المشاورات اليمنية تمهّد طريق السلام: اتفاق الحديدة رهن التطبيق

المشاورات اليمنية تمهّد طريق السلام: اتفاق الحديدة رهن التطبيق

14 ديسمبر 2018
مصافحة بين اليماني وعبدالسلام في ختام المشاورات(جوناثان ناكستراند/فرانس برس)
+ الخط -
نجحت مشاورات السلام اليمنية في السويد، التي عُقدت على مدار أسبوع واختُتمت أمس الخميس، في تحقيق ما عجزت عنه محطات التفاوض السابقة، عبر التوصل لاتفاق بشأن ملف الحرب الساخن والأشد تعقيداً متمثلاً بملف التهدئة بمدينة الحديدة، إلى جانب اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين، الأمر الذي يمثّل تحوّلاً هاماً كلّل الجهود الدولية الداعمة لمسار السلام، بما مهّد لجولة مقبلة من المشاورات الشهر المقبل.

ويشكّل الاتفاق حول الحديدة، خطوة أولى في مسار حل الصراع اليمني، بما يؤمن فرصة حقيقية للتوصل إلى سلام ينهي الصراع اليمني المستمر منذ 4 سنوات. إلا أن تطبيق اتفاقات السويد يبقى محل تشكيك كبير، عبّر عنه بوضوح وفد الحكومة، بالتوازي مع محاولة كل طرف الحديث عن تحقيق انتصار له عبر هذه المشاورات، وهو ما عبّر عنه بشكل واضح السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر ووزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، اللذان روّجا إلى أن اتفاق الحديدة حصل بعد الضغط العسكري من التحالف وقوات الشرعية على المدينة.

ويبقى النجاح في تطبيق تفاهمات السويد مرتبطاً بالضغوط الدولية على طرفي الصراع، الحوثيين من جهة، والحكومة اليمنية ومعها التحالف السعودي الإماراتي من جهة أخرى، خصوصاً أن المشاورات ما كانت لتنجح بالتوصل إلى هذه التفاهمات لولا ضغوط أممية ومن المجتمع الدولي على الطرفين، وفي ظل ضغوط تتعرض لها السلطات السعودية أيضاً على خلفية قتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.

وبعد أسبوع من انطلاق المشاورات في بلدة ريمبو قرب العاصمة السويدية استوكهولم، اختتمت اللقاءات بأجواء إيجابية، من خلال حضور أعضاء الوفدين إلى غرفة مشتركة وحصول مصافحة ختامية، بين رئيسي الوفدين، وهما وزير الخارجية خالد اليماني عن الحكومة الشرعية، ومحمد عبدالسلام عن الحوثيين.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في مؤتمر صحافي في ختام المشاورات، أن الوفدين توصلا إلى اتفاق بشأن مدينة وميناء الحديدة، يقضي بانسحاب القوات المتحاربة وضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية عبر الميناء، واصفاً ما تم تحقيقه في السويد بأنه يمثّل تقدّماً كبيراً. وشمل الاتفاق في السويد ملف الأسرى والمعتقلين والذي استغرقت النقاشات فيه أغلب الجلسات والاجتماعات خلال الأيام الماضية، بالإضافة إلى الاتفاق حول إيصال المساعدات إلى محافظة تعز، التي تقول الحكومة إن الحوثيين يفرضون حصاراً على مركزها من عدة مداخل. كما أعلن غوتيريس موافقة الطرفين على المشاركة في جولة مشاورات مقبلة تُعقد نهاية يناير/كانون الثاني المقبل، من دون تحديد مكانها.

وأضاف غوتيريس، أن الأطراف اليمنية توصلت إلى تخفيف حدة التوتر في مدينة تعز، موضحاً أنه تم الاتفاق على وضع إطار لتنفيذ كل ما تم التوصل إليه، وهذا يعني الكثير لليمنيين وللعالم بأسره. وشدد على أن حل النزاع في اليمن لن يكون عسكرياً، وجميع الأطراف المحلية والإقليمية فهمت ذلك، واتفقت على التقدّم في التوصل إلى حل سياسي، مشيداً بالتزام كل الأطراف بأن تكون هذه المشاورات بداية عملية مستمرة لإحلال السلام. واعتبر أن الاتفاق حول الحديدة "كان الخطوة الأولى للعمل الذي يوصلنا إلى نهاية النزاع، وله انعكاس ضخم على الوضع الإنساني، إذ سينعكس ذلك على استقبال المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين". وأضاف "مصممون على المضي في هذه الجهود".
وعبّر عن تطلعه إلى أن يكون هناك قرار من مجلس الأمن الدولي حول تطبيق الاتفاق، مشيراً إلى أن دولاً عدة أبدت رغبتها المشاركة في مساعدة الأطراف على التزامها بالاتفاق. يُذكر أن المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، سيقدّم اليوم الجمعة، إحاطة لمجلس الأمن الدولي عن الوضع في اليمن ونتائج المشاورات، وهي الأولى منذ محادثات الكويت في 2016.

