محمود هاشمي شاهرودي... رحيل مرشح لخلافة المرشد

محمود هاشمي شاهرودي... رحيل مرشح لخلافة المرشد

26 ديسمبر 2018
لم تجمع شاهرودي علاقة جيدة بالإصلاحيين (فرانس برس)
+ الخط -
بوفاة محمود هاشمي شاهرودي، يكون أحد المرشحين الجديين سابقاً لخلافة المرشد علي خامنئي، قد رحل، في حدث يزيد من الغموض حول مستقبل خريطة النفوذ في السلطة الإيرانية بتعقيداتها وتشعباتها، وخصوصاً أن شاهرودي رحل عن عمر غير متقدم نسبياً (70 عاماً) إثر مرض أصابه. ونظراً لحساسية الظرف الذي تمر فيه إيران، من غير المعروف ما إذا كان حلول بديل عن شاهرودي في منصب رئاسة مجمع تشخيص مصلحة، سيستغرق وقتاً طويلاً أم لا، ذلك أن هذا المنصب من الأكثر حساسية في هرمية السلطة في طهران، إذ إنه يتولى مهمة الفصل والحل بين مجلس الشورى الإسلامي ولجنة صيانة الدستور، كما يقدم المشورة إلى مؤسسة المرشد ويساعد في حل خلافات السلطات الثلاث.

شاهرودي، الرئيس الأسبق للسلطة القضائية، كان مرشحاً جدياً لخلافة المرشد، وهو كان يلقب بـ"الشيخ الهجين"، كونه من أصول إيرانيّة، لكنّه ولد في العراق، وتحديداً في مدينة النجف العراقية عام 1948، وعاش فيها. يُعدّ والده، سيّد علي حسيني شاهرودي، من أبرز أساتذة الحوزة العلميّة في النجف، وكان من رجال الدين المنشغلين بتدوين الدراسات الفقهيّة لآية الله أبو القاسم الخوئي، الذي كان يترأس حوزة النجف الأشرف، أمّا والدته فهي ابنة سيد علي مددي موسوي قائيني، أحد أبرز رجال الدين في مدينة مشهد الإيرانية.

تحدّره من هذه العائلة، التي تعتبر ممن يسمون بـ "الأسياد"، أو من يقال عنهم في إيران إنهم من نسل آل البيت، جعله منذ الصغر، على تماس مباشر مع العلوم الفقهيّة والدينيّة. ما إن أنهى دراسته الابتدائيّة في المدرسة العلويّة التي كان يرتادها طلاب العائلات الإيرانيّة، حتى انضمّ إلى حوزة النجف، وتابع أستاذه محمد باقر الصدر عن قرب، ليصبح مثله الأعلى مع مرور الوقت. أسس الصدر مع عدد من رجال الدين، حزب الدعوة الإسلاميّة، في العراق عام 1957، وبات شاهرودي أحد أبرز قياداته في وقت لاحق، لكنه بعد سنوات ومع انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران عام 1979، قرر التوجّه إلى إيران بسبب معارضته الشديدة لنظام البعث. وكان رسولاً يوصل رسائل مراجع النجف للخميني، قبل أن يصبح رئيساً للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، الذي تناوب على رئاسته مع محمد باقر الحكيم، ليتفرّغ شاهرودي بعد مدّة لتدريس العلوم الدينيّة في الحوزة العلميّة في قم، وعاد ليركز على منهج أستاذه محمد باقر الصدر من جديد.

مع مرور الوقت، تمكّن شاهرودي من أن يتقرب إلى مراكز صنع القرار الإيراني، فدخل من باب درجته الدينيّة الرفيعة ورسائله العلميّة ومقالاته الدينيّة والفقهيّة التي جعلته مجتهداً مميزاً. وأنتج سبعة مجلدات دينيّة وعشرات المقالات الفقهيّة، فاستطاع آية الله العظمى، وهي أعلى المراتب الدينيّة لدى الشيعة الاثني عشرية، أن يتأهّل بعلمه ويصبح مرجع تقليد. ونشر في سبتمبر/أيلول 2010، رسالته العلميّة بشكل رسمي تحت عنوان "منهاج الصالحين". وعلى الرغم من تكرار البعض أنّ قدراته على القيادة السياسيّة تبدو محدودة، استطاع عبر العلوم الدينيّة، أن ينفذ إلى داخل المؤسسات السياسيّة الإيرانيّة، المحكومة أساساً بنظام يقوم على الشريعة الإسلاميّة ويولي أهمية أساسيّة لولاية الفقيه التي تعد عمود النظام في إيران.

