أوراق ضغط ألمانية على موسكو لوقف التصعيد مع أوكرانيا

أوراق ضغط ألمانية على موسكو لوقف التصعيد مع أوكرانيا

28 نوفمبر 2018
ميركل ترتبط بعلاقات جيدة مع بوتين وبوروشنكو (ميخاييل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -
تحتاج أوروبا إلى المهارات الدبلوماسية للمستشارية الألمانية أنجيلا ميركل لوقف التصعيد في البحر الأسود، وهي التي تجمعها علاقة جيدة بالرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني بترو بوروشنكو.

ويُأمل في أن تتمكن ميركل، وبحكم مكانتها على المستوى الأوروبي، من إيجاد موقف واضح للحد من التصعيد في حادثة مضيق كريتش، بعد أن ازداد الصراع سوءا، ولأن لا أحد يريد حربا. 

وفي الوقت نفسه لا يمكن فقط النظر إلى بوتين وهو يحشد العديد والعتاد على طول الحدود مع أوكرانيا، أو الركون إلى حل كاتفاق مينسك 2015 من دون مفاعيل حقيقية على أرض الواقع.  

ويسود اعتقاد في الوسط السياسي والإعلامي الألماني، عبر عنه المحلل السياسي انزغر غراف، أنه من المهم أن تعمد ألمانيا إلى استخدام أوراق الضغط على الروس، وأن توقف شق خط أنابيب النفط نورد ستريم 2 على بحر البلطيق، وخاصة أن روسيا لا تزال تعتمد على تصدير الغاز إلى أوروبا، التي تستورد منها برلين وبشكل كبير المواد الخام عبر طرق النقل الأوكرانية، أي أن الجانب الروسي يعول اقتصاديا على ألمانيا من خلال صادرات شركة غاز بروم لدعم خزينة الدولة. 

وأبرز غراف ضرورة أن تقوم برلين بوساطة لتجنب المزيد من التصعيد، وأن لا يقتصر التفاعل مع الحدث على رد الفعل في الإعلام، متوقفا عند حضور برلين في الملفات الساخنة أوروبيا، وهي الشريك الأساسي مع فرنسا في اتفاق مينسك للسلام بين أوكرانيا وروسيا، في وقت يبدو الموقف الأميركي ضعيفا، نظرا لمحدودية العلاقة بسياسة موسكو الاقتصادية والتجارية. 

والمطلوب التركيز على صيغة حل توقف التوترات في بحر آزوف والمضايقات للسفن التجارية والسيطرة العسكرية، مخافة أن يكون الهدف منها التحضير لزعزعة الاستقرار في المنطقة، سواء عن طريق التحريض على الاضطرابات الاجتماعية، أو التصعيد العسكري على الأرض. 

ويلفت كل من المحللين فرانك هارولد وكلوديا فون سالسن لصحيفة "تاغس شبيغل"، إلى أن ما يعطي دورا لألمانيا كوسيط محايد قوي أيضا أن الأخيرة نشطة كجزء من مهمة حلف شمال الأطلسي في ليتوانيا، مع ما يشكله الصراع بين موسكو وكييف من خطورة وتهديد للأمن الأوروبي، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في مدريد الاثنين الماضي، والجميع بانتظار ما ستقوله المستشارة ميركل بعد استقبالها رئيس الوزراء الأوكراني اليوم الخميس، في سياق الزيارة المقررة مسبقا إلى برلين، إنما الآن أصبحت تتمتع بطابع مختلف ولن يكون التركيز على العلاقات الافتصادية، بل على كيفية الوقاية من تفاقم الصراع الروسي الأوكراني.


وهنا برز موقف لزميل ميركل في الحزب المسيحي الديمقراطي خبير السياسة الخارجية نوربرت روتغن، والذي اعتبر أن الوضع بمجمله يعتبر مكسبا لروسيا بمجرد الحديث عن أن 12 ميلا بحريا قبالة ساحل شبه جزيرة القرم قد تم اختراقها. 

