أميركا وتركيا: اشتباك أطلسي في سورية

أميركا وتركيا: اشتباك أطلسي في سورية

14 فبراير 2018
طالب أردوغان الأميركيين بالابتعاد عن الإرهابيين (آدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن الأزمة التركية ـ الأميركية متجهة نحو تصعيد غير مسبوق، منذ الأزمة التي اندلعت بين الجانبين إثر التدخل التركي في قبرص في عام 1974. وبينما تبدو أنقرة مصرة على تدمير وضرب وجود حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، لم تظهر التصريحات والخطوات الأميركية الأخيرة تجاه سورية أي إشارات لوجود رغبة لدى واشنطن للتراجع عن دعم "الاتحاد الديمقراطي" أو إحداث أي تغييرات في سياستها ترضي بأي شكل من الأشكال حليفها التاريخي في حلف شمال الأطلسي، أي أنقرة.

ورغم الأزمات العديدة التي عاشتها العلاقة بين أنقرة وواشنطن، إلا أنها لم تصل إلى حد القطيعة، إلا في حالة واحدة، عندما شنت تركيا عملية عسكرية في جزيرة قبرص لحماية الأقلية التركية في 1974، ما دفع بالإدارة الأميركية حينها لوقف بيع الأسلحة إلى أنقرة، لترد الحكومة التركية حينها بإغلاق قاعدة إنجيرليك. ولا يبدو أن اللقاء الذي جمع المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، الأسبوع الماضي، بمستشار الأمن القومي الأميركي، هربرت ماكماستر، قد أدى إلى نتيجة إيجابية أو أي تغيير في الاستراتيجية الأميركية في سورية للعامين المقبلين على أقل تقدير، بعد أن طالبت وزارة الدفاع الأميركية، بحسب وكالة "الأناضول"، بتخصيص مبلغ 550 مليون دولار لدعم هذه القوات في 2019، بينها 300 مليون دولار لتدريب وتجهيز "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تسيطر عليها مليشيات حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري، و250 مليون دولار إلى "القوة الأمنية الحدودية" التي تعمل واشنطن على تأسيسها اعتماداً على مليشيات الأخير، رغم أن "قوات حرس الحدود"، التي أعلنت واشنطن العمل على تشكيلها وتراجعت عنها مرات عدة في تصريحات مختلفة، كانت السبب الرئيس في اشتداد الأزمة الأميركية التركية، ودفعت أنقرة للبدء بعملية "غصن الزيتون" في عفرين.

وبينما يستمر مختلف المسؤولين الأميركيين بالتعبير عن تفهمهم لمخاوف تركيا الأمنية، من دون القيام بأي خطوة على الأرض من شأنها أن تخفف من هذه المخاوف، تتواصل التصريحات التركية التي تشدد على أن أنقرة لن تتراجع عن هدفها بتدمير "الاتحاد الديمقراطي"، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة غير مرغوبة مع واشنطن. وكان أحدث هذه التصريحات، ما قاله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، أمس الثلاثاء، والذي جدد فيها تهديده بضرب حزب الاتحاد الديمقراطي في كل مكان، مشيراً إلى ضرورة ابتعاد داعميه عنه. وقال أردوغان "سنقوم بشكل فوري بالقضاء على كل إرهابي نراه، وعندها سيفهمون (داعمو الاتحاد الديمقراطي أي الجنود الأميركيون) بأنه من الافضل ألا يكونوا قرب الإرهابيين. وأنا من هنا، أوجه كلامي للشعب الأميركي، إن الأموال التي خرجت من الميزانية الأميركية هي تلك الأموال التي تخرج من جيب الشعب الأميركي... أن تخرج هذه الأموال من الميزانية القومية لهو أمر ذو معنى، لقد حان الوقت للحديث بشكل واضح"، في إشارة إلى الأموال التي تم تخصصيها في الميزانية الأميركية لدعم القوات التابعة إلى "الاتحاد الديمقراطي" خلال العامين الحالي والمقبل. وتابع أردوغان إن "الجغرافيا التي قربنا تعيش حرب تقسيم هي الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، وبعضهم يرى أن الأراضي التركية جزء من هذه القسمة"، مضيفاً "كما سطر أبطالنا (الجيش التركي) ملاحم بطولية أمام الإنسانية جمعاء في العمليات ضد خنادق (الكردستاني في المدن التركية) وعملية درع الفرات، فإنهم يقومون بذلك اليوم مع عملية غصن الزيتون. إن إيماننا تام بأننا سندمر الإرهابيين ونردم كل أوكارهم". وفي إشارة إلى الحجج التي تسوقها أميركا لاستمرار دعمها لمليشيات "الاتحاد الديمقراطي"، قال أردوغان "لا يحق لأحد بعد الآن التذرّع بداعش، فقد أُسدل الستار على مسرحيته في سورية والعراق".

وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي ينتظر فيه أن يعقد وزير الدفاع التركي، نور الدين جانيكلي، اجتماعاً مع نظيره الأميركي، جيمس ماتيس، على هامش اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي، في بروكسل، اليوم وغداً، وقبل يومين من الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الاميركي، ريكس تليرسون إلى أنقرة غداً الخميس، للقاء أردوغان ونظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، لبحث الملف السوري، ومطالب أنقرة بوقف دعم المليشيات الكردية والتزام أميركا بتعهدها الانسحاب من منبج وعرض المنطقة الأمنة. لكن من غير المتوقع تحقيق أي تقدم في أي من هذه الملفات. واعتبر تيلرسون، في الكويت أمس الثلاثاء، أن العملية العسكرية التركية ضد قوات كردية متحالفة مع واشنطن أدت إلى "حرف مسار" معركة التحالف الدولي ضد "داعش" في شرق البلاد. وقال تيلرسون، في مؤتمر صحافي في ختام اجتماع للدول الأعضاء في التحالف ضد "داعش" في الكويت، "لقد حرفت مسار معركتنا ضد تنظيم داعش في شرق سورية، بعدما انتقلت قوات من هناك باتجاه عفرين" في شمال سورية. وأضاف "نعتقد أنه من المهم أن تعي (أنقرة) آثار (العملية العسكرية) على مهمتنا، وهي الانتصار على داعش".

ويبدو أن أنقرة تسعى للعب على وترين رئيسيين: الأول يتمثل بالضغط على الولايات المتحدة لوقف دعمها حزب الاتحاد الديمقراطي، من خلال العمليات العسكرية التي تقوم بها في عفرين، مع التهديد بتوسيع نطاق الاستهداف، ما يعني استنزاف المليشيات التي دربتها واشنطن من جهة، ومن جهة أخرى دفع الحزب للعودة إلى محوره القديم والتعاون مع النظام السوري وإيران، الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف هذه القوات التي لطالما روّجت واشنطن لها على أنها الأقوى على الأرض في ضرب "داعش". كما ستسقط الحجة الأخرى لأميركا حول أن هدف دعمها لهذه المليشيات والوجود في شرق الفرات هو منع إيران من الوصول إلى المتوسط والسيطرة على الأراضي السورية.

من جانب آخر، تستمر أنقرة بمحاولة الضغط على واشنطن من خلال حلف شمال الاطلسي، الأمر الذي أظهرته لقاءات المسؤولين العسكريين والحكوميين الأتراك مع نظرائهم في الحلف، وكذلك من خلال تصريحات أردوغان، أمس الثلاثاء، والتي أكد خلالها "أن حلف شمال الأطلسي لا يعني الولايات المتحدة وحدها، فكافة أعضاء الحلف متساوون مع الولايات المتحدة"، داعياً "واشنطن للالتزام بقوانين الحلف"، في إشارة إلى ضرورة عدم قيام أي عضو في الحلف بدعم تنظيم موجود على لائحة الإرهاب لدى دولة أخرى في "الأطلسي". ورغم التصريحات المتكررة لمسؤولي الحلف، بمن فيهم أمينه العام، ينس ستولتنبرغ، المؤيدة للموقف التركي والمعبرة عن تضامنها مع أنقرة، كونها أكثر دول الحلف تعرضاً للهجمات الإرهابية، إلا أنه لا يبدو بأن للحلف أي دور في اتخاذ الخطوات الأميركية في سورية، بل يبدو مبعداً بشكل كامل عن هذا الملف.