رسائل السيسي: إجراءات اقتصادية قاسية ورفض للتغيير وابتزاز للغرب

رسائل السيسي: إجراءات اقتصادية قاسية ورفض للتغيير وابتزاز للغرب

08 نوفمبر 2018
أثارت مواقف السيسي سخطاً بين المواطنين(بدرو كوستا غوميز/فرانس برس)
+ الخط -
انتهت فعاليات النسخة الثانية لمنتدى شباب العالم في مدينة شرم الشيخ المصرية، والذي يقام برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وكالعادة لم تمر ندوات وفعاليات المؤتمر بدون أن يفوّت السيسي الفرصة للتأكيد على مجموعة من الرسائل المحلية والإقليمية، والتي أثارت في مجملها غضب الشارع المصري، وهو ما ظهر واضحاً على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.

إجراءات اقتصادية قاسية

خلال فعاليات اليوم الثالث للمنتدى، وبالتحديد أثناء جلسة نقاشية بعنوان "كيف نبني قادة المستقبل"، لمّح السيسي إلى إجراءات تقشفية ذات علاقة مباشرة بالحياة اليومية للمصريين، مؤكداً أنه سيتم منْع إصدار العلاوة الدورية السنوية لموظفي الحكومة المصرية، لتلبية احتياجات خطة تطوير التعليم التي أشار عليه بها وزير التربية والتعليم طارق شوقي.

وفاجأ السيسي الحاضرين، بحديث حاد ولهجة لم يغِب عنها التعنيف لعموم المصريين، قائلاً إن "هناك حاجة لبناء 250 ألف فصل دراسي بتكلفة نحو 130 مليار جنيه، ضمن خطة نظام التعليم الجديد"، مؤكداً أن تأجيل القرار للانتهاء منها خلال 3 أو 4 سنوات، سيحمّل الدولة زيادة سنوية".

وبطريقته الساخرة التي تثير عادة بدورها السخرية أكثر من الابتسامات، قال السيسي: "حانحل مشكلة التعليم ولا حندور على البطاطس؟ البطاطس، بـ 11 جنيه و12 جنيه"، في إشارة إلى الأزمة التي ضربت الأسواق المصرية بارتفاعات غير مسبوقة في أسعار البطاطا التي تعد وجبة أساسية على مائدة المصريين. وارتفع سعر الكيلو من 3 جنيهات إلى 14 جنيها. حديث السيسي عن إلغاء العلاوة السنوية الخاصة بالموظفين سرعان ما أثار حالة غضب عارمة في الشارع المصري ليصبح الحديث الأساسي في كافة جلسات المصريين سواء في المواصلات العامة أو على موقع التواصل الاجتماعي أو في المقاهي وأماكن العمل المختلفة. ودفع هذا الأمر جهات مشرفة على وسائل الإعلام في الدولة المصرية للتدخل سريعاً عبْر تعليمات لا تقبل النقاش لرؤساء التحرير ومسؤولي القنوات المصرية بعدم التعرض لتلك التصريحات أو تداولها، وكذلك عدم تنفيذ أي تغطيات صحافية عليها، من خلال آراء خبراء أو مسؤولين بوزارة المالية المصرية.


من جهتها، أكدت مصادر حكومية مصرية تحدثت إليها "العربي الجديد"، أن الفترة المقبلة ستشهد مجموعة من الإجراءات الاقتصادية المتعلقة بتعليمات صندوق النقد الدولي، لمنح مصر الدفعة الجديدة من القرض المقدر بـ12 مليار دولار. وأوضحت أن تلك الإجراءات ستكون بخلاف الزيادات المتوقعة بين لحظة وأخرى على أسعار الكهرباء والوقود وتذاكر القطارات.

