مذكرات اعتقال فرنسية لعلي مملوك وضباط آخرين بنظام الأسد

مذكرات اعتقال فرنسية بحقّ علي مملوك وضباط آخرين بنظام الأسد

05 نوفمبر 2018
كانت بروكسل قد فرضت عقوبات على مملوك(تويتر)
+ الخط -


تقترب العدالة الفرنسية من بشار الأسد ورجاله. وللمرة الأولى منذ بداية الانتفاضة الشعبية في سورية، عام 2011، كما كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية، اليوم الإثنين، أصدر قاضي التحقيق الفرنسي، انسجاماً مع طلب النيابة العامة، مذكرات توقيف دولية بحق ثلاثة مسؤولين رفيعين في الاستخبارات السورية، بتهم "التواطؤ مع أعمال تعذيب وتواطؤ مع الاختفاءات القسرية، وأخيراً، التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجنح حرب". 

ومن بين الملاحقين، علي مملوك، المدير الحالي لمكتب الأمن القومي للنظام السوري، الرجل الذي يشرف على "كل الجهاز الأمني" التابع للنظام، كما تقول الصحيفة.     

ويندرج هذا القرار، غير المسبوق في فرنسا، في إطار تحقيق قضائي مفتوح، انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بـ"تهم جرائم اختفاء قسري وتعذيب، يشكلان جرائم ضد الإنسانية وتواطؤ مع هذه الجرائم"، وهو تحقيق فُتِحَ ارتكازاً على ملف "قيصر"، وهو الاسم المستعار الذي مُنِحَ لمصوّر من الشرطة العسكرية السورية، هرب من بلده، في يوليو/تموز 2013 حاملاً معه 50 ألف صورة لجثث سجناء موتى من الجوع والمرض أو التعذيب في سجون بشار الأسد ما بين 2011 و2013.

وقد حفّزَ هذا التحقيقَ القضائي، الشكوى بـ"اختفاء قسري وتعذيب وجرائم ضد الإنسانية"، التي تقدّم بها مواطن فرنسي - سوري يقيم في فرنسا، والذي اختفى أقرباؤه، في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، بعد إيقافهم من قبل أجهزة النظام. وقد كان مازن الدباغ مستشاراً رئيسياً للتربية في الثانوية الفرنسية في العاصمة، في حين كان ابنه، باتريك، البالغ 20 سنة، طالباً في كلية الآداب.

وإلى حد الآن، لم نَصل بعدُ، كما تعترف "لوموند"، إلى التعرف على أي ضحية فرنسية -سورية في كليشيهات "قيصر". ولكن التحقيق شهد قفزةً، في شهر أغسطس/آب الماضي، بسبب نشر النظام السوري، شواهد وفاة بسبب "سكتة قلبية" للسيد الدباغ وابنه في إطار عملية واسعة لأتمتة السجل المدني السوري، ما قاد السلطات السورية للاعتراف بوفاة مئات السجناء الذين غابت أخبارهم عن أهاليهم، منذ سنوات.

وقد أبرزت التحقيقات أن منزل الدباغ في دمشق تعرَّض للمداهمة من قبل أعضاء الأجهزة المرتبطين باعتقاله، ما دفع النيابة العامة لتوسيع التهم إلى "القتل العمد والاعتداء المتعمد على الحياة التي تشكّل جرائم ضد الإنسانية، إضافة إلى كونها جرائم حرب". 

تجدر الإشارة إلى أن المسؤولين السوريين الثلاثة، الذين صدرت في حقهم مذكرات اعتقال دولية، كلهم يعملون في أجهزة استخبارات النظام. أرفعهم، هو علي مملوك، والثاني هو جميل حسن، قائد استخبارات القوة الجوية، الجناح الأكثر قسوة في الجهاز الأمني السوري، أما المتهم الثالث، وهو متهَّمٌ بمسؤولية مباشرة لدى السجناء، فهو مدير قسم استخبارات القوة الجوية، التي تقع في باب توما في دمشق. 

وتشير الصحيفة إلى أن المسؤولَيْن الأوَّلَيْن معروفان. وخاصة علي مملوك، 72 سنة، رجل الأسد للمهمات السرية، والذي يُسمَح له بالسفر خارج البلاد، في إطار عمليات دبلوماسية موازية، رغم أنه صدرت في حقه عقوبات دولية. وهو مكلَّف، أيضاً، بكسر عزلة النظام، مستغلاًّ ملفّ المواطنين الأجانب الذين انخرطوا في صفوف "الجهاديين"، وهو ما قاده إلى زيارة روما. 

أما الشخص الثاني، فهو جميل حسن، 66 سنة، ومتهم بأنه أحد منفّذي القمع الرئيسيين في سورية. وتستذكر الصحيفة الفرنسية، لقاءً أجرته معه الصحافة البريطانية، سنة 2016، يتأسف فيه "لأن النظام السوري لم يستخدم التشدد منذ بداية الانتفاضة". 

