الشهيد أشرف نعالوة... فدائي "أسطورة" حير الاحتلال

الشهيد أشرف نعالوة... فدائي "أسطورة" حير الاحتلال

13 ديسمبر 2018
ظلّ الشهيد نعالوة مطارداً طيلة 67 يوماً(تويتر)
+ الخط -
أمضى الشاب الفلسطيني، أشرف نعالوة، ابن الـ23 عاماً، 67 يوماً، وهو يحيّر أجهزة أمن الاحتلال كلها، التي استخدمت كل وسائل البحث والتحري والمتابعة والتجسس، للوصول إلى أثر لهذا الفدائي، الذي قتل مستوطنين و"ابتلعته" الأرض، إلى أن فارق الحياة شهيداً، خلال اشتباك مع قوة كبيرة من جيش الاحتلال فجر اليوم الخميس.

الفدائي أشرف نعالوة، وكما وصفه الناس في فلسطين المحتلة، "الأسطورة"، سطّر عهداً جديداً، وأعاد معادلة المطاردة إلى الساحة الفلسطينية، بعدما باتت نادرة الحدوث منذ انتفاضة الأقصى الثانية، إذ أن جيش الاحتلال سخّر كل إمكانياته التي تنافس أكبر دول العالم في القوة الاستخبارية، للوصول إلى أشرف، وهو ما حدث، لكن بعد فترة طويلة، في وقت تعيش فيه الضفة الغربية حالةً أمنية معقدة.

وإلى أحد أحياء مخيم عسكر الجديد، إلى الشمال من الضفة الغربية المحتلة، تسللت قوات خاصة صهيونية، على رأسها ما تسمى بوحدة "اليمام" المختصة بتصفية المطاردين الفلسطينيين، وحاصرت عدداً من الأبنية السكنية، التي كان قد احتمى داخلها أشرف نعالوة.

ويروي الأهالي في مخيم عسكر، أن "أصوات طلقات رصاص متقطعة سُمعت عند الدقيقة 21 بعد منتصف الليل، في مكان لم يتمكنوا من تحديده، وكانت الأصوات تهدأ لتعود وترتفع حدتها بين لحظة وأخرى"، مرجحين استخدام قوات الاحتلال كاتم صوت في عملية الاغتيال.

ويضيف الأهالي أن "ضجة كبيرة حدثت في المكان، سمع الناس خلالها أصوات رصاص كثيف وقنابل، حدثت داخل البيت الذي لجأ إليه الفدائي، وهو منزل يقع في الطابق الأول لمبنى سكني يعود لعائلة بشكار. تزامن ذلك مع اقتحام قوات الاحتلال للشقق السكنية في العمارة والبيوت المجاورة، مع إحكام السيطرة على المنطقة بشكل كامل من خلال انتشار مكثف في المكان".

وأعلن الاحتلال عبر إعلامه أنه كان ينوي اعتقال أشرف، لكن أشرف بادر بإطلاق النار واشتبك مع قواته.

وروى المصور الصحافي عمير ستيتية لـ"العربي الجديد" عن آثار الدمار التي لحقت بالشقة السكنية التي استشهد داخلها أشرف، متحدثاً عن وجود آثار عشرات الطلقات النارية المتنوعة في كافة غرف الشقة وعلى الجدران، بالإضافة إلى آثار قنابل حفرت الأرض ودمرت المكان، مع تكسيرٍ للنوافذ.

وأخذ جيش الاحتلال جثمان الشهيد معه، ليحتجزه في إحدى ثلاجاته، كما يفعل دائماً مع جثامين الشهداء الفدائيين. وخلفت قواته وراءها دماراً كبيراً، امتزجت معها دماء الشهيد أشرف التي تجمعت في زاوية الغرفة التي استشهد فيها، حيث وجد الأهالي أيضاً كتباً ربما كان الشهيد يقرأها، مستذكرين بذلك الشهيد باسل الأعرج الذي قتلته قوات الاحتلال بالطريقة ذاتها في إحدى البنايات بمدينة رام الله قبل أقل من عام.

ويقول أحد المقربين من عائلة بشكار لـ"العربي الجديد" إن قوات الاحتلال اعتقلت خلال اقتحامها الليلة، الأسيرين المحررين أمجد وفوزي بشكار والشابين عنان ورائد بشكار، حيث احتجز الاحتلال أهلهم في غرف بالمنازل، ليتم اعتقالهم إلى جهات غير معلومة.

