سبعة أشهر على الانتخابات العراقية: تعطيل حتى إشعار آخر

سبعة أشهر على الانتخابات العراقية: تعطيل حتى إشعار آخر

11 ديسمبر 2018
رُفعت جلسات البرلمان 4 مرات من دون نتيجة(فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من مرور نحو سبعة أشهر على الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت في 12 مايو/ أيار الماضي، إلا أن الحكومة المفترض أن تنبثق عن تلك الانتخابات لا تزال غير مكتملة، وتعصف بها صراعات عنيفة على المناصب السيادية في تلك الحكومة بين الكتل السياسية الفائزة، وأبرزها وزارتا الدفاع والداخلية، يقول سياسيون إنها انعكاس لصراع إرادات خارجية. وبدا هذا الصراع واضحاً خلال جلسات البرلمان الماضية التي لم يتحقق فيها النصاب اللازم للتصويت على ثمانية وزراء متبقين في حكومة عادل عبد المهدي، إذ فشلت أربع جلسات حتى الآن في تحقيق النصاب القانوني لانعقادها والتصويت على منح الثقة لمرشحي تلك الوزارات.

في هذا الإطار، اعتبر قيادي في محور "الإصلاح"، الذي يضم تحالفات سائرون والنصر والحكمة والوطنية وقوى أخرى، أن "نصاب البرلمان لن يكتمل ما لم يقم تحالف البناء باستبدال مرشحيه للوزارات الذين توجد اعتراضات بشأنهم"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قوى البناء لا تزال تصرّ لغاية هذه اللحظة على ترشيح رئيس مليشيا الحشد الشعبي السابق فالح الفياض لمنصب وزير الداخلية". واعتبر أن "انهيار الحكومة والبحث عن تشكيل حكومة جديدة أفضل من أن تكون حكومة عرجاء نصفها يأتمر للخارج"، في إشارة إلى مرشحين محسوبين على المعسكر الإيراني.

وذكر أن "تحالف الإصلاح لن يقبل أبداً بسياسة ليّ الذراع المتبعة لتمرير الفياض"، معبّراً عن استغرابه من "التمسك بمرشح واحد تسبب بجميع هذه الخلافات". وأشار إلى "وجود ضغوط خارجية، لا سيما من الجارة إيران، تُمَارَس من أجل الإبقاء على الفياض مرشحاً لوزارة الداخلية كونه من المقرّبين لطهران"، مؤكداً أن "تحالف الإصلاح لا يمكن أن يرضخ لهذه الضغوط بأي حال".

وقدّم تحالف "البناء" بقيادة نوري المالكي وهادي العامري، عدداً من الأسماء لشغل وزارات شاغرة بحكومة عبد المهدي، أبرزها الداخلية، التي رشح لها رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض وزيراً لها، وهو ما رفضه المعسكر المقابل "الإصلاح" بقيادة مقتدى الصدر وعمار الحكيم، أبرز رموزه.

في السياق، قال عضو تحالف "القرار" أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، إن "الصدر والعامري في بداية الأمر، كانا عاجزين عن تشكيل الحكومة، لذلك قررا عقد تحالف، ووضعا أسماء عدد من الشخصيات لتسلم الوزارات، ولكن تحالفهما لم يستمر وظهر عدم التوافق بصورة واضحة جداً. وهناك اختلاف كبير في الرؤى السياسية بين سائرون والبناء، حول دعم بعض الوزراء، بالإضافة إلى وجود ضغوط وتأثيرات إيرانية لتسلم بعض الشخصيات لمناصب وزارية وأمنية، وهذا ما يرفضه الصدر".

وأشار إلى أن "لا أحد يلجأ إلى المعارضة إلا بعد أن يستنفد كل إمكانياته السياسية، وليس من الصحيح التعجل بالذهاب إلى المعارضة طالما أن قوة إثبات الرأي السياسي حاضرة، ومتى ما نجح تحالف البناء بتسمية المرشحين الذين يدفع بهم إلى الوزارات، سيكون لجوء الصدر للمعارضة منطقياً، وإن استبدال ترشيح الفياض بمرشح آخر، لا بد أن يتم بطريقة تتناغم مع رؤية الصدر، واختيار شخصية أكثر حيادية وغير مقربة من منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري".

من جهته، أشار سكرتير الحزب الشيوعي، عضو تحالف "سائرون"، رائد فهمي، إلى أن "الصدر وتحالف سائرون يرفضان ترشيح فالح الفياض لمنصب وزير الداخلية، لأنه يخالف الشروط التي اتفقت عليها الكيانات السياسية قبيل الشروع باختيار عادل عبد المهدي". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "تحالفنا يريد وزيرين للداخلية والدفاع مستقلين، ويحظيان بعلاقة طيبة مع الكيانات السياسية، وعلى مسافة واحدة من الجميع. وبما أن الفياض رئيس لكيان سياسي، وكان لديه حضور سابق في السلطة التنفيذية، فهو لا يتناسب مع الشروط التي نبحث عنها".