استطاع شاهرودي التقرّب  من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي تدريجياً بعد حيازة الأخير على منصب ولي الفقيه، إبّان وفاة قائد الثورة الإمام روح الله الخميني عام 1989، وبدأ بتقديم أفكار لتطوير حوزة قم، كما بدأ التفاعل لتشكيل "مجلس الثورة الثقافية"، الهادف إلى الترويج للمعايير الإسلاميّة في الثقافة والتصدّي لأي نزعات غربيّة، وهي وجهة نظر المحافظين الإيرانيين بامتياز. وبدأت مكانته بين هؤلاء تكبر مع مرور الوقت، تزامناً مع عمله المستمر المرتبط بالحوزة الدينيّة، وبات مع الوقت عضواً أساسياً في الدائرة المقربة من المرشد علي خامنئي.

ولم يتأخر الخامنئي في تعيينه رئيساً للسلطة القضائيّة في البلاد، وبقي في منصبه هذا لمدّة عشر سنوات حتى عام 2009، كما عينه رئيساً لدائرة المعارف والفقه الإسلامي. وبات شاهرودي عضواً من الأعضاء الستّة، من رجال الدين الأساسيين في مجلس صيانة الدستور، الذي يضم حقوقيين عدّة منذ عام 1994 حتى الآن، باستثناء السنوات العشر التي تولى خلالها رئاسة القضاء، فضلاً عن تعيينه رئيساً للجنة العليا لحلّ النزاعات بين السلطات الثلاث عام 2011، وعضويته في مجلس خبراء القيادة الذي يشرف على عمل المرشد الأعلى وله الحق في تعيينه وعزله وتقييم عمله، قبل أن يترأس مجمع تشخيص مصلحة النظام في أغسطس/آب العام الماضي، بعد وفاة رئيسه الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني والذي توفي قبل ذلك بسبعة أشهر، فجاء التعيين متأخراً عن الموعد المحدد والذي كان مقرراً في فبراير/شباط من العام نفسه، وهو موعد بدء الدورة الجديدة للمجمع والتي تستمر عادة لخمس سنوات.


عام 2012، دار حديث عن إمكانيّة تولي شاهرودي منصب المرجع الأعلى في العراق، خلفاً لعلي السيستاني الذي يعد من أبرز الشخصيات هناك، وكان وقع هذا النبأ غير مريح لعديدين. برر بعضهم الأمر بقوله إنّ توليه منصباً مماثلاً، يعني نفوذاً إيرانياً متعاظماً ودوراً أكثر تأثيراً في العراق، لكنّ الرجل كان حينها قد افتتح قبل عامين، مكتباً رسمياً له في النجف، على الرغم من الحديث عن أن المرجعيّة العليا في النجف لا تحبّذ تولّي شاهرودي مناصب سياسيّة رسميّة في إيران.

بعد وفاة المرجع اللبناني محمد حسين فضل الله عام 2010، اختار حزب الدعوة الحاكم في حينها من خلال نوري المالكي، شاهرودي مرجع تقليد جديدا لهم، لكنّ التصريحات العراقيّة نفت دعوته للعيش في النجف، على الرغم من ترحيب كثيرين في العراق بهذا الأمر. وبات "آية الله العظمى" هاشمي شاهرودي مرجعاً بالتوازي مع المرجعية العليا للسيستاني، ليصبح موجوداً على الساحتين العراقيّة والإيرانيّة، دينياً وسياسياً، في آنٍ معاً. 

إيرانياً، كان شاهرودي محسوباً على زعامات الصفّ الثاني، كمحافظ علاقته مقبولة مع "المعتدلين" على موقفه السلبي من "الإصلاحيين"، وهو الذي كان أشرف بنفسه على انتخابات 2009 الشهيرة والتي انتهت باحتجاجات الحركة الخضراء تشكيكاً بنزاهة النتائج، بصفته رئيساً للسلطة القضائية في حينها. وكانت مواقف شاهرودي المعلنة، صارمة للغاية، إزاء من اعتبرهم "يخرّبون أمن البلاد ويمسّون بنظام الجمهوريّة الإسلاميّة". وعلى الرغم من أنّه كان نائباً أول لأكبر هاشمي رفسنجاني، عندما كان رئيساً لمجلس خبراء القيادة، قبل عام 2011، لكنّ البعض في إيران يفيد بتوتر العلاقة بعد أحداث 2009، وخصوصاً عند ترشّح رفسنجاني للانتخابات الرئاسيّة الأخيرة عام 2013. ولم يمنح مجلس صيانة الدستور، الذي كان شاهرودي عضواً أساسياً فيه، موافقته على ترشّح رفسنجاني لكبر سنّه، والذي كان يناهز الثمانين عاماً، كما قالوا. 

دلالات