تفاهمات الانسحاب الأميركي: تركيا ترجئ معركة شرقي الفرات

تفاهمات الانسحاب الأميركي: تركيا ترجئ معركة شرقي الفرات

22 ديسمبر 2018
تركيا أعلنت عن تريثها قبل بدء العملية العسكرية(آوزكان بلجين/الأناضول)
+ الخط -
يواصل حلفاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سواء داخل أميركا أو خارجها، تلقي المفاجآت منه الواحدة تلو الأخرى، إذ لم يكد يعلن قرار الانسحاب من سورية، والذي بدأت تداعياته تظهر بتأجيل تركيا عملية شرق الفرات التي كانت تخطط لها بسورية، واستقالة وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، حتى أتبع ذلك بتسريبات تولاها مسؤولون في إدارته يتحدثون فيها عن توجه لسحب نصف الجنود الأميركيين من أفغانستان
في موازاة ذلك بدأت تتضح تباعاً المزيد من التفاصيل بشأن قرار الرئيس الأميركي الانسحاب من سورية. ويظهر أن قرار الانسحاب اتخذ بناء على تفاهمات بعضها بات مؤكداً، وتحديداً الشق المتعلق باتفاق أميركي تركي على تأجيل عملية شرق الفرات وإعطاء الأولوية لمحاربة "داعش" في سورية وبعضها الآخر لا يزال في إطار التسريبات، والمتعلق بما نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، في تقرير أمس الجمعة، عن وجود تفاهمات جرت بين ما سمته "محوراً عربياً أميركياً إسرائيلياً" وبين روسيا، سبقت الإعلان الأميركي عن الانسحاب من سورية، وتمحورت حول كبح روسيا لجماح إيران و"حزب الله" اللبناني في سورية.
في موازاة ذلك ترتسم ببطء معالم المرحلة المقبلة في سورية التي ستلي الانسحاب الأميركي، والتي سيكون عنوانها عدم السماح لتنظيم داعش باستغلال التطورات العسكرية والسياسية للعودة إلى التمدد، وهو ما دفع الأطراف السورية، وفي مقدمتهم قوات سورية الديمقراطية، أكثر المتضررين من الانسحاب الأميركي، إلى جانب أطراف خارجية، تتقدمها تركيا وفرنسا، إلى التشديد أمس على ضرورة المضي في المعركة ضد التنظيم.