وفي يونيو/حزيران الماضي، أصدرت ألمانيا، في ما يعتبر سابقة دولية، مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ارتكابه "جرائم ضد الإنسانية". 

وترتكز المذكرة الألمانية، مثل نظيرتها الفرنسية، على شقين: التحقيقات حول ملف "قيصر"، والشق الثاني، شكاوى 24 مواطنا سوريا لاجئين في ألمانيا، من الناجين من سجون ومعتقلات بشار الأسد.    

وترى الصحيفة أن كثيراً من العناصر التي توجد في الإجراءات القضائية الفرنسية تقود إلى اتهام الأسد. إذ إن اختفاء الدباغ وابنه تمّ على أيدي رجال اعترفوا بانتمائهم للاستخبارات السورية، علماً أن الدباغ وابنه لم يكونا، أبداً، ضالعيْن في حركات الاحتجاج، حسب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والرابطة الدولية لحقوق الإنسان. الشيء الوحيد المؤكَّد هو أنهما اقتيدا إلى مركز اعتقال أجهزة استخبارات القوة الجوية، وهو مكان، يصفه الجميع بأنه مقرّ تعذيب. 

وترى الصحيفة الفرنسية أن فرنسا، من خلال هذا القرار، تحذو حذو ألمانيا. لكنها، من خلال استهدافها لمسؤولين عدة بالنظام، "تنشر هجوماً قضائيا أكبر".  

وهذه المذكرات تمنع، بحكم الأمر الواقع، المسؤولين المستهدفين من السفر، خاصة إلى أوروبا، حيث تم تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء. 

تجدر الإشارة إلى أن هذه المذكرات، أكانت ألمانية أم فرنسية، قد صدرت على قاعدة "الاختصاص العالَمي"، في تطبيق للمعاهدات الدولية، وهو ما سيتيح متابعة الفاعلين أو المتواطئين لبعض الجرائم الخطيرة، حتى وإن لم تحدُث على التراب الوطني.     

وتختم الصحيفة بأنّ العدالة الفرنسية، من خلال هذه الخطوة، "توقّع على انتصار الجمعيات التي طالبت، بصوت عال، بأن تنكبَّ المَحاكم الوطنية (الأوروبية) على الجرائم المرتكبة في سورية". وتذكّر الصحيفة بالعقَبَتَين اللتين واجَهَتَا الجهود الرامية إلى تجريم مرتكبي قمع انتفاضة 2011، وهما كون سورية لم تنضمَّ إلى معاهدة روما، النص المؤسِّس للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يحول دون قيام هذه المحكمة بفتح متابعات؛ وثانياً، الفيتو الروسي في مجلس الأمن، الذي يُجمّد كل مبادرة من مجلس الأمن تجاه هذه المحكمة. 

وتلفت الصحيفة إلى فتح إجراءات عديدة، في السنوات القليلة الماضية، في فرنسا والخارج، عبر شكاوى مباشرة وغير مباشرة ضد نظام بشار الأسد. ولكن هذه الشكاوى لم تفلح في استصدار مذكرات توقيف، لأنّ "إكراهات قضائية أو الصراع حول مناطق، حال دون التحقيقات".​

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، أوضح المحامي السوري أنور البني، رئيس "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية"، أن الدعوى تمّ رفعها منذ عام 2016، وشهدت جلسات استماع للشهود وذوي الضحايا وجمعاً للأدلّة قبل إصدار الحكم، موضحاً أن "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية"، ساهم بالقضية عبر جمع الأدلة ووضعها بيد المحامية التي كانت تتسلّم الدعوى، حتّى صدرت يوم أمس ثلاث مذكّرات اعتقال.


وبحسب البني، فإن المذكرة الأولى هي كما نشرتها "لوموند"، ضد علي مملوك، والثانية ضد جميل حسن، رئيس إدارة الاستخبارات الجوية في سورية، والثالثة من المتوقّع أن تكون ضد عبد السلام فجر محمود، رئيس فرع التحقيق في الاستخبارات الجوية، لافتاً إلى أن المدعي العام الفرنسي لا ينشر أسماء من رُفعت ضدهم مذكرات توقيف، وإنما يكتفي برفعها إلى الشرطة الدولية "إنتربول".

وقال البني "إن الدعوى تم رفعها أمام القضاء الفرنسي، لأن المدعين يحملون الجنسية الفرنسية، وفي هذه الحالة يمكن لهم رفع الدعوى".

وأشار إلى أن ذوي الضحايا تواصلوا مع الاستخبارات الجوية مرات عدة، دون أن يتمكّنوا من الوصول إلى نتيجة، ما دفعهم للتحرّك في القضاء الفرنسي في وقتٍ لاحقٍ.

وأوضح أن "المركز السوري" سبق أن رفع أربع دعاوى أمام القضاء الألماني، وصدرت على إثرها مذكرات اعتقال بحق جميل حسن وضباط آخرين.

وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات اقتصادية على علي مملوك، في أيار 2011، أي بعد أسابيع على انطلاق الاحتجاجات في سورية، وذلك بسبب تورطه في أعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين حينها.