قاعدة التنف... الانسحاب الأميركي يفتح طريق طهران ــ المتوسط

قاعدة التنف... الانسحاب الأميركي يفتح الطريق من طهران إلى ساحل المتوسط

23 ديسمبر 2018
الخطوة الأميركية تعرّض المدنيين في الركبان لمخاطر جمة(عماد غالي/الأناضول)
+ الخط -

تتوالى تبعات القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، والذي وضع المعارضة السورية في جنوب شرقي البلاد في المثلث الحدودي الذي يربطها مع العراق والأردن أمام مفترق طرق وعر، إذ تدل المؤشرات على نيّة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إخلاء قاعدة التنف العسكرية التي تتخذ منها فصائل المعارضة سنداً للحيلولة دون تقدم قوات النظام للفتك بالمدنيين في مخيم الركبان، إضافة الى آخرين ضمن ما يعرف بمنطقة الـ 55 المحرمة على هذه القوات.

كما أن انسحاب القوات الأميركية من القاعدة يعني فتح البوابة البرية السورية أمام المد الإيراني الساعي إلى فتح طريق يربط طهران بالعاصمة اللبنانية بيروت، ما يعني تقديم سورية إلى إيران "على طبق من ذهب"، وفق محللين عسكريين يرون أن القرار الأميركي سيغري القادة الإيرانيين بالمزيد من "العبث" في سورية. وأكدت مصادر قيادية في "جيش مغاوير الثورة"، التابع للمعارضة السورية المسلحة والمتمركز في قاعدة التنف جنوب شرقي سورية على الحدود مع العراق، أنها تلقت قراراً شفهياً يفيد بانسحاب القوات الأميركية من جميع قواعدها في سورية، تنفيذا لقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قوات بلاده من سورية، وهو القرار الذي أثار ولا يزال يثير جدلاً واسعاً في العالم كله.

وأشار قائد "جيش مغاوير الثورة"، مهند الطلاع، في تصريحات صحافية، إلى أنه "في حال قررت دول التحالف الدولي الانسحاب من قاعدة التنف ومنطقة الـ 55، فإن ذلك سيضع فصائل المعارضة واللاجئين السوريين في تلك المناطق، أمام احتمالات عدّة، منها إمكانية وقوع مواجهة مباشرة مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية، وروسيا التي تسعى منذ سنوات للاستيلاء على المنطقة". وأوضح الطلاع أن القوات الأميركية لم تغادر بعد قاعدة التنف. وكان الطلاع قد وصف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، قرار الانسحاب الأميركي بالسلبي والسيئ، وجاء في توقيت "غير صحيح"، مضيفاً "نحن نعلم أن الوجود الأميركي لن يدوم، ولكن عملية الانسحاب قبل إتمام الحل السياسي في سورية ستؤدي إلى نتائج سلبية".

من جانبه، قال فارس المنجد، مدير المكتب الإعلامي في قوات "أحمد العبدو" التابعة للمعارضة السورية والموجودة في جنوب شرقي سورية، لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى اللحظة لا يوجد تأكيد" لانسحاب أميركي من قاعدة التنف. وأشار إلى أن فصائل المعارضة السورية تضع في اعتبارها جميع الاحتمالات و"نضع حلولاً وفق ذلك"، مضيفاً "منطقة التنف تضم مخيم الركبان. ما يهمنا بالدرجة الأولى مصير المدنيين في المنطقة".
وتقع قاعدة التنف، التي أنشأها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في عام 2014، غرب الحدود العراقية بمسافة 22 كيلومتراً، وتبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية الأردنية، وهي تعد من أهم القواعد العسكرية للتحالف الدولي في سورية. واعتبر التحالف المنطقة المحيطة بالقاعدة على مسافة 55 كيلومتراً "محرمة" على قوات النظام السورية والمليشيات التي تساندها، وتعامل بقسوة مع أي محاولة من هذه القوات والمليشيات بتجاوز حدود هذه المنطقة، آخرها كان مطلع ديسمبر/كانون الأول الحالي، إذ استهدفت قوات التحالف الدولي المتمركزة في القاعدة رتلاً عسكرياً تابعاً لـ"الفرقة الثالثة" التابعة لقوات النظام بصواريخ راجمة من منظومة "هيمارس" بعد دخوله "المنطقة المحرمة".



