الأمن المفقود في سورية: أجهزة النظام تستبيح درعا (7/10)

الأمن المفقود في سورية: أجهزة النظام تستبيح درعا (7/10)

30 ديسمبر 2018
يعيش أهالي درعا تحت التهديد (أحمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -

برغم سيطرة قوات النظام شبه الكاملة على مناطق الجنوب السوري منذ عدة أشهر، إلا أن الفوضى الأمنية وانتشار جرائم القتل والخطف والمخدرات لم تتوقف، بل زادت بعد هذه السيطرة، في ظل ضلوع أجهزة أمن النظام في تغذية هذه الجرائم لأسباب سياسية ومادية. وبعد سيطرتها على كامل محافظتي درعا والقنيطرة في يوليو/تموز الماضي، بدأت قوات النظام بتلفيق تهم جنائية للعديد من القادة والنشطاء في المعارضة السورية، ضمن سعيها للتملص من التزاماتها التي قطعتها للجانب الروسي، في إطار اتفاقيات "التسوية"، والقاضية بعدم التعرض لمن أجرى تسوية مع النظام، وما زالت تطاردهم في المحاكم والإجراءات القضائية، في حين اعتقلت آخرين بشكل مباشر بحجة التحقيق، قبل أن تضطر للإفراج عن بعضهم بعد أن اشتكى الأهالي للضباط الروس، بينما ما زال العديد منهم قيد الاعتقال حتى الوقت الراهن.

كذلك تمارس قوات النظام بنفسها عمليات سرقة مباشرة في محافظة درعا، إذ أفاد بعض الأهالي بإقدام مجموعة مسلحة من قوات النظام على سرقة العشرات من رؤوس الأغنام في إحدى قرى حوران، أمام أصحابها، بالإضافة إلى سرقة معدات المشاريع الزراعية، فضلاً عن حالات الاعتقال في الشارع أو البيت ثم المساومة على إطلاق سراح المعتقل مقابل مبالغ مالية. وإذا كانت قوات النظام لا تجد غضاضة في سرقة ونهب أملاك من تعتبرهم معارضين سابقين للنظام، إذ لم يسلم من هذه السرقات أي منزل تقريباً لكل من كان في الجيش السوري الحر أو مؤسسات المعارضة، فإن عمليات السرقة تطاول أيضاً المنشآت العامة كما يحصل في منطقة اللجاة شرقي درعا، حيث يقوم مسؤول أمن الدولة هناك العميد "محمود" وعناصره بسرقة كل شيء، بما في ذلك معدات الآبار الخاصة بالدولة وأنابيب المياه وغير ذلك. ولم يؤد تقديم بعض الأهالي شكاوى للشرطة التابعة لحكومة النظام وللشرطة الروسية إلى نتيجة، إذ يعمل كل جهاز أمني أو عسكري بمعزل عن الآخر، ولا سيطرة مركزية على جميع قوات النظام، خصوصاً في مثل هذه الأمور التي تعتبر عند أجهزة النظام صغيرة، لأنها لا تتصل بمكافحة "الإرهاب" أو المناوئين له.

وإضافة إلى عمليات السرقة، نشطت أخيراً عمليات اغتيال معارضين سابقين، يُعتقد أن أجهزة النظام مسؤولة عنها. وشهدت أحياء درعا المحطة محاولتي اغتيال، فصل بينهما أقل من 24 ساعة، إذ تعرض باسل العبد الله لمحاولة اغتيال في 16 ديسمبر/كانون الأول الحالي، من قبل مجهولين يستقلون دراجة نارية ويحملون مسدسات، في حي الكاشف، دخل على أثرها إلى العناية المشددة في مستشفى درعا الوطني. وقبلها بليلة، جرت محاولة اغتيال مماثلة في حي القصور، أصيب إثرها فراس المسالمة بطلق ناري في رأسه من قبل مسلح مجهول. وسبقت المحاولتين سلسلة من عمليات التخريب المتعمد على مدار أيام، بعدما أقدم مجهولون على تخريب وتكسير زجاج أكثر من 40 سيارة في أحياء السبيل والكاشف والقصور. وقبل ذلك بأيام، قُتل يوسف الحشيش، القيادي في فصائل "التسوية"، والقيادي في ما كان يُعرفُ بـ"جيش الثورة" المعارض في درعا، برصاص مجهولين في بلدة المزيريب في ريف درعا الغربي. كما قتل القيادي السابق في صفوف "الجيش الحر"، مشهور الكناكري، برصاص مجهولين في مدينة داعل بريف درعا الأوسط. والكناكري من أبناء داعل، وكان قيادياً في ألوية "الجبهة الجنوبية" التابعة للجيش السوري الحر، قبيل تسوية أوضاعه وانضمامه لصفوف قوات النظام في يوليو/تموز الماضي، ويعتبر من المساهمين بتسليم مدينة داعل لقوات النظام.


ولم تقتصر الفوضى الأمنية في درعا على عناصر النظام والمليشيا التابعة له، بل تشكلت عصابات من أبناء المنطقة ممن تقاطعت مصالحهم مع مصالح النظام وأفرعه الأمنية. وترتكب هذه العصابات شتى أنواع الجرائم من دون خوف من محاسبة، فيما يعيش سكان المحافظة حالة من القلق، سواء بسبب انعدام الأمن أو الخوف على أولادهم الشباب الملاحقين من أجل تأدية الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، والذين لم يتبق لهم سوى أحد خيارين، إما الالتحاق بشعب التجنيد من أجل الزج بهم في معارك النظام، وإما الالتحاق بإحدى المليشيات والتحول تدريجياً الى جزء من منظومة الفساد القائمة في المحافظة. هذا عدا ما يعيشه سكان محافظة درعا من إمكانية البقاء تحت التهديد، عبر لصق تهمة التعاون مع المعارضة لأي مواطن لا يخضع للابتزاز، الأمر الذي يسهل عمليات السرقة والنهب بشكل علني من دون أن يتمكن أي مواطن من الاعتراض، كون أي اعتراض على عمليات النهب التي يمارسها النظام ستكون نتيجتها الاعتقال وإلصاق تهم الخيانة التي قد تصل عقوبتها إلى الموت، إذ إن الدعاوى التي ترفع ضد متنفذين غالباً ما تكون نتيجتها سلبية على صاحب الشكوى، بسبب تقدم سلطة المليشيات والفروع الأمنية على سلطة القضاء وتحكمها به.

ويرى الناشط محمد أبو عيسى، الذي ما زال في درعا لكنه اختار اسماً مستعاراً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تفكك الروابط المجتمعية في درعا خلال الفترة الماضية، نتيجة الحرب والهجرة والاعتقالات والضغط الأمني من جانب النظام، جعل الطريق ممهداً أمام النظام ليصعد تجاوزاته ويقوم بأعمال النهب والسرقة في وضح النهار، بالإضافة إلى تستره على اللصوص وتجار المخدرات بسبب الشراكة بينهم وبين النظام في كثير من الحالات. ويضيف أبو عيسى أن النظام لا يخشى أية ردات فعل، مهما قام عناصره من أعمال قذرة، وكذلك اللصوص وقطاع الطرق الذين احتفظوا بسلاحهم ولا يلاحقهم النظام كون أفعالهم غير موجهة إلى قواته، مشيراً إلى حالات نادرة جرت فيها مصادمات بين الطرفين على خلفية تضارب المصالح، مثل مداهمة عناصر من فرع الاستخبارات الجوية منزل عايد عبيدة في بلدته خراب الشحم الواقعة في الريف الغربي لدرعا قرب الحدود مع الأردن، إذ قاوم عبيدة عناصر "الجوية" واشتبك معهم ما أسفر عن مقتله وإصابة أحد أبنائه، ومقتل أحد عناصر القوة المهاجمة، وأسر رائد من الاستخبارات الجوية. وعزا عيسى ذلك إلى خلافات بين فرع الاستخبارات الجوية وعبيدة على تجارة المخدرات وأرباحها.

وفي الأعوام الأخيرة انتشرت جرائم الخطف والخطف المضاد بين محافظتي السويداء  ودرعا، لتأخذ طابع الجريمة المنظّمة من أجل طلب الفدية التي تبلغ ملايين الليرات السورية. وقد أثبتت العديد من الوقائع أن أجهزة النظام كان لها اليد الطولى في هذه العمليات، بغية خلق الفتنة بين المحافظتين، ليسهل عليه سحق المعارضة. وحسب تقرير أصدرته منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، فقد وصل عدد حالات الخطف إلى أكثر من 400 حالة. وكانت الرواية الرسمية تتهم فصائل المعارضة في درعا. ورغم أن الفصائل حلت نفسها أو غادرت إلى الشمال السوري، مع اتفاقيات التسوية في يوليو/تموز 2018، مازالت الظاهرة مستمرة. وفي مطلع العام 2018 بدأت جرائم الخطف تأخذ طابعاً علنياً في الشارع وقرب المحال التجارية، فيما يخشى غالبية الناس التدخل خشية تعرضهم للأذى نتيجة إدراكهم أن جهة ما في النظام تقف وراء من يقوم بعمليات الخطف. وكانت قوات النظام قد سيطرت على كامل محافظة درعا، بفضل الدعم الروسي، نهاية يوليو، واحتفلت وسائل إعلام النظام وقتها بتلك السيطرة وعودة ما سمته الأمن والأمان إلى المحافظة.

المساهمون