صفقة ماي تنتظر تصويت البرلمان البريطاني

صفقة ماي تنتظر تصويت البرلمان البريطاني

07 ديسمبر 2018
تسعى ماي لتمرير بريكست الثلاثاء المقبل(ألبرتو بيزالي/Getty)
+ الخط -



تتسارع التطورات في لندن مع اقتراب موعد التصويت على صفقة بريكست، يوم الثلاثاء المقبل، فيما قد يكون لحظة تاريخية ترسم مستقبل بريطانيا لعقود مستقبلية. وبينما خرجت أصوات من كبار المحافظين تطالب رئيسة الوزراء تيريزا ماي، بتأجيل التصويت على الصفقة لتجنب خسارة فادحة، تقدمت ماي بتنازل حكومي لصالح البرلمان لاسترضاء معارضيها. أما على الضفة المعارضة، فقد بدأت تتبلور ملامح خطة بديلة لخطة ماي بالتنسيق بين نواب من كافة الأحزاب البريطانية عنوانها "بريكست مخفف".

في هذا السياق، ذكرت ماي أمس الخميس، أنها "على استعداد لمنح البرلمان حق التصويت على تمديد الفترة الانتقالية أو الدخول في خطة المساندة إذا لزم الأمر". ووفقاً لاتفاق بريكست، فإنه وفي حال عدم توصل بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تجاري بحلول نهاية عام 2020 ليرسم العلاقة المستقبلية بين الطرفين، ويحدد شكل الحدود بين بلفاست (إيرلندا الشمالية) ودبلن (إيرلندا)، فإن لبريطانيا حق الاختيار بين تمديد الفترة الانتقالية أو تفعيل خطة المساندة.

وقالت ماي في المقابلة التي أجرتها مع "بي بي سي"، إنه "إذا وصلنا إلى تلك المرحلة، سيكون هناك خيار بين الدخول في خطة المساندة وتمديد الفترة الانتقالية. وهناك حسنات وسيئات لكل منها. لدى البعض تحفّظات على خطة المساندة، بأنها قد تكون غير محدودة زمنياً. ولكننا في إطار خطة المساندة لا نمتلك التزامات مالية، ولا توجد حرية حركة، ويوجد إطار محدود جداً من القواعد المشتركة مع الاتحاد الأوروبي". وأضافت أنه "خلال الفترة الانتقالية، سيتحتم علينا التفاوض على شروط العلاقة المستقبلية، ولكن هناك مخاوف من أن ذلك سيتطلب، أنا واثقة من أنه سيتطلب، دفع المزيد من الأموال على سبيل المثال. لذلك هنالك حجج تدعم الخيارين".

إلا أن عرض ماي لا يبدو مغرياً لمعارضي اتفاقها الخاص ببريكست، لأن المشكلة في خطة المساندة ليست بالدخول فيها، بل الخروج منها. فالفقرة الخاصة بخطة المساندة في اتفاق بريكست تعد المحرك الرئيسي للمعارضة (المحافظة على الأقل). وتهدف الخطة إلى إبقاء كامل بريطانيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي، بعد انتهاء الفترة الانتقالية عام 2020، وذلك في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري بين الجانبين في ذلك الحين، بهدف عدم إنشاء حدود صلبة بين إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية، وبالتالي الحفاظ على اتفاق الجمعة العظيمة (1997) الذي جلب السلم للجزيرة الإيرلندية.



غير أن مخاوف معارضيها تأتي من عدم قدرة بريطانيا على الانسحاب بشكل أحادي من خطة المساندة، وهو ما قد يؤدي إلى ارتباط بريطانيا لفترة غير محدودة بالاتحاد الجمركي الأوروبي، الذي سيقوّض من قدرتها على رسم سياسات تجارية مستقلة. وقال نايجل إيفانز، وهو من النواب المحافظين المؤيدين لبريكست مشدد: "لا أريد هذه السلطة. إن الدخول في خطة المساندة ليس المشكلة. المشكلة تكمن في الخروج منها. يجب أن يتمكن البرلمان من اتخاذ القرار حينها".

كما أن هناك سبباً آخر لرفض عرض ماي، يكمن في أنه يصعب تخيل احتمال أن تقوم الحكومة البريطانية باتخاذ قرار خطة المساندة من دون استشارة البرلمان. حتى أن وثيقة حكومية تفسر تفاصيل الاتفاق تنص على "سواء كان من المفضل تطبيق خطة المساندة لمدة مؤقتة أو طلب تمديد الفترة الانتقالية، سيكون ذلك قراراً سيادياً للحكومة البريطانية. سيسمح ذلك للحكومة البريطانية باختيار المقاربة الصحيحة للمصلحة الوطنية، ومن خلال مشاركة برلمانية ملائمة".

