مؤتمر إعادة إعمار العراق: مدخل سياسي واقتصادي للنفوذ الكويتي

مؤتمر إعادة إعمار العراق: مدخل سياسي واقتصادي للنفوذ الكويتي

12 فبراير 2018
الطموح الكويتي محصور بالإعمار (هيمن بابان/ الأناضول)
+ الخط -

من المتوقّع بدء أعمال مؤتمر إعادة إعمار العراق، اليوم الإثنين، في العاصمة الكويتية، حتى يوم الأربعاء المقبل، وسط توقّعات بحضور أكثر من 70 دولة وألفي شركة استثمارية، بالإضافة إلى عشرات المنظمات الخيرية، في سعي إلى ضخ مزيد من الأموال لإعادة إعمار المدن العراقية المتضرّرة بفعل الحرب على تنظيم "داعش". ومن المنتظر مناقشة المؤتمر، المقرر برعاية أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي، ثلاثة محاور هي: إعادة إعمار العراق، والاستثمار في كافة المناطق العراقية بما فيها الجنوب العراقي وإقليم كردستان، وبحث التعايش السلمي داخل العراق.

في هذا السياق، ذكر نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجارالله، في حديث صحافي، أن "اليوم الأول من المؤتمر سيخصّص للمنظمات غير الحكومية، الكويتية منها وغير الكويتية، أما اليوم الثاني فسيخصّص للقطاع الخاص الذي سيشارك للمرة الأولى في مؤتمر معني بالمانحين، إذ تم تسجيل نحو 1800 شركة ورجل أعمال، وسيتم الافتتاح الرسمي بحضور القيادات السياسية في اليوم الثالث".

وعلى الرغم من الأهداف السياسية التي حدّدتها الكويت لاستضافة المؤتمر، المتمثلة في المساهمة في استقرار العراق والقضاء على الجماعات المسلحة، لخلق توازن سياسي في المنطقة بين الدول الكبرى وتقليل النفوذ الإيراني في العراق، بضخّ الأموال والاستثمار في البنية التحتية، فإن الأهداف الاقتصادية للحكومة ورجال الأعمال مهمة بالقدر السياسي أيضاً.

ومن الأهداف الكويتية من خلال المؤتمر إيجاد حضور سياسي لها داخل العراق وتقديم نفسها كشريك محايد وغير متورّط في أعمال العنف التي اشتعلت فيه، بالإضافة إلى تقديم نفسها كجار عقلاني على مسافة واحدة من السعودية وإيران، الطرفين المتصارعين في المنطقة، وبالإضافة إلى كونها صديقة للدول الغربية ومفيدة للعراق في أزماته الدبلوماسية الداخلية، مثل أزمة انفصال إقليم كردستان، أو الخارجية.

واشترط كبار المقاولين ورجال الأعمال الكويتيين الذين تضرروا بفعل تراجع أسعار النفط وتقليل النفقة على المشاريع الحكومية في السنوات الأخيرة المشاركة بجزء من "كعكة إعادة إعمار العراق"، مع مشاركة غرفة التجارة والصناعة الكويتية. كما أن شركات المقاولة الخاصة بهم ستتولّى جزءاً كبيراً من مشاريع إعادة إعمار المناطق الشمالية وبناء الخدمات الأساسية في مدن الجنوب العراقي.



وقال رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت، علي الغانم، في تصريحات صحافية على هامش المؤتمر، إن "الغرفة ستشارك في الاستثمار في العراق رفقة البنك الدولي والهيئة الوطنية للاستثمار في العراق، وإن هناك مؤتمراً اقتصادياً سيعقد في الغرفة للتنسيق بين الحكومة العراقية والشركات الراغبة في الاستثمار".

ويتوقع مراقبون أن تكون الطموحات الكويتية أبعد من مجرد "تنفيع" بعض الشركات الكويتية، خصوصاً بعد تصريح نجل أمير البلاد، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، الذي يتولّى إدارة مشروع (مدينة الحرير) على الحدود الكويتية العراقية بأن "المؤتمر سيمثل انطلاقة جديدة في التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين".

ويضيف نجل الأمير، الذي يتوقع أن يتولّى منصب رئاسة الوزراء قريباً، أن "ما بين الكويت والعراق هو التزام جغرافي وحضاري، وأن المؤتمر سيكون فرصة لتطوير المنطقة الشمالية في الكويت، وفق رؤية واستراتيجية (طريق الحرير) لتكون منطقة استثمارية دولية وعالمية، وبالتعاون مع إيران والعراق".

وتحاول الكويت إشراك العراق في مشروع الحرير وميناء مبارك الصباح الذي يقع في شمال الكويت، تجنّباً لمشاكل سياسية مستقبلية إذا ما تم استكمال بناء هذين المشروعين، فالميناء سيحجب مياه الخليج العربي عن العراق، ما يعني زوال المنفذ البحري الوحيد للبلاد. وهو أمر يتفهمه نجل أمير الكويت، الخبير بالجغرافيا السياسية وأثرها في تشكيل الدول والحروب والنزاعات.



وفرضت الكويت عزلة سياسية نسبية على نفسها، بعد الغزو العراقي للبلاد عام 1990، بعد تأديتها دوراً محورياً ومهماً في القضايا السياسية العربية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لكن هذه العزلة بدأت تخفّ تدريجياً عقب سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003، وصعود قوى جديدة في المنطقة، وعلى رأسها القوة الإيرانية.

ويقول الباحث السياسي والأكاديمي عبد الرحمن المطيري، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعم الكويتي في العراق مأزق سياسي بالفعل، فهو يبدو مفيداً لنا من الناحيتين السياسية والاقتصادية في جانب ومضراً في جانب آخر، لأن الدول الكبرى التي دخلت في العملية السياسية في العراق، مثل السعودية وإيران، تضررت بشدة من هذا الدخول، فما بالك بدولة صغيرة تقع على الحدود الجنوبية من العراق؟".

ويضيف أنه "إذا كان التدخل حتمياً فإنه يجب أن يكون عقلانياً وغير اندفاعي، بمعنى أن ندعم الحكومة العراقية وحدها من دون أي حزب أو فصيل، ولا نتدخّل في الخلافات السياسية الداخلية بين الطوائف والمليشيات المسلحة، وإلا فإننا سنصبح جزءاً من المشكلة ونغرق في بحر الأزمات السياسية هناك، خصوصاً أن القوى السياسية العراقية ترى الكويت دولة مارقة ومتمردة على الجغرافيا وتجب إعادتها إلى الوطن الأم وهو العراق".

لكن المسؤول في وزارة الخارجية الكويتية عمر صالح العجمي يقول لـ"العربي الجديد" إن "المؤتمر ليس تدخلاً سياسياً أو اقتصادياً كويتياً في العراق، بل هو دعم مالي وسياسي ودبلوماسي لدولة خرجت من الإرهاب حديثاً، كما حدث مع مشروع مارشال في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وليست الكويت المساهم الوحيد في تمويل وإعادة إعمار العراق، بل هناك أكثر من 70 دولة ومئات المستثمرين من كل بقاع العالم جاءوا لرؤية الفرص الاستثمارية واقتناصها هنا، والسبب الذي دعا الكويت لتنظيم المؤتمر هو من أبجديات العلوم السياسية، وهو أن استقرار الدول المجاورة يعني استقرار دولتنا".


دلالات

المساهمون