سؤال يحبس أنفاس فرنسا... هل تواصل "السترات الصفراء" الاحتجاج؟

سؤال يحبس أنفاس فرنسا... هل تواصل "السترات الصفراء" الاحتجاج؟

13 ديسمبر 2018
هل تعود "السترات الصفراء" للشارع بعد خطاب ماكرون؟ (الأناضول)
+ الخط -
تطرح فرنسا، هذه الأيام سؤالَيْن مفادهما: متى سيتم إلقاء القبض على الإرهابي شريف شيكات؟ وهل ستوقف "السترات الصفراء" احتجاجاتها بعد الاعتداء الإرهابي؟

تحديان اثنان مباشران وشعبيان، تحدي إلقاء القبض على عدو الشعب رقم واحد، شريف شيكات، والذي تطارده قوات شرطة واستخبارات تتجاوز 700 شخص، مائة منهم من الشرطة القضائية، وتحدي تظاهرات "السترات الصفراء" يوم السبت القادم، في وقت يشهد البرلمان اليوم الخميس، مناقشة عريضة لسحب الثقة عن الحكومة، وهو ما يبدو مستبعداً.

وعلى الرغم من أنه لا شيء يوحّد بين القضيتين ("السترات الصفراء" وهجوم ستراسبورغ)،  إلا أن شبكات التواصل الاجتماعي تعج بأخبار كاذبة عن تورط الحكومة في تسليح هذا المهاجم، من أجل وضع حد للحراك الاجتماعي، وقد انتقل موضوع نظريات المؤامرة، إلى البرلمان، حيث ندد به نواب الأغلبية، ولكن الآلاف من المتابعين في فيسبوك، لا تزال تغويهم مثل هذه الأخبار.

وعود ماكرون غير كافية

الإعلانات الرئاسية، يوم الاثنين الماضي، في اتجاه "السترات الصفراء"، حتى وإن لم تنجح في إقناع مجموع الغاضبين، إلا أنها نجحت في شق وحدتها، بشكل أكبر، على الرغم من أن الحركة لم تكن موحدة ومتجانسة.

وتعالت أصوات من داخل الحركة تطالب بالتفكير في تغيير أشكال الحراك، والتخلي عن التظاهرات الكبيرة التي لا تخلو من عنف وشغب، خاصة أن ثمة نقاشات وطنية، خلال ثلاثة أشهر، دُعي إليها ممثلو "السترات الصفراء"، ستبدأ يوم 15 ديسمبر/كانون الأول، ويمكن طرح جميع القضايا فيها، والتي غفل عنها الخطاب الرئاسي، بما فيها القدرة الشرائية وإشكالية الضرائب.

وجاءت هذه النداءات خاصة من قبل "السترات البيضاء الحرة". ولكن أغلبية "السترات الصفراء"، التي لا تزال مرابطة في الطرقات وأمام خزانات الوقود، والتي فقدت ليلة أمس سادس ضحية، وهو شاب في الثالثة والعشرين، أصبح أباً قبل أشهر، صدمته شاحنة يقودها شاب بولندي في السادسة والعشرين من عمره، تصرّ على أن الرئيس إيمانويل ماكرون، يواصل غضّ عينيه عن حقيقة معاناتهم، ويواصل خدمة الأثرياء، وإعفاءهم من الضرائب. وبالتالي فهي تصر على مواصلة الحراك، خاصة وأن الشرائح الأكثر هشاشة، المتقاعدين والعاطلين عن العمل، كانت منسية في خطاب الرئيس ماكرون.

ولكن تعبئة "السترات الصفراء"، أصيبت في مقتل، ليس، فقط، بسبب الإعلانات الرئاسية التي وإن لم تُرض غالبية الفرنسيين الذين أيدوا الحراك، منذ البداية، إلا أنها تريد أن يتواصل الحراك عبر طرق وأشكال جديدة، خارج التظاهر وقطع الطرقات، أي عبر ممارسة الضغوط على المنتخبين، بل ومن نواب برلمانيين وعمداء مدن وغيرهم.

ثم جاء الاعتداء الإرهابي الذي اقترفه شريف شيكات، والذي أدى إلى وفاة شخصين وموت سريري لثالث من أفغانستان، أعلن فيما بعد عن موته، وجرح 12، ستة منهم يوجدون في حالة حرجة، ليضع فرنسا في حالة جديدة، غير مسبوقة.