إلى ذلك، يريد الاتحاد الأوروبي الرد على التصرف الروسي عبر مناقشة وزارء خارجية دوله في 10 ديسمبر/ كانون الأول المقبل إمكانية فرض عقوبات جديدة ضد روسيا، وهو ما دعت إليه إستونيا بالفعل، إذ شددت على ضرورة فرض عقوبات أكثر صرامة على موسكو. 

ويطالب هارولد وفن سالسن ميركل بأن تمارس الضغط على الرئيس بوتين، وأن لا تكون أكثر تحفظا من تصريحات العديد من الزعماء في العواصم الأوروبية الأخرى، أو كندا التي تتحدث عن "عدوان روسي". 

وبرز الخوف من أن يؤدي حادث مضيق كيرتش إلى نزاع مسلح بين روسيا وأوكرانيا بعد تضارب الروايات عن خرق القانون الدولي، في ظل إصرار كييف على حقها في رحلات عبر المضيق وفقا لاتفاق ثنائي حصل عام 2003، أي حقها في المرور السلمي في البحر الإقليمي على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تسمح بالملاحة على هذا الجانب من المنطقة إلى حدود 12 ميلا بحريا، فيما وجهة نظر الروس تقول إن "ضفتي المضيق تنتمي إلى الأراضي الروسية بعد عودة شبه جزيرة القرم".

من جهة ثانية، وبحسب ما أفادت تقارير صحافية ألمانية، بينها "تاغس شبيغل" و"دي فيلت"، اليوم الأربعاء، فإن نية التصعيد غير موجودة، والمخاطر الحالية يمكن ضبطها، والدليل أن الرئيسين الروسي والأوكراني تواصلا، الاثنين الماضي، في إشارة إلى أنهما يريدان إبقاء الوضع تحت السيطرة.

وفي السياق، برز موقف أطلقه أمس من برلين السياسي الروسي المعروف ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي ألكسي بوشكوف، خلال منتدى السياسة الخارجية، والذي تنظمه مؤسسة كوربر، ويجمع في كل عام عددا من الدبلوماسيين والسياسيين والمحللين، بقوله إنه "سيتم نسيان هذا الموضوع في غضون أسبوع".

وقال دبلوماسيون أوروبيون إن "الطرفين ليس لهما اهتمام حقيقي بتصعيد الصراع"، وأنه يمكن تصنيف الحادث عموما على أنه "مناورة داخلية ذات دوافع سياسية، وتعبر فقط عن الصراعات القائمة". 

يشار إلى أن وزير الخارجية الألماني قال، أمس الثلاثاء، إن "ألمانيا عرضت حلا على شكل النورماندي"، إلا أن روسيا رفضت العرض الألماني على الفور، حيث اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن "سلطات روسيا وأوكرانيا قد تناقشان المشاكل بنفسيهما". فيما حذّر الرئيس الأوكراني، ليلة الثلاثاء، من "خطر حرب كاملة"، مشيرًا إلى أن الجيش الروسي ضاعف عدد دباباته على طول الحدود مع بلاده ثلاث مرات، وأنّ الوحدات المتمركزة هناك زادت بشكل كبير.

في المقابل، يرى خبراء الشؤون الاستراتيجية الأوروبية أن على أوروبا وضع حد لتصرفات الكرملين، الذي يقوم بحرب سرية في أوكرانيا منذ سنوات، والتصعيد الجديد لا يجب أن يمر من دون عواقب على موسكو، وهي التي ألقت اللوم على أوكرانيا في تلك الحادثة، معتبرة أن ما حصل "انتهاك للحدود". 

وأشار الخبراء إلى أن الدولتين تتساويان في الوصول إلى بحر آزوف، فيما روسيا تدعي السيادة الحصرية على المضيق، مضيفين أن النزاع الأخير حول الوصول إلى بحر آزوف "لم يكن مفاجئا، لا بل لعدة أشهر كانت روