيضاً للقوى السياسية الطائفية المهيمنة في الوسط والجنوب العراقيين.
ولم يعد دور قوات الأمن العراقية في جنوب البلاد المستقر، مقتصراً على فضّ المواجهات العسكرية بين العشائر المتناحرة أو ضبط الحدود مع المدن الشمالية والغربية لمنع تسلل إرهابيي "داعش". اليوم، ثمّة في الجنوب ما يدعو للاستنفار العالي منذ أسابيع، من دون أن يسمح لقادة الأجهزة الأمنية بالكشف عن الموضوع على نحو صريح في وسائل الإعلام، رغم خطورته ودلالاته الاجتماعية والدينية. وبدا وضع الجنوب العراقي مماثلاً لمدن شمال وغرب ووسط العراق عام 2004 و2005 حين خرجت جماعات سنية متطرفة، وهو ما تشهده مدن الجنوب اليوم، غير أنها هذه المرة مع جماعات شيعية تتّخذ موقفاً رافضاً للحكومة وتعتبرها "فاسدة" وتكفّر بعض مراجع الدين ورجال الحوزة، وتدعو لـ"تنظيف" المذهب، تمهيداً لخروج الإمام المهدي الذي لن يخرج إلا بتوفّر شروط يعتبرون أنها يجب أن تتحقّق سريعاً.

وتمكّنت قوات الأمن العراقية، الأسبوع الماضي، من تفكيك حركة تطلق على نفسها اسم "أولاد الله" في جنوبي البلاد، بعد اعتقال مؤسسها، وهو أستاذ سابق يبلغ من العمر 47 عاماً. كما جرى اعتقال مجموعة أخرى معه لم يتم التأكّد من عدد أفرادها حتى الآن، وفقاً لمصادر أمن عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد". وذكرت المصادر أيضاً أنه تمّ اعتقال أفراد من جماعة أخرى تطلق على نفسها اسم "المولوية" أو "الممهدون المولوية"، وهي أشدّ تطرفاً وطرحاً من الأولى، وتدعو لقتل رجال دين ومراجع وأساتذة فقه في الحوزة وتوفير الظروف الملائمة والأجواء الآمنة للتعجيل بظهور "الإمام المهدي". ولا يعرف ما إذا كان هناك ارتباط أو تنسيق بين الجماعتين، إلّا أنّ سياسيين يتحدّثون عن وجود حركات أو خلايا أخرى مشابهة لها وتعمل بشكل خفي، وبعضها يسعى لتسليح نفسه. وفيما يؤكّد مسؤولون أنّ "الفراغ السياسي" تسبّب بظهور جماعات متطرفة مدعومة من جهات خارجية، يرى مختصون بشؤون الإرهاب أنّ هيمنة الأحزاب الدينية أدّت إلى ولادة حركات خارجة عن القانون.

ولا تعتبر الظاهرة غير مسبوقة في جنوب العراق، حيث سبق أن ظهرت عام 2008 جماعة "أنصار المهدي" التي تدّعي أنها ممهدة لخروج الإمام المهدي، ثاني عشر الأئمة عند الشيعة، وهي لا تعترف بمراجع الدين في النجف وقم أو الولي الفقيه والتقليد عند الشيعة. وسبقت "أنصار المهدي" جماعة "جند السماء" عام 2007، التي قالت الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي حينها، إنها "كفّرت مراجع دينية وحاولت قتلهم". ودخلت قوات الأمن باشتباكات عنيفة مع الجماعتين أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من الجانبين قبل أن تكتب نهايتها.

وأكد ضابط في مديرية استخبارات محافظة ذي قار (300 كيلومتر جنوب العاصمة بغداد)، أنّ "قوات الأمن المحلية تمكّنت، السبت الماضي، بعد متابعة دقيقة لتحركات مشبوهة لأكثر من 20 شخصاً، شمالي المحافظة، من إلقاء القبض عليهم، بعمليات مداهمة سريعة"، مشيراً إلى أنّ "غالبيتهم من الموظفين الحكوميين وينتمون لتنظيم المولوية".

وأضاف الضابط، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التحقيقات مع عناصر تنظيم (المولوية) ما زالت مستمرة، ولم يتبيّن من إفاداتهم إلا القليل، لكنهم يعتقدون بأنهم يعملون على تمهيد ظهور الأمام المهدي وتعجيله، ويدعون لمعصية مراجع الدين وعدم التقيّد بالفتاوى وتحريم منهج التقليد، بل وقتل المراجع إذا لزم الأمر"، لافتاً إلى أنهم "يظنّون أن كلّ من في الدولة فاسد، حتى المرجعيات الدينية الشيعية".


وأكّد الضابط "عثور قوات الأمن أثناء مداهمة منازل العناصر، على قطع أسلحة ومنشورات ورقية ترويجية لحركتهم، ودعوات لغرض الانتماء إليها"، موضحاً أنّ "بعض المنتمين لهذه الحركة ما زالوا طلقاء، لكن القوات تعمل جاهدة على اعتقالهم، والتحقيق معهم". وأشار إلى أنهم "ينتشرون في أكثر من مدينة داخل محافظة ذي قار وخارجها".

وفي السياق ذاته، قال عضو مجلس محافظة ذي قار، حسن الوائلي، إن "الحركات والتنظيمات المسلحة أصبحت لا تمثّل مذهباً معيناً، إنّما تهدف لإحداث تغيير فكري أو سياسي". وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المعلومات عن هذا التنظيم ليست كاملة حتى الآن، لكن هناك تسريبات تقول إن غالبيتهم من المثقفين". وأضاف أنّ "الوسط السياسي يعرف تماماً، أنّ ظهور مثل هذه الحركات المسلحة التي تتسم بالطابع الطائفي، يرجع إلى وجود فراغ سياسي، وفعلاً هناك فراغ واضح في مناطق الجنوب، وتذمر كبير من قبل الأهالي بسبب سوء الخدمات والحالة الاقتصادية، ولا أستبعد أن يلجأ الناس إلى الانتماء إلى مثل هذه الحركات، خصوصاً أنها تدعو إلى محاسبة الحكومة والمسؤولين".

وتابع الوائلي أنّ "العراق شهد الكثير من الحركات المسلحة والتي تحوّلت بعد سنوات إلى أحزاب سياسية لها ممثلين في البرلمان والمجالس المحلية في المحافظات، وربما حركة المولوية تنوي الدخول إلى السياسة على طريقتها الخاصة".

وشهد العراق بعد تغيير نظام الحكم عام 2003، ولادة جماعات شيعية مسلحة كثيرة، تحوّلت لاحقاً إلى أحزاب سياسية وكتل برلمانية، منها "جيش المهدي" الذي تحوّل إلى "حزب الأحرار"، وحركة "عصائب أهل الحق" التي تحوّلت إلى "صادقون"، وحركة "بدر" التي تحوّلت إلى "منظمة بدر".

من جهته، اتهم رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، "أجهزة استخباراتية دولية بالعمل على تشكيل جماعات مسلحة شيعية ودعمها، لخلق حالة من الفوضى في البلاد"، وفقاً لقوله. وأوضح الزاملي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "وكالات دولية نشطة تابعة لأميركا وإسرائيل وبريطانيا، تعمل جاهدة على خلق حركات متطرفة من الشيعة، بغرض زعزعة الأمن في مناطق الجنوب لجعلها ورقة ضغط صعبة على الحكومة، ولا سيما أنّ محافظات العراق الجنوبية تشهد استقراراً أمنياً واضحاً، وتُعدّ منابع مهمة للنفط"، مضيفاً "لدينا معلومات دقيقة عن ارتباطات تنظيم (الممهدون المولوية) ومصادر تمويله وتسليحه". وأشار إلى أنّ "اعترافات بعض المتورطين في هذا التنظيم أشارت إلى تورّط دول أجنبية"، مستبعداً أن تكون إيران واحدة من هذه الدول.

ولفت الزاملي إلى أنّ "إيران تدعم فصائل الحشد الشعبي والجهات التابعة لها في العراق، لكن خلق حركة منحرفة عقائدياً، ليس من صلب ولاية الفقيه أو الفكر الشيعي الإيراني"، على حدّ قوله. وفي الإطار ذاته، رأى الخبير في شؤون الإرهاب حسين الكاظمي، أنّ "الخطاب الشيعي في مناطق جنوب العراق وهيمنة الأحزاب الدينية هناك، أفرزت ظهور حركات متطرّفة ومسلحة"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المولوية انبثقت من رحم المؤسسة الدينية الشيعية في محافظات تعاني من سطوة رجال الدين". وأضاف أنّ "المؤسسة الشيعية عليها أن تحسّن من خطابها، وتعمل جاهدة على إنقاذ المجتمع من الانحراف، والتنسيق مع الأجهزة الأمنية لإعداد مراكز توعوية وتثقيفية لمحاربة التطرف".

من جهته، قال الشيخ محمد مهدي الناصري، وهو رجل دين بارز في ذي قار، إنه لا يمتلك أية معلومات عن مرجعية تنظيم "المولوية" الدينية، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ اسم هذا التنظيم "جديد في المحافظة، وكنّا قد سمعنا بمثله في كركوك، لكن وجوده في مناطق ذي قار هو أمر محيّر". وأضاف "لا يمكن الحكم عليهم الآن، لأننا لا نعرف عنهم إلا القليل"، مشيراً إلى أنّ "طلبة الحوزة والأساتذة في ذي قار، سيبحثون عن أصول عقيدة هؤلاء، ومن خلال النتائج سيتم التعامل معهم والحكم عليهم".

المساهمون