الجزائر... العودة إلى 1994

الجزائر... العودة إلى 1994

19 ديسمبر 2018
لم تغير السلطة نظرتها للتعاطي مع الأزمات (بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -
من المسلّمات السياسية أن ندوات "التوافق" و"الوفاق" و"الإجماع" تُعقد في حالات الفراغ والأزمات والانسداد وإخفاق النص أو المؤسسة الدستورية في احتواء وضع أزمة أو استباق مآلٍ سياسي خطير. الدعوة الأخيرة في الجزائر من قِبل أحزاب السلطة إلى عقد ندوة للحوار الوطني بعناوين مختلفة: إجماع أو وفاق وطني، وإرجاء الانتخابات الرئاسية لعام أو اثنين، ليست فقط إقراراً بوجود فراغ سياسي ووضع غير طبيعي، واعترافاً بإخفاق المؤسسة الدستورية وعدم قدرة الانتخابات (المشوبة بالتزوير في الحالة الجزائرية) على إنتاج الحل أو تجاوز المعضلات السياسية، لكنها أيضاً نسف لعقود من الدعاية بتحقيق الجزائر في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الاستقرار المؤسساتي واحترام مواعيد الاستحقاقات الانتخابية وتركيز الديمقراطية.

ثمة ملاحظة لافتة أن الحزب الشريك في الحكومة (تجمّع أمل الجزائر)، والذي تكفل بمهمة الدعوة إلى ندوة وفاق وطني وإرجاء الانتخابات حتى تحقيق إجماع وطني على مخرجات سياسية للمرحلة المقبلة، غيّر موقفه إلى هذا المنحى في السابع من ديسمبر/كانون الأول الحالي، بينما كان قبل أسبوع فقط، يعترض بشدة على مطلب تأجيل الانتخابات الذي تقدّم به حزب معارض، ورفض حديث قوى المعارضة عن مبادرات توافق سياسي، وقدّر أن البلاد ليست بصدد أزمة سياسية.

في الغالب، فإن أدوات التفكير والتحليل السياسي لهذا الحزب كما مجمل أحزاب السلطة، والتي تتمحور حول شخص بوتفليقة وسياساته ونجاحاته، لا تسمح بالتجرؤ على إطلاق هكذا مبادرات سياسية، من دون أن تعطي الرئاسة والمؤسسة الحاكمة إشارة إلى هذه الأحزاب. كما لا يمكن إغفال أن إطلاق فكرة ندوة وفاق وطني وإرجاء الانتخابات، جزء من مجموعة سيناريوهات محتملة ومعدّة للتنفيذ بحسب السياقات التي تتوفر.

قد تختلف السياقات، لكن ما يُطرح راهناً في الجزائر، يكرر نفس سيناريو ندوة الوفاق الوطني التي نظّمتها السلطة في يناير/كانون الثاني 1994، كمخرج لوضع غير دستوري أفرزته سياسة الأمر الواقع التي نفذها الجيش في يناير 1992، وإطار انتقالي لتمديد حالة غير شرعية وغير طبيعية أفرزتها التجاوزات الدستورية، ومنصة لتزكية وزير الدفاع حينها، ليامين زروال، رئيساً قبل العودة إلى المسار الانتخابي في انتخابات الرئاسة في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1995.

تشترك تلك المرحلة التي أفضت إلى ندوة الوفاق الوطني، والمرحلة الراهنة، في وجود أكثر من مشهد قفزت فيه السلطة الحاكمة بكل المكابرة الممكنة على الدستور نصاً وروحاً. كانت المؤسسة الرئاسية حينها في وضع غير دستوري، كما هو وضعها حالياً، لكنهما تشتركان أيضاً في أن السلطة (على الرغم من تغير رموزها) لم تتغير لديها لا أدوات الهندسة السياسية ولا ميكانيكا تركيب الحل، والمعضلة نفسها وشكل الحل.

المساهمون