وأكد "جيش مغاوير الثورة"، في تغريدة على حسابه في "تويتر" أمس السبت، أن "مستقبل المدنيين في منطقة الـ 55 هو مستقبل المغاوير"، مشدداً على أنه "لن نتخلى عن أهلنا في مخيم الركبان". وأضاف "قوات التحالف الدولي وجيش مغاوير الثورة يخططون سوياً للوصول إلى أفضل الخيارات للكل، ولن يكون أي تغيير لمهمتنا وخططنا في الحفاظ على أمن المنطقة من أي تهديد خلال المستقبل القريب". ويقع مخيم الركبان، الذي يضم أكثر من 50 ألف نازح سوري، ضمن المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة السورية. ومن المتوقع في حال انسحاب قوات التحالف الدولي أن تجتاح قوات النظام هذا المخيم، الذي يعيش القاطنون فيه ضمن ظروف إنسانية كارثية. وقد وضع القرار الأميركي المفاجئ بالانسحاب الكامل من سورية، في حال نُفذ، قوات المعارضة السورية والمدنيين في مخيم الركبان تحت عجلات قوات النظام والمليشيات التابعة لإيران، إذ لا يملك فصيل "مغاوير الثورة" وقوات "الشهيد أحمد العبدو"، التي تتولى بدورها حماية مخيم "الركبان"، القدرة العسكرية على المواجهة. ومن ثم ربما يبحث الفصيلان اليوم خيار توفير ممر آمن لهما إلى الشمال السوري يمر بالضرورة في مناطق تسيطر عليها قوات النظام، وأخرى تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، خصوصاً أنه من المستبعد أن يقبل الأردن بدخول مقاتلي المعارضة السورية إلى أراضيه. ويرى المنجد "أن رحيل قوات التحالف سيعزز موقف روسيا في المنطقة، ويساعد إيران التي تحارب قواتها إلى جانب الروس في سورية. كما أن انسحاب الولايات المتحدة من قاعدة التنف يمنح إيران القدرة على تأمين الطريق البرية من دمشق إلى طهران، وهو ما يزيد من نفوذها الإقليمي". وحذر من تبعات الانسحاب الأميركي من قاعدة التنف، مشيراً إلى أن الخطوة الأميركية "تعرض المدنيين في منطقة التنف، التي تضم مخيم الركبان، لمخاطر جمة، إذ سيصبحون عرضة للمجازر من قبل المليشيات الطائفية التابعة لإيران".

ويبدو القرار الأميركي بالانسحاب من سورية كأنه "هدية" غير متوقعة للجانب الإيراني الساعي إلى فتح خط اتصال بري بين طهران وبيروت، فيما تعد قاعدة التنف العائق الأكبر والأهم أمام تحقيق المخطط الإيراني. وفي حال الانسحاب الأميركي من هذه القاعدة يصبح الطريق مفتوحاً أمام تحقيق المطمع الإيراني للهيمنة على العراق وسورية ولبنان من جوانب مختلفة. وتنتشر مليشيات مرتبطة مباشرة بالحرس الثوري الإيراني في البادية السورية، خصوصاً في مدينة تدمر، قلب هذه البادية التي تشكل نحو نصف مساحة البلاد، إضافة إلى وجود مليشيات أخرى في بادية دير الزور وفي ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات، حيث تعمل طهران على ترسيخ نفوذها.

من جانبه، رأى المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الأمور "حتى اللحظة غير واضحة"، مشيراً إلى أنه لا يمكن للعسكريين الأميركيين "الاستغناء" عن قاعدة التنف، معتبراً أن "الانسحاب من هذه القاعدة يعني فتح البوابة السورية البرية أمام الإيرانيين". وقال "كانت هذه القوات محاصرة من الشمال بمنطقة هجين، ومن الجنوب بقاعدة التنف، واليوم تُترك مفتوحة أمام الإيرانيين. وصلتني معلومات أن هناك طائرتين إيرانيتين تحملان ذخائر وبكميات كبيرة وصلتا إلى دمشق. كما أن سهيل الحسن، التابع للروس، توجّه نحو ريف دير الزور الشرقي برتل كبير، يضم دبابات تي 90 وراجمات صواريخ روسية و11 قاطرة شحن مدنية لحمل الذخيرة وأربع عربات قيادة لإدارة العمليات، ترتبط بقاعدة حميميم بشكل مباشر". وأضاف "يتم تقديم سورية على طبق من ذهب لإيران وروسيا، ولا أحد يعرف ما هو المقابل. العبث الإيراني سيزيد في سورية بعد أن كان الأميركيون يؤكدون أنهم سيحدون من النفوذ الإيراني فيها. السياسيون الأميركيون في واد والعسكريون في وادٍ آخر. حلفاء واشنطن ضائعون. هل سيكون للفرنسيين دور يعوض الغياب الأميركي؟ الأمور حتى اللحظة غير واضحة".



المساهمون