فالآلاف من الشرطة والدرك يوجدون في مواجهة تظاهرات "السترات الصفراء"، المستمرة منذ ما يقرب الشهر، إضافة إلى الحراك التلاميذي وقطاعات أخرى، من حين لآخر، ويتوجب توجيه قوات أخرى لمواجهة احتمالات اعتداءات إرهابية، خاصة في فترات أعياد الميلاد ورأس السنة، وهو ما دفع السلطات لدعم عملية "سونتينيل"، بـ 1800 عنصر إضافي، لفرض الأمن وتأمين أسواق أعياد الميلاد.

              

مطالبات بوقف التظاهر

وأمام عجز السلطات الأمنية، لحد الساعة، عن اعتقال أو تصفية الإرهابي، بعد أن فقدت آثاره، لجأت إلى عرض صورته، وتقديم معلومات خاصة عنه، في وسائل الإعلام، مطالبة من المواطنين التعاون معها وإبلاغها بأي معلومة تتيح وقف المهاجم، الذي ينظر إليه، الآن، باعتباره إرهابيا، رغم سوابقه الإجرامية وعدم ضلوعه، من قبل، في أعمال إرهابية، عدا شبهات تطرفه في السجون الفرنسية.

ويؤكد هذا التوجه الإرهابي في اعتداء ستراسبورغ، سائقُ السيارة الذي نقل المهاجم بين أحياء ستراسبورغ، أثناء مساره الدموي، وهو ينقل ما تحدث له به المهاجم من أن اشتباكه مع قوات الأمن هو "انتقام لإخوانه في سورية".

وعلى الرغم من كل الجهود والإمكانات المسخَّرَة، وأمام استحضار إمكانية معاودة الإرهابي الفار لاعتداءاته، ناشدت الحكومة الفرنسية، من خلال وزراء عديدين، "السترات الصفراء" بوقف التظاهرات، لأنه "ليس من الصواب التظاهر بعد الاعتداء"، كما قال الناطق باسم الحكومة بنجامان غريفو، و"حتى لا يتم إعاقة قوات الأمن وإرهاقها بشكل أكبر"، و"لأن مطالب المتظاهرين استجاب لها الرئيس، والباقي سيتم حلها في إطار النقاش الموسع".

وانضمت نقابات عدة في قوات الأمن لمناشدة المحتجين بوقف حراكهم، خصوصا أنها تتفهم مطالبهم، وتحذر من صعوبة ضمان أمن الفرنسيين إذا تشتت قواتها المنهَكَة.

وفي ما يخص الأحزاب السياسية، طالبت الأحزاب اليمينية، بما فيها حزب "التجمع الوطني" المتطرف والوسط بوقف التظاهرات، وصمتت أحزاب اليسار فيما تعارض "فرنسا غير الخاضعة" فرض أي ضغوط على متظاهرين يملكون الحق في التعبير عن مطالبهم.

ويؤكد النائب البرلماني عن هذه الحركة، أدريان كاتينيس، أنه "إن شاءت "السترات الصفراء" التظاهر سنقوم بمرافقتهم". ويضيف هذا النائب ما يؤكده كثير من المحتجين من أن المسؤول الواحد القادر على وقف الحراك هو الرئيس ماكرون، الذي لا يزال "أصمّ" في وجه كل الدعوات والصرخات.

وعلى شبكة التواصل الاجتماعي، لا تزال أغلبية ساحقة تؤكد مواصلة التظاهرات والاعتصامات، نحو 80 في المائة. ولا يعني أنها غير معنية بمقتل ثلاثة فرنسيين في الاعتداء الإرهابي، فالجميع يتعاطفون مع الضحايا، وبعضهم يقترح إظهار مظاهر التضامن عبر حمل شارات، ولكنهم يظلون أوفياء لضحاياهم الستة، عبر مواصلة الحراك.

وتجدر الإشارة إلى أن البرلمان سيشهد الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر اليوم الخميس، مناقشة عريضة سحب الثقة عن الحكومة، التي تقدم بها اليسار، مجتمعا، بسبب سوء أدائها في ما يخص أزمة "السترات الصفراء". لكن الحكومة تتوفر على أغلبية برلمانية عريضة.    ​

المساهمون