الجزائر: ثلاثة سيناريوهات أمام بوتفليقة قبل 14 يناير

الجزائر: ثلاثة سيناريوهات أمام بوتفليقة قبل 14 يناير

12 ديسمبر 2018
أويحيى يطمح للرئاسة إذا لم يترشح بوتفليقة(بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -


لم تتضح معالم سياسية للانتخابات الرئاسية المقررة في الجزائر في عام 2019، في ظل غموض موقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الترشح لولاية خامسة أو التنحّي بسبب وضعه الصحي. وقبل نحو شهر من الأجل الدستوري الأقصى لاستدعاء الهيئة الناخبة من قبل بوتفليقة، تطرح ثلاثة سيناريوهات محتملة بشأن هذه الانتخابات: التمديد لبوتفليقة، أو الترشح لولاية خامسة له، أو مرشح بديل من النظام.

وتشكّك أطراف سياسية في الجزائر في إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، بسبب انعدام توفر معطيات تشير إلى توجه السلطة نحو احترام هذا الموعد، والتراجع اللافت، خلال الأسابيع الأخيرة، لأحزاب الموالاة، دعاة ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، ودفع السلطة لأحزاب شريكة في الحكومة، وضمن الحزام السياسي الداعم للرئيس، كحزب "تجمع أمل الجزائر" (المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر) الذي يقوده وزير الأشغال العمومية الأسبق، لعمار غول، لطرح فكرة تأجيل الانتخابات، وعقد ندوة "وفاق وطني" تجمع كل القوى السياسية والمدنية نحو إجماع وطني على مرحلة يتم خلالها تمديد الولاية الرئاسية الحالية سنتين أخريين مع ترتيبات سياسية مصاحبة لما بعد انتهاء هذه المرحلة. هذه "الحزمة السياسية" ضمن سيناريو أول، لم تعترض عليها من حيث المبدأ قوى في المعارضة السياسية نفسها، والتي ترى فيه فرصة لتحسين موقعها السياسي وشروط المشاركة والمنافسة الديمقراطية. ولا تبدي أحزاب، مثل حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية، أي اعتراض على خرق الدستور وتجاوز الاستحقاق الرئاسي، إذا كان الأمر يتعلق بالتوجه نحو إجماع وطني، ظل أحد أبرز مطالبها ومبادراتها السياسية منذ سنوات.

لكن الباحث والمحلل السياسي، الدكتور رابح لونيسي، الذي يميل إلى احتمال تطبيق السلطة لسيناريو التمديد لبوتفليقة تحت غطاء ندوة "الوفاق الوطني" التي طرحت منذ الصيف الماضي من قبل حزب معارض قبل أن يتبناها حزب من الموالاة، يلفت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن فكرة إرجاء الانتخابات عبر التوافق السياسي ليست سواء، في نظر أحزاب السلطة التي دعت إلى ذلك، وفي نظر أحزاب المعارضة التي يوافق ذلك طرحها. ويقول "بينما ترى أحزاب المعارضة أن ذلك يحقق لها أحد مطالبها السياسية لبدء مرحلة انتقالية، ترى أحزاب السلطة في ذلك مجرد فرصة لربح الوقت، وأنه لصعوبة التوصل لاتفاق بين الأطراف الفاعلة المتصارعة على خليفة بوتفليقة، فإن التمديد للرئيس الحالي يمثل فرصة من أجل تحضير الأرضية لتعيين خليفة له مقرب من مجموعة الرئيس ويضمن مصالح كل الأطراف التي استفادت من مرحلة بوتفليقة، خصوصاً الأوليغارشية المالية التي أصبحت عنصراً فاعلاً في صناعة القرار وتعيين الرئيس".

ويطرح في المقام الثاني سيناريو قد يبدو أقرب إلى الواقع السياسي، ويجعل من فكرة إرجاء الانتخابات مجرد بالون اختبار للنوايا التي أطلقتها السلطة لتعرية أطراف سياسية ظلت تطالب باحترام الدستور ولا تعترض على خرقه. ويذهب هذا السيناريو الثاني في اتجاه الإبقاء على الوضع الراهن وتكريس احترام الدستور والمواعيد الدستورية عبر ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، مستفيداً من ثلاثة معطيات رئيسية: حقه الذي يضمنه له الدستور، والحزام السياسي الذي يتوفر له من خلال مجموعة كبيرة من الأحزاب السياسية وشبكة من الجمعيات المستفيدة من الريع الحكومي، والقابلية الإقليمية للتعامل مع الجزائر بوضعها الحالي. بالإضافة إلى أنه لا توجد أية إكراهات سياسية تفرض على السلطة القبول باشتراطات المعارضة وإرجاء الانتخابات، أو ضغوط اجتماعية ومطالبات شعبية بتنحي الرئيس، وهو ما ذهب إليه الدبلوماسي الجزائري السابق، لخضر الإبراهيمي، في آخر تصريحات صحافية قال فيها إن "الجزائر ليست بصدد أزمة سياسية. لا أتوقع حدوث أزمة، ولا أعتقد أنه ستكون هناك أزمة كبيرة في عام 2019 أو في 2020"، مشيراً إلى أن "الرئيس لا يواجه خصومات حقيقية في الجزائر، لا من قبل الطبقة السياسية ولا من قبل السكان، وفي الآونة الأخيرة سافرت قليلاً داخل البلاد ولدي انطباع بأن الجزائر تسير بشكل حسن، الناس يُكنون له كل الامتنان لاستعادة السلم بعد العشرية السوداء، وإعادة بناء البنى التحتية، كالطرق في المناطق النائية، والغاز والكهرباء".


خارج هذه السيناريوهات، يبرز سيناريو ثالث لا يفرضه الدستور بقدر ما يفرضه "قانون البيولوجيا"، في علاقة بالوضع الصحي والقوة القاهرة التي قد تفرض على بوتفليقة التنحي عن الحكم وإجراء انتخابات رئاسية مفتوحة بين مرشحي النظام. وتبرز في هذا السياق التقارير التي تتحدث عن وجود صراع حاد بين كتلة الرئاسة، التي تضم شقيق الرئيس، ومستشاريه الطيب بلعيز وبن عمر زرهوني ووزير العدل الطيب لوح، من جهة بحثاً عن مرشح مفترض في هذه الحالة، ورئيس الحكومة، أحمد أويحيى، المدعوم من قبل "الكارتل" المالي بحكم توجهاته الليبرالية، والذي يطمح إلى الرئاسة في حال عدم ترشح بوتفليقة، مستفيداً من وضعه كرئيس حكومة وعلاقاته الدولية التي نسجها خلال الفترة السابقة، وهي الطموحات التي يعمل الفريق الرئاسي على صدها عبر استدعاء الأمين العام السابق للحزب الحاكم ورئيس الحكومة السابق، عبد العزيز بلخادم، للعودة إلى الساحة السياسية، خصوصاً أنه يملك توجهات "مصالحاتية" وهو خصم عنيد لأويحيى الذي يوصف بالرجل الاستئصالي، دون إغفال دور لقائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، والتحركات اللافتة لوزير الطاقة الأسبق، شكيب خليل، المقرب من المجموعة الرئاسية.

خلال شهر واحد ستتكشف هذه التفاصيل، وتبرز بوضوح نوايا المخرج السياسي الذي اختارته السلطة الحاكمة التي تدير العملية السياسية برمتها، إذ تنص المادة 136 من قانون الانتخابات على أنه "تستدعى الهيئة الناخبة بموجب مرسوم دستوري في ظرف 90 يوماً قبل تاريخ الاقتراع"، ما يعني أنه يستوجب استدعاءها قبل 14 يناير/ كانون الثاني المقبل كأقصى حد دستورياً. كذلك تنصّ المادة 135 من القانون أن تجرى الانتخابات الرئاسية في ظرف 30 يوماً السابقة لانقضاء عهدة رئيس الجمهورية، وفي حالة بوتفليقة والانتخابات المقبلة، يفترض أن تجرى الانتخابات في الفترة بين 14 مارس/ آذار و14 إبريل/ نيسان المقبل.

المساهمون