نعالوة، والذي دوخ الاحتلال خلال شهرين وستة أيام، بعدما نفذ عملية فدائية عند مستعمرة "بركان" الصناعية، المقامة على أراضي الفلسطينيين قرب مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة، قتل خلالها مستوطنان وأصيب آخر بجراح خطيرة، واستطاع أن يلوذ بالفرار، تعرضت عائلته خلال فترة مطاردته لهجمات شرسة نفذتها سلطات الاحتلال من أجل الضغط عليه لتسليم نفسه، وحاولت مرات عديدة اعتقاله بعد اقتحام قرى وبلدات كانت تعتقد أنه يتواجد فيها، لكنها فشلت.

ومنذ اليوم الأول، تعرضت عائلة أشرف كاملة للاعتقال، إذ استجوب الاحتلال والده ووالدته وشقيقاته الثلاث مرات عديدة، إلى أن اعتقلت شقيقته المحاضرة في جامعة النجاح ليفرج عنها بعد نحو شهر من الاعتقال بتهمة أنها شقيقته، بينما لا تزال تعتقل شقيقه أمجد منذ اليوم الثاني للعملية، وتتهمه بالتشويش على الاحتلال في عملية البحث عن أشرف، وتعتقل أيضاً والدته وفاء مهداوي منذ 17 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتتهمها بمعرفتها بنية أشرف تنفيذ عملية إطلاق نار وعدم منعها لهذا العمل، بالإضافة إلى استمرار اعتقال والده وليد نعالوة وزوج شقيقته المحاضر في جامعة النجاح نصر شريم، دون تهمة واضحة.

كذلك، أمر الاحتلال الإسرائيلي، بقرار صدر من محكمة الاحتلال، بهدم منزل عائلة الشهيد أشرف نعالوة، والمكون من طابقين تعيش فيه عائلة أشرف وعائلة شقيقه أمجد، حيث صادقت المحكمة العليا الإسرائيلية على قرار الهدم، في جلسة عقدت يوم الخميس الماضي.

وخلال فترة مطاردة الشهيد نعالوة، نفذت قوات الاحتلال عشرات المداهمات لقرى وبلدات في الضفة الغربية المحتلة، بحثاً عن أشرف، ولكنها كانت تفشل في كل مرة تحاول فيها اعتقاله أو تصفيته، كما أنها نشرت قوات لها عند مداخل طولكرم، وفي المناطق التي كانت ترجح أن يكون قريباً منها، تحذر الأهالي من تقديم المساعدة له، وتهددهم بالسجن وهدم المنزل إذا قدموا المساعدة له.

وتعرض مئات الشبان والرجال، سواء أكانوا من أقارب أشرف أو فقط من ضاحية شويكة، للاعتقال والاستجواب حول مكانه، بالإضافة إلى الإغلاقات المتواصلة التي نفذتها سلطات الاحتلال لمدينة طولكرم وشويكة، والأحياء القريبة، عدا عن عمليات التفتيش الواسعة التي كانت تنفذها سلطات الاحتلال بحثاً عن أشرف لاعتقاله أو تصفيته. كل هذه الإجراءات استمرت منذ اليوم الأول لعملية "بركان"، ولا تزال تبعاتها ضمن العقاب الجماعي مستمرة على العائلة من خلال الاعتقال حتى الآن، وقرار هدم المنزل.

اليوم، ضجّ مخيم عسكر بالهتاف لأشرف، وخرج المئات من أبناء المخيم يمجدونه مع بقية الشهداء، بينما عمّ الإضراب الشامل مدينة طولكرم، وأغلقت المحال التجارية وعلقت جامعة فلسطين التقنية خضوري دوامها، وخرج العمال وطلبة المدارس والجامعات والموظفون في مسيرة حاشدة، وصولاً إلى منزل عائلة أشرف ليهتفوا لعائلته المتواجدة خارج السجن.

في حياته، عرف أشرف بالهدوء والابتسامة الدائمة وبأخلاقه الحميدة، كان يلبي نداء الجميع، ومحباً لهم، تربى وسط عائلة مكونة من ثلاث أخوات هنّ فيروز وهنادي وسندس، وشقيقين هما أمجد، المعتقل حالياً، وشقيقه الأكبر أيمن، الذي يعمل خارج فلسطين المحتلة.

اعترف جيش الاحتلال بأن الوصول إلى أشرف كان ضمن عملية معقدة، استخدم خلالها وسائل تكنولوجية حديثة، بالإضافة لاستنزاف واضح في الإمكانيات والقدرات، عدا عن وسائل الضغط الكبيرة التي استخدمها حتى يقدم أشرف على تسليم نفسه، لكن الأخير أبى إلا أن يرتقي مشتبكاً مع المحتل.