وكان لافتاً تجنُّب الأمين العام للأمم المتحدة الحديث عن مصير مقترح الاتفاق بشأن إعادة فتح مطار صنعاء الدولي والملف الاقتصادي والإطار السياسي المقترح للحل، والذي تقول مصادر قريبة من المفاوضين لـ"العربي الجديد"، إنه كان المفترض الاتفاق على خطوطه العريضة على الأقل، في ختام مشاورات السويد، لتبدأ المفاوضات في تفاصيله في يناير المقبل. وعلى الرغم من الإخفاق بهذه الملفات، إلا أن الاتفاق حول الحديدة يُعدّ إنجازاً محورياً يمثل المؤشر الحقيقي لتحقيق التقدّم في السويد من عدمه.

أما بالنسبة للاتفاق حول مدينة الحديدة والذي شمل موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، فنصّ على وقف فوري لإطلاق النار في الحديدة والمحافظة بعد التوقيع، وإعادة انتشار مشترك للقوات من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ومدينة الحديدة إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ. كما نصّ على دور قيادي (رئيسي) للأمم المتحدة في دعم الإدارة وعمليات التفتيش في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، ويشمل ذلك مراقبي آلية الأمم المتحدة للتحقيق والتفتيش (UNVIM)، إضافة إلى إنشاء لجنة تنسيق إعادة انتشار، مشتركة ومتفق عليها، بقيادة الأمم المتحدة، وتضم على سبيل المثال لا الحصر أعضاء من الطرفين، على أن تشرف اللجنة على عمليات إعادة الانتشار والمراقبة وإزالة الألغام في الموانئ والمدينة.

ونصّ التفاهم أيضاً على إزالة كل المظاهر المسلحة في مدينة الحديدة، والتزام جميع الأطراف بتسهيل حرية الحركة للأشخاص والبضائع من مدينة الحديدة، وبعدم عرقلة إيصال المساعدات الإنسانية من خلال موانئ الحديدة، إضافة إلى تعزيز الوجود الإنساني للأمم المتحدة في المدينة والميناء لضمان التنسيق ولتعزيز قدرة المؤسسات المحلية. وأوضح الاتفاق أن "مسؤولية أمن المدينة تقع على عاتق قوات الأمن المحلية وفقاً للقانون اليمني، ويجب احترام المسارات القانونية للسلطة وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها بما في ذلك مشرفو أنصار الله"، فيما "تراقب الأمم المتحدة إعادة نشر القوات ووقف الأعمال العدائية"، على أن "يلتزم الأطراف بتسهيل وتمكين عمل الأمم المتحدة في الحديدة".
وبالنسبة للمهلة الزمنية لتطبيق هذه الاتفاقية، "يتم تنفيذها على مراحل، تحدَّد تفاصيلها بواسطة لجنة تنسيق إعادة الانتشار، بدءاً من إعادة الانتشار السريع من الموانئ والأجزاء الحرجة من المدينة والمرافق الإنسانية المهمة، ويجب استكمالها في غضون أسبوعين، وإعادة الانتشار الكامل للقوات من المدينة والميناء خلال 45 يوماً من توقيع الاتفاقية".


وسارعت الإمارات والسعودية إلى الترحيب بالاتفاق حول الحديدة، محاولتين التصوير أنه أتى بفضل الحملة العسكرية على المدينة. وكتب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش على حسابه على "تويتر" "نرحب باتفاق السويد"، مضيفاً "نرى نتائج الضغط العسكري الذي مارسته قوات التحالف والقوات اليمنية على الحوثيين في الحديدة يؤتي ثماره ويحقق هذه النتائج السياسية". وقال "الضغط العسكري المتمثل بتواجد 5 آلاف جندي إماراتي مع القوات اليمنية واستعدادهم لتحرير الميناء في أقرب وقت شكل الضغط المطلوب على الحوثيين وأجبرهم على التعامل بواقعية والقبول بالحل السياسي".