وبحسب المصادر فإن "العجز في الموازنة أمام الزيادة المتعلقة بأسعار النفط العالمية تجعل صانع القرار المصري في رعب من أزمة اقتصادية طاحنة، خصوصاً في ظل تصاعد عمليات الاقتراض من الخارج وفوائد الديون"، مشيرة إلى أن "التقديرات الأولية لسعر برميل النفط في الموازنة الجديدة تقدر بنحو 80 دولاراً للبرميل".

السيسي على خطى مبارك: أنا أو الفوضى

على خلاف الرسالة الأولى التي حاول السيسي إيصالها للشارع المصري، كانت الرسالة الثانية شديدة الوضوح، تحمل موقفه من أي دعوات رامية للتغيير في مصر، وتؤكد موقفه الدامغ الرافض والعدائي لثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، في إشارته إليها بأنها تعادل ما يمكن تسميته بالانتحار القومي.

وحذر السيسي، أمام جلسة بعنوان "ما بعد الحروب والنزاعات آليات بناء المجتمعات والدول"، مما سماه "الانتحار القومي" الذي قد يحوّل رغبة البعض في إحداث التغيير داخل بلدانهم إلى الوقوع فيما سمّاه "فخ الفوضى"، وانهيار مؤسسات الدولة، وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية، وانتشار فوضى استخدام السلاح والفتن الطائفية.

وقال السيسي إن التكلفة التي تحملتها المجتمعات الساعية للتغيير في عام 2011 تفوق بكثير تكلفة بقاء الأوضاع على ما كانت عليه. وأضاف السيسي، أمام الجلسة التي تحدث خلالها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة والمبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا (الذي يستعد لترك منصبه)، "أنا أتحدث لكم الآن لا بصفتي رئيس مصر، ولكن بصفتي شخصا عايش تلك المرحلة، وشهد أحداثها جيداً، ولا أريد أن أصف ما حدث بأنه مؤامرة، لكن التحرك غير المدروس لتغيير واقعنا فتح أبواب الجحيم على بلادنا".

وأشار السيسي إلى أن التكلفة المادية لإعادة إعمار البلدان التي جرى تدميرها خلال تلك السنوات ضخمة جداً، موضحاً أن "هناك أيضاً تكلفة إنسانية عميقة الأثر. ففي الحالة السورية على سبيل المثال هناك تقديرات لإعادة الإعمار تصل في حدها الأدنى لنحو 300 مليار دولار وفي حدها الأقصى نحو تريليون دولار".

وشدد الرئيس المصري على أن الشعوب التي تسعى للتغيير لا تدرك الفراغ الذي سينتج عن هذا التغيير، وأن هذا الفراغ سيملأه الأشرار على حد تعبيره، محذراً من الوقوع في فخ الشعارات والكلام المعسول الذي "يفضي بكم إلى الضياع... اعملوا واصبروا وتحملوا، لكن لا تدمروا بلادكم لأنها إن دُمرت لن تعود".

وسرعان ما أثارت تصريحات السيسي غضب من شاركوا في ثورة يناير، التي يصفها الدستور المصري، الذي وُضع بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، بالمجيدة. وعلّق أستاذ فلسفة القانون في جامعة الزقازيق، محمد نور فرحات، وهو الأمين العام السابق للمجلس الاستشاري للمجلس العسكري إبان ثورة 25 يناير، قائلاً إن الشعوب ضحية بعد أن أذلها وأفقرها وبدد ثرواتها حكامها وأشاعوا فيها الفساد والاستبداد وسحق الكرامة، بل وفشلوا في الحفاظ على استقلال ووحدة أوطانهم، في مصر وسورية وليبيا واليمن وتونس... وفي غير ذلك من بلدان عالمنا العربي المنكوب، هل كان مطلوباً من الشعوب العربية أن تخنع وتسكت على أحوالها المزرية وعلى جوعها وفقرها وقهرها، وأن تسلّم ظهورها لجلاديها؟ وتابع في منشور له على حسابه بموقع فيسبوك "إن الثورة ليست فعلاً عمدياً ولكنها صرخة شعب ضاقت به السبل يطلب التغيير نحو الأفضل"، مضيفاً "أن كل شعوب الدنيا قادرة علي تغيير وضعها المزري ومقاومة الحكام الفاسدين ورفْع الظلم، والمطالبة بذلك أخلاقياً وسياسياً ودينياً، لكنها بحاجة لقيادة تتفهّم طموحاتها وآلامها وآمالها وتعمل على تحقيقها"، مشدداً على "أن الشعوب لا تهوى الثورات ولكنها مرغمة عليها".