ومما يزيد الطين بلة أن ماي أهملت، أو أغفلت، ذكر دور الاتحاد الأوروبي في إمكانية تمديد الفترة الانتقالية. فوفقاً لنص الاتفاق، تقوم لجنة أوروبية بريطانية مشتركة باتخاذ قرار التمديد "لعام أو اثنين". وسيكون القرار الأوروبي حينها بإجماع دوله الـ27، بفعل امتلاك كل دولة عملياً حق النقض ضد هذا التمديد. وفي حال كانت لدى دولة ما مشكلة مع بريطانيا، مثل جبل طارق مع إسبانيا، أو حقوق الصيد البحري مع فرنسا، تستطيع حينها عرقلة تمديد الفترة الانتقالية، وعملياً بقاء بريطانيا في الاتحاد الجمركي في إطار خطة المساندة، حتى إشعار آخر.

ونظراً للمعارضة الشديدة التي تلقاها خطة ماي، والتي دفعت محللين لتوقع خسارتها بفارق مائة صوت برلمانياً، ارتفعت أصوات من كبار المحافظين مطالبة بتأجيل التصويت على الاتفاق يوم الثلاثاء المقبل. إلا أن ماي رفضت هذا الاحتمال، مؤكدة "أننا في خضم نقاش برلماني لخمسة أيام والذي سيتبعه تصويت على القضية".



وكان وزير الدفاع غافين وليامسون، قد حاول إقناع ماي بتأجيل التصويت، وبدعم وزيرة العمل والتقاعد آمبر رود، ووزير الداخلية ساجد جاويد وغيرهم. ويخشى المحافظون من أن يؤدي التصويت السلبي ضد ماي بفارق كبير، إلى تداعيات كبيرة على الحكومة والحزب، في ظلّ إعلان حزب العمال استعداده لطرح الثقة بالحكومة في حال فشلها في تمرير صفقتها في البرلمان. إلا أن العمال نفى أن يلجأ إلى هذه الخطوة في اليوم التالي، لخوفه من أن تقوم هذه الخطوة بتوحيد المحافظين وبالتالي إفشال التصويت، ولذلك قد يقوم العمال بوضع المزيد من العصي في عجلات الحكومة حتى يقوم المحافظون أنفسهم بالإطاحة بها.

أما في حال قررت ماي سحب الصفقة من أمام البرلمان، فسيكون أمامها إما التفاوض مجدداً على خطة المساندة لإرضاء متشددي بريكست، أو الاقتراب من النموذج النرويجي، لإرضاء مؤيدي الاتحاد الأوروبي، أو التوجه لموعد بريكست من دون اتفاق. وهو ما قد يؤدي حينها إلى الخروج من دون اتفاق، وهو ما يعارضه البرلمان، أو البقاء في الاتحاد الأوروبي.

وعلى الضفة الأخرى، يتبلور معسكر يشمل نواباً من حزبي العمال والمحافظين يدفع باتجاه سيطرة البرلمان على مسار بريكست، في حال فشل ماي في تمرير صفقتها يوم الثلاثاء. وستؤدي مثل هذه الخطوة إلى بريكست مخفف نظراً لوجود أغلبية في مجلس العموم تدعم صفقة مبنية على النموذج النرويجي، والذي يشمل عضوية في الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، بما فيها استمرار حرية التنقل.

وكان دومينيك غريف، النائب عن المحافظين والمعارض لبريكست، قد قاد تعديلاً في البرلمان يوم الثلاثاء الماضي، يمنح النواب حق تعديل خطة ماي البديلة في حال خسارتها للتصويت. ونال هذا التعديل دعم أحزاب المعارضة إضافة إلى 26 من نواب المحافظين ونواب الحزب الاتحادي الديمقراطي الإيرلندي، الداعم لماي في ويستمنستر. وشكل هذا التعديل، أحد ثلاث هزائم تعرضت لها الحكومة، دعماً للجهود المناهضة لسيناريو عدم الاتفاق، الذي تعارضه أغلبية برلمانية.

وأثارت هذه التحركات فزع متشددي بريكست، فعلّق وزير التجارة الدولية، ليام فوكس، بالقول أمام لجنة التجارة في البرلمان، إنه "هناك خطر حقيقي أن يقوم مجلس العموم، والذي تسوده أغلبية مؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي، بسرقة بريكست من الشعب البريطاني. أعتقد أن ذلك سيكون إهانة للديمقراطية". وهو ما أجابه عليه غريف لـ"بي بي سي" بالقول: "لا أفهم لما يقول ذلك، ربما لأنه قلق من ضياع رؤيته لبريكست، ويبدو أنه يفقد الدعم الشعبي المطلوب". وهو ما أكدته استطلاعات الرأي الأخيرة، مع نشر صحيفة "تايمز" البريطانية هذا الأسبوع، نتيجة استطلاع للرأي مفاده أن "49 في المائة من البريطانيين يرون أن التصويت لصالح بريكست عام 2016 كان قراراً خاطئاً، مقابل 38 في المائة يرون عكس ذلك".


المساهمون