من جهته، اعتبر السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، عبر حسابه في "تويتر"، أن جهود التحالف أثمرت إرغام الحوثيين على الجلوس حول طاولة المفاوضات مع الحكومة اليمنية والتوصل إلى اتفاقات تهدف إلى "معالجة الوضع الإنساني من خلال الانسحاب من مدينة وميناء الحديدة، وكذلك تعز وإطلاق آلاف المحتجزين والأسرى". يُذكر أن آل جابر ونظيره الاماراتي فهد سعيد المنهالي، حضرا إلى مقر انعقاد المشاورات في ريمبو، حسبما أعلن المسؤول السعودي.
وجاء الاحتفاء السعودي-الإماراتي، على الرغم من أن مسودة الاتفاق التي قدمتها الأمم المتحدة وفريقها المشرف على المشاورات، تؤكد على انسحاب قوات الطرفين وإنهاء المظاهر المسلحة في الحديدة، وبالتالي المساواة المبدئية في المطالبة بالانسحاب من الحديدة، والمطالبة بعدد من الإجراءات التي تجعل للأمم المتحدة القرار الأول في المدينة.

في المقابل، فإن رئيس وفد الحكومة اليمنية، وزير الخارجية خالد اليماني، الذي رحب باتفاق الحديدة واعتبره مهماً جداً، وصف الاتفاقات التي تم التوصل إليها بـ"الافتراضية"، متوقعاً أن ينسحب الطرف الآخر. وفي مؤتمر صحافي في ختام المشاورات، لفت اليماني إلى أنه "خلال الأربع السنوات الماضية، لم يتم الاتفاق على خطوة مثلما حصل في ملف الحديدة"، معلناً أنه "سيتم إنشاء لجنة بإشراف الأمم المتحدة، تعمل على إنهاء الحصار في تعز، وفتح الممرات الآمنة هناك، وإنهاء ابتزاز الناس، وجعل حياتهم صعبة ومريرة". وأعرب عن أسفه لعدم تحقيق تقدّم في الملف الاقتصادي خلال مشاورات السويد، "بسبب تعنّت الحوثيين". وقال إن الطرف الحوثي "عرقل الاتفاق في الملف الاقتصادي الذي يتعلق بمعيشة الناس ومواردهم". وأشار إلى أن الحوثيين يصرون على التحكم بالموارد في المناطق الخاضعة لسلطتهم، مضيفاً "سنعمل جادين على مدار الساعة من أجل أن يقبل الحوثيون بالاتفاقات الاقتصادية، بهدف دفع المرتبات".

لكن اليماني وضع شكوكاً كبيرة حول نجاح تنفيذ الاتفاقات، إذ اعتبر أن "الاتفاقات افتراضية"، مضيفاً "نفترض أن الطرف الآخر سينسحب". وربط المشاركة بجولة المشاورات المقبلة، بتنفيذ مقررات استوكهولم، بما في ذلك ما يتعلق باتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين. واتهم الحوثيين برفض مقترح بإعادة فتح مطار صنعاء على أن تتوقف الرحلات في مطاري عدن أو سيئون.

في المقابل، أعلن رئيس وفد الحوثيين، محمد عبدالسلام، أن جماعته قدّمت تنازلات كبيرة للاتفاق بشأن الحديدة ووافقت على المقترح المقدم من الأمم المتحدة في هذا الشأن، وبرر موقف جماعته برفض الاشتراطات الخاصة بمطار صنعاء الدولي والملف الاقتصادي. وقال إن "ما أنجز في الفترة الأخيرة جيد وإيجابي، وكنا مرنين وقدمنا الكثير بشهادة الأمم المتحدة"، لكنه قال "لم نخرج بكل شيء من هذه المشاورات، لكنها أفضل المشاورات التي خضناها". ولفت إلى أن الحركة وافقت من حيث المبدأ على دور الأمم المتحدة في مطار صنعاء، قائلاً إن دور الأمم المتحدة سيشمل التحقق من السلامة والقيام بعمليات التفتيش في المطار.

أمام هذه الواقع، يبقى تطبيق التفاهمات التي خرجت بها مشاورات السويد، رهناً بالضغوط الدولية والتي أدت إلى هذه التوافقات. وفي هذا السياق، كان المؤتمر الصحافي الختامي أمس فد تأخر ساعتين على الأقل، جرت خلالها اجتماعات دبلوماسية مكثفة مع أعضاء الوفدين حسمت اتفاق الحديدة، وقادتها الأمم المتحدة ممثلة بغوتيريس وغريفيث، بالإضافة إلى وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، الذي عقد لقاء مع الحوثيين على هامش المشاورات، والذي تلوح بلاده بمشروع قرار دولي على طاولة مجلس الأمن الدولي، إلى جانب وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم.

المساهمون