تفاهمات أميركية تركية
ولم تتأخر التفاهمات التركية الأميركية في الظهور، ولا سيما على صعيد تأجيل عملية شرق الفرات التي كانت أنقرة تعد لإطلاقها قريباً. وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن تركيا قررت التريث لفترة على خلفية القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، الذي رحب به لكنه أكد أن تركيا تظل على حذرها، مستشهدا "بتجارب الماضي السلبية".
وقال أردوغان، "مكالمتي الهاتفية مع (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، واتصالات أجهزتنا الدبلوماسية والأمنية، فضلاً عن التصريحات الأميركية الأخيرة دفعتنا إلى التريث لفترة، لكنها بالتأكيد لن تكون فترة مفتوحة".
وأكّد أن تركيا ليست لديها أطماع في الأراضي السورية، لكن موقفها واضح تجاه الهجمات الإرهابية التي تستهدفها من تلك الأراضي وأضاف "لن نقدم تنازلات هناك على الإطلاق". وتابع: "أولويتنا ضمان أمن المنطقة، والخطوات التي نخطوها سواء مع روسيا أو إيران هدفها تحقيق الأمن".
وتطرق أردوغان إلى فحوى اتصاله مع ترامب قبل أيام من قرار الانسحاب قائلاً "ترامب سألنا: هل بوسعكم القضاء على داعش؟" واستطرد أردوغان: "نحن قضينا عليهم، ويمكننا مواصلة ذلك مستقبلاً.. يكفي أن تقدّموا لنا الدعم اللازم من الناحية اللوجستية.. في النهاية بدأوا (الأميركيون) بالانسحاب. والآن هدفنا مواصلة علاقاتنا الدبلوماسية معهم بشكل سليم". وشدد أردوغان على أن تركيا سوف سوف تتبنى نمط عمليات يهدف إلى طرد بقايا المسلحين الأكراد وداعش.
بدوره، ربط وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، في مقابلة مع التلفزيون التركي، بين قرار أنقرة بتأجيل العملية في شرق الفرات والرغبة في "تجنب الفوضى والنيران الصديقة في ظل انسحاب القوات الأميركية من المنطقة، مشدداً على أن "التأجيل لا يعني تغييرا في الرأي بشأن العملية العسكرية مضيفا أن خطة الانسحاب الأميركي ستكون موضع بحث في اجتماع بواشنطن خلال يناير/ كانون الثاني المقبل.
وجاءت تصريحات أردوغان وجاووش أوغلو لتؤكد صحة ما نشرته صحيفة "حرييت" التركية، صباح أمس، حول مضمون المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيسين التركي والأميركي قبل أيام من إعلان قرار الانسحاب الأميركي من سورية.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها مديرة مكتب الصحيفة في أنقرة هاندي فرات، وهي صحافية مقربة من أردوغان، كانت قد أجرت معه مكالمة الفيديو الشهيرة عبر الهاتف ليلة المحاولة الانقلابية الفاشلة، أجرى كل من أردوغان وترامب قبل أسبوع مكالمة هاتفية، أوضحت الصحيفة أن مساعدي الرئيسين والمترجمين التفوا خلالها حولهما، ليسأل ترامب أردوغان "في حال انسحابنا من سورية، هل يمكنكم تنظيف بقايا عناصر تنظيم داعش؟"، فرد أردوغان: "خلال عملية درع الفرات جرى القضاء على أربعة آلاف عنصر من داعش، ولهزيمة التنظيم لا حاجة لتنظيمات من مثل وحدات حماية الشعب، وكنا أكدنا سابقاً إمكانية قيامنا بالعملية، والأمر ذاته نقوله الآن". وأضافت الصحيفة أن ترامب قال عندها "جيد. إذاً أنتم قوموا بالمهمة"، وبعدها مباشرة قال في إشارة إلى مستشاره للأمن القومي جون "بولتون هل أنت هنا؟"، ليجيب الأخير بأنه موجود، فيقول له الرئيس الأميركي "ابدأوا بفعل اللازم"، مصدراً تعليماته لمستشاره، ليتم التوصل إلى قرار تنسيق هذه المرحلة ما بين بولتون والمتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالن.
وأشارت الصحيفة إلى أن بولتون وكالن أجريا مكالمة هاتفية في 17 من شهر كانون الأول/ديسمبر الحالي، ليبلغ المسؤول الأميركي نظيره التركي ببدء عمليات التحضير للانسحاب، في وقت أبلغت فيه واشنطن أنقرة، بأن الإدارة الأميركية بدأت بإبلاغ الأمر لأعضاء الكونغرس والحلفاء، وكان التقويم الأولي للانسحاب يصل لشهرين، ولكن جرى الحديث لاحقاً عن مائة يوم.
كما أوضحت الصحيفة أن عسكريي البلدين توصلوا لتوافق مهم أيضاً في اجتماع مشترك آخر عقد لبحث مصير الأسلحة التي جرى تسليمها للوحدات الكردية بحجة قتال "داعش".

فرنسا معنية بملء الفراغ

في هذه الأثناء، بدا أن فرنسا أكثر المعنيين بملء الفراغ الأميركي، سواء في العلاقة مع الأكراد في سورية أو في المعركة ضد تنظيم داعش. وأكد مسؤولون في الرئاسة الفرنسية أنهم اجتمعوا مع ممثلي قوات سورية الديمقراطية في باريس أمس الجمعة وأكدوا لهم دعم فرنسا. من جهتها،
اعتبرت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، أمس الجمعة، أنه لا يزال أمام التحالف الدولي "لمكافحة الإرهاب" مهمة ينجزها بالرغم من "القرار الثقيل الوقع" الذي اتّخذه ترامب. وأضافت "في حين يقول الرئيس ترامب إن داعش قد اندثر، نعتبر من جهتنا أن سيطرته على الأراضي لم تعد كما كانت في عام 2014 ... وصحيح أن نطاق سيطرته انحسر بشدّة تدريجياً، لكن لا يزال له جيب يقبع فيه الجهاديون". وأردفت بارلي "لا بدّ في نظرنا من إنجاز هذه المهمة. ونحن لا نأخذ بالتحليل القائل إنه تمّ القضاء على سيطرة (التنظيم) على الأراضي".
أما قوات سورية الديمقراطية، التي تعد القوات الكردية عمودها الأساسي، فتضيق الخيارات أمامها، وبدت معولة على دور فرنسي أكبر يتحول إلى مثابة غطاء دولي جديد لها بعد ما يعتبره الأكراد تخلياً أميركياً عنهم.
وفي السياق، لم تتردد إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سورية الديموقراطية، الذراع السياسية لقوات سورية الديموقراطية، والتي حضرت إلى باريس مع المسؤول في المجلس رياض ضرار لبحث الوضع في المنطقة بعد قرار الرئيس الأميركي سحب قواته من سورية، من التحذير من أن قسد قد تضطر للتوقف عن قتال "داعش" في المنطقة إذا اضطرت لإعادة نشر قواتها لمواجهة هجوم تركي محتمل. كما حذرت من "خروج الوضع عن السيطرة" بالنسبة للجهاديين المسجونين لدى الأكراد.

المساهمون