تداعيات الانتخابات النصفية على سياسة ترامب الخارجية

تداعيات الانتخابات النصفية على سياسة ترامب الخارجية

08 نوفمبر 2018
بدأت مرحلة جديدة لأميركا بعهد ترامب (كيريم يوسيل/فرانس برس)
+ الخط -
قبل انتهاء الأسبوع المفصلي في ولايته الرئاسية، سيحزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب حقائبه ويتجه إلى العاصمة الفرنسية باريس، في توقيت مثالي ورمزي، تمهيداً لتحوّل تركيز إدارته من القضايا الداخلية إلى السياسة الخارجية، بعد النكسة الانتخابية الجزئية التي تعرّض لها الحزب الجمهوري، الذي احتفظ بمجلس الشيوخ لكنه خسر مجلس النواب لصالح الديمقراطيين. وسيشارك ترامب في احتفال عسكري فرنسي بمناسبة الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) قبل أن يتجه إلى قمة العشرين في الأرجنتين قبل نهاية الشهر الحالي. يسير ترامب على خطى أسلافه بالهروب نحو السياسة الخارجية بعد الانتخابات النصفية، لتحقيق إنجازات في الفترة الفاصلة بين الانتخابات النصفية والانتخابات الرئاسية.

مع كل السوابق التي سجلها في أدائه الرئاسي غير التقليدي، لا يخرج ترامب عن هذه القاعدة في التاريخ الأميركي الحديث. عادة ما يخسر الحزب الحاكم في البيت الأبيض الانتخابات النصفية، باستثناء ليندون جونسون عام 1966 وجورج بوش الابن عام 2002، وكان فوزهما نتيجة قلق الرأي العام من تهديدات آتية من الخارج، أي حرب فيتنام أثناء ولاية جونسون واعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أثناء ولاية بوش الأولى. الانتخابات النصفية تغيّر الدينامية بين البيت الأبيض والكونغرس، فيخسر عادة الرئيس الأغلبية في الكونغرس ويواجه حملات تعطيل أجندته المحلية في مجلس النواب المعارض، بالتالي فإن الهروب إلى السياسة الخارجية يكون تلقائياً، لأن قدرة الكونغرس على تقييد صلاحيات الرئيس في السياسة الخارجية محدودة.

وهناك سوابق في العقدين الأخيرين حول تحوّل الرئيس إلى السياسة الخارجية بعد الخسارة في الانتخابات النصفية. خسارة جورج بوش الابن في الانتخابات النصفية لعام 2006 نتيجة غزو العراق عام 2003، أدت إلى إسراعه في تبني خطة زيادة القوات الأميركية للحد من الخسائر، بالتزامن مع ترضية النفوذ الإيراني في العراق. الأمر نفسه مع باراك أوباما، الذي بات بعد أشهر من خسارته في الانتخابات النصفية عام 2010، أكثر استعداداً لدعم التدخل العسكري في ليبيا. وهو قرار اعتبره لاحقاً "أسوأ خطأ" في رئاسته. وبعد هزيمة الانتخابات النصفية عام 2014، بدأ البيت الأبيض حينها التعامل بجدية مع السعي لاتفاق نووي مع إيران ليكون إرث أوباما للسياسة الخارجية.

إدارة ترامب دخلت مرحلة مشابهة ستفرض عليها تعديلات جوهرية على مقارباتها الداخلية والخارجية. احتفاظ الحزب الجمهوري بأكثرية مجلس الشيوخ وفوز الحزب الديمقراطي بأغلبية مجلس النواب، ستكون له تداعيات مباشرة وغير مباشرة على السياسية الخارجية الأميركية، لا سيما في الشرق الأوسط.