في المقابل، قال أحد الشخصيات السياسية البارزة ممن شاركوا في فعاليات 25 يناير، والذي كان ضمن الممثلين في كثير من جلسات الحوار السياسي في الفترة التي أعقبتها، إن حديث السيسي مجافٍ للحقيقة تماماً. وأوضح أن "السيسي كان مديراً للمخابرات الحربية وطالما أدار وشارك في لقاءات مع نشطاء الثورة من الشباب والكتاب الصحافيين والسياسيين المحسوبين عليها في لقاءات كانت تُعقد بصفة دورية في فندق تريومف التابع للقوات المسلحة، وكان خطابه وقتها يرى في الثورة وما قام به الشباب والشعب المصري على حد وصفه بالإنجاز الذي سيخلده التاريخ، ولن تنساه الأجيال المقبلة".

ابتزاز للغرب

الرسالة الثالثة وكانت ذات طابع خارجي، إذ خاطب فيها دول الاتحاد الأوروبي، بمجموعة من الرسائل الضمنية، مطالباً إياها بدعمه ودعم مصر مقابل منْع المهاجرين غير النظاميين من الوصول إلى جنوب القارة العجوز.

وكانت مصادر قد ذكرت لـ"العربي الجديد" في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي أن الحكومة المصرية تدرس عروضاً كانت مقدمة لها من دولتي إيطاليا وألمانيا لإقامة معسكرات للاجئين على أراضيها مقابل حزمة اقتصادية تقدر بنحو ملياري دولار سنوياً، وهو المقترح الذي كانت ترى فيه أجهزة سيادية مصرية تمثل خطوة مقترحة أن يتم نقله إلى الأراضي الليبية تحت إشراف مصري.

وخلال جلسة بعنوان "أجندة أفريقيا 2036"، وجّه السيسي كلمة لوزير ألماني كان يجلس فوق منصة المنتدى، قائلاً له "انزل وشوف الشوارع الموجودة وبها جنسيات تعمل في مصر كأنها مصرية 100 في المائة". وأضاف "هناك شوارع بالكامل يبيعون فيها ويشترون، وتعيش في وسطنا، وليس لدينا معسكر تجميع لاجئين واحد". وتابع "أنا بقول الكلام دا لأننا بندفع التمن، تمن منعنا للهجرة- بنقول يبقوا موجودين مواطنين عندنا في مصر ولا يكونوا عرضة للضياع في البحر". واستطرد السيسي "يهمنا استقرار أوروبا، واستقرار أوروبا من استقرارنا وأمان أوروبا من أماننا، وعايزين دائماً تكون نظرتنا متبادلة في هذا الإطار، عن المصلحة المشتركة التي تقتضي تعاوننا مع بعض.. انظروا إلينا إن استقرارنا جزء من استقرار العالم كله والاستقرار الإقليمي".

تلك الرسالة وصفها مراقبون بأنها تأتي ابتزازاً لبعض الدول الأوروبية لمساعدة مصر اقتصادياً، وتقديم دعم سياسي للنظام الحالي، إذ إن مصر لا يمكنها أن تقيم معسكرات لاجئين على أراضيها بشكل رسمي ومعلن، وفي التوقيت نفسه تحتاج لدعم اقتصادي، وإلا سيفتح النظام المجال أمام تدفق أفواج المهاجرين على أوروبا.