وأكمل قائلاً إن "سائرون تعطي الصلاحية الكافية للكيانات السياسية لاختيار بديل عن الفياض"، لافتاً إلى أن "رئيس الحكومة عادل عبد المهدي تجاوز على المبدأ الذي أسست عليه الحكومة الجديدة، لأنه لم يعمل بالتوافق السياسي، ومن حقه تقديم الوزراء الستة ضمن الحكومة وتأجيل تقديم وزيري الدفاع والداخلية".

وقال رئيس حركة "كفى" رحيم الدراجي، إن "الكيانات السياسية كلها تجاوزت على القانون حين أهملت العمل بنظام الكتلة البرلمانية الكبرى التي تشكل الحكومة الجديدة، والمشاكل الحالية ما هي إلا إفرازات ذلك التجاوز"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "إهمال الإعلان عن الكتلة الكبرى، دفع الساسة إلى العمل بنظام التوافق السياسي، وقد فشل هذه الأمر أيضاً، ولدى الكيانات الحالية والأحزاب خياران لا ثالث لهما: إما تمرير ستة وزراء مدنيين وترك الوزارتين الأمنيتين بيد عادل عبد المهدي، وهو ما يناسب تفكير مقتدى الصدر، أو سحب الثقة من الحكومة وإسقاطها والمضي بتشكيل حكومة جديدة وفق المقاسات الحزبية السابقة وتوزيع المناصب على الأحزاب بدقة أكثر".

بدوره، رأى الخبير محمد الشريفي أن "ما يجري حالياً من صراع داخل البرلمان، يمارسه رجلان، الأول هو الصدر والثاني نوري المالكي. والبرلمان تحول في الجلسات الثلاث الأخيرة، عبارة عن حلبة لإثبات الأقوى والأكبر، الإصلاح (جناح الصدر) أو البناء (جناح المالكي)، خصوصاً أن قضية ترشيح فالح الفياض لحقيبة وزارة الداخلية، أصبحت قضية كسر عظم بين المالكي والصدر، وهما يريدان إثبات أن أحدهما الأعنف والأشجع والأكثر تأثيراً". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "الصراع السياسي سوف يتدخل فيه أنصار التيار الصدري من خلال الخروج بتظاهرات حاشدة وغاضبة، مع إطلاق تهديدات للبرلمان باقتحامه من جديد، لإجبار القوى السياسية ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي على تغيير مرشحي الوزارات الثماني الشاغرة، وخصوصا الفياض، وقد يظهر الصدر منتصراً بعد المعركة السياسية الحالية".

في المقابل، اعتبر رئيس كتلة عطاء البرلمانية (كتلة فالح الفياض)، المنضوية ضمن تحالف الفتح، منصور المرعيد، أن "الفيصل في أزمة الترشيح للوزارات المتبقية يجب أن يكون مجلس النواب"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأنباء التي تتحدث عن سحب ترشيح الفياض لوزارة الداخلية غير صحيحة".

في هذا الإطار، أكد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وهو أحد قادة تحالف "النصر"، أن "الأزمة التي تشهدها الساحة العراقية بشأن تشكيل الحكومة تمثل انعكاساً لصراع إرادات إيرانية داخلية"، مؤكداً خلال مقابلة تلفزيونية، أن طهران وقفت وراء عدم توليه ولاية ثانية. واعتبر أن "موقف حكومته السابقة من العقوبات الأميركية ضد إيران، هو الذي تسبب بموقف طهران" ضده، موضحاً أن "الإيرانيين بذلوا جهوداً من أجل عدم عودتي للحكم". ولفت إلى أن "سعي إيران لعدم فوزي بولاية ثانية كان واضحاً للجميع"، مضيفاً أن "جزءاً من مشكلتنا هو صراع إرادات داخل إيران انعكس علينا". وقال سياسيون إن "قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وصل إلى العراق الأسبوع الماضي، للضغط باتجاه تولي فالح الفياض وزارة الداخلية".

وأكد القيادي في تحالف "النصر"، علي السنيد، في وقت سابق، إن "سليماني وصل إلى بغداد من أجل الضغط على القوى السياسية لتمرير الفياض لمنصب وزير الداخلية". واعتبر أن "ما يريده سليماني لا يمكن أن يتحقق، بسبب قوة الإرادة العراقية". وأضاف أن "النصر المنضوي ضمن تحالف الإصلاح، ضد ترشيح أشخاص غير مستقلين للوزارات الأمنية"، مؤكداً أن "تحالفه يرفض أي تدخلات خارجية من أي دولة كانت".
واعتبر أحد أساتذة العلوم السياسية في جامعة بغداد، أنه "بعد مرور نحو سبعة أشهر بعد الانتخابات من دون إكمال تشكيل الحكومة، لهو أمر مثير للقلق"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأمور تسير باتجاه تكرار سيناريوهات الحكومات السابقة التي تبدأ بحديث عن توافقات تتحول لاحقاً إلى صراعات من أجل المناصب". وكشف أن "الحل في الصراع السياسي الحالي لا يمكن أن يتم قبل أن يوافق أحد الأطراف على إجراء تنازلات بمواقفه"، مستبعداً أن "يوافق تحالف سائرون وبقية أطراف كتلة النصر البرلمانية على تولي عدد من المرشحين، بينهم الفياض، مناصب وزارية".