في مجلس الشيوخ تحديداً، هناك حرس جديد سيتسلّم القيادة في المواقع المؤثرة في السياسة الخارجية، وسيكون أكثر قرباً من ترامب بعد وفاة رئيس لجنة القوات المسلحة جون ماكاين وتقاعد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بوب كوركر، اللذين لم يترددا في انتقاد وتحدي سياسة البيت الأبيض في العامين الماضيين. أما الآن فمن المتوقع أن يصبح جيف إينهوف رئيساً للجنة القوات المسلحة وجيم ريش رئيساً للجنة العلاقات الخارجية، لكن الأصوات المؤثرة في السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ ستبقى كما هي، أي ليندسي غراهام وماركو روبيو وراند بول، وهي أسماء مقربة من ترامب، إلا أنها لم تتردد في انتقاد سياسته الخارجية خلال العامين الأخيرين وستستمر في ذلك في المرحلة المقبلة. غراهام وروبيو سيحاولان دفع ترامب باتجاه تشديد العقوبات على إيران عبر عدم إعطاء إعفاءات لحلفاء وأصدقاء أميركا للتعامل التجاري مع طهران، فيما سيستمر راند بول في تحذير ترامب من تداعيات الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. الملف الذي يجمع هذا المثلث في مجلس الشيوخ المؤثر على البيت الأبيض، هو اتخاذ إجراءات ما ضد القيادة السعودية غداة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وسيكون على إدارة ترامب إيجاد مقاربة حيال الرياض ترضي هؤلاء الحلفاء النافذين في مجلس الشيوخ.



أما مجلس النواب الذي انتقل إلى الديمقراطيين للمرة الأولى منذ 10 سنوات، فسيصبح حلبة المواجهات والتعطيل عبر استدعاءات وجلسات استماع علنية، تضغط على مسؤولي إدارة ترامب المعنيين بالسياسات الخارجية والدفاعية. ولدى مجلس النواب سلطات الإشراف التشريعي والموافقة على الميزانيات المعنية بالسياسة الخارجية والأمن القومي. هذا يعني أنه سيكون هناك ضغط تشريعي لمحاولة وقف الدعم الأميركي لحرب اليمن، وأيضاً قيود على تمويل الحرب الأميركية على الإرهاب في سورية والعراق وأفغانستان، والأهم من ذلك، ستكون على الأرجح لإدارة ترامب موارد محدودة لردع إيران عسكرياً في الشرق الأوسط.

هذا التطلع إلى السياسة الخارجية، سيدفع ترامب إلى أن يعلن بعد تردد، خطة السلام المزعومة لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، ما قد يؤدي إلى تشنج مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حال كان البيت الأبيض جدياً في تحقيق اختراق ما في الأشهر المقبلة، لا سيما أن ترامب يعتقد أنه أعطى الحكومة الإسرائيلية الكثير، وعليها أن تبدأ بالتنازل لصالح الطرف الفلسطيني.

ترامب سيكون أكثر اندفاعاً أيضاً في التفاوض مع كوريا الشمالية، وسيستمر في الضغط الاقتصادي على إيران لدفعها إلى طاولة المفاوضات، ففي الملف الإيراني، إن الدينامية الجديدة في الكونغرس تجعل أوراق إدارة ترامب محدودة، وعليه أن يوازن بين الضغوط التشريعية لتشديد العقوبات على طهران وضغوط موازية لتفادي أي تصعيد قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية مع النظام الإيراني. كما سيحاول الحدّ من خسائر حربه التجارية مع الصين. عين ترامب ستبقى على محاولة الانخراط بحوار جدي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن مجلس النواب سيضع عراقيل أمامه في هذا الملف، ما قد يعني صعوبة إيجاد انخراط جدي بين واشنطن وموسكو لإطلاق عملية سياسية لإنهاء الحرب السورية.

أبعد من هذه التداعيات المباشرة وغير المباشرة، هناك تطورات قد تكون غير متوقعة في الأسابيع المقبلة وقد تؤثر على ميزان القوى في الكونغرس ومع البيت الأبيض. احتمال تقديم وزير الدفاع جيمس ماتيس لاستقالته سيزيد من ضغط الديمقراطيين في الكونغرس لأنه قد يأخذ إدارة ترامب إلى اليمين، من دون أي رادع قوي لصقور الإدارة، أي مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو. المحقق الخاص بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة (2016)، روبرت مولر، سيقول كلمته أيضاً في الأسابيع المقبلة، ما قد يغير قوانين اللعبة في الكونغرس وواشنطن في حال كشف عن أدلة تشير إلى تواطؤ بين حملة ترامب والكرملين أو محاولة الرئيس عرقلة التحقيق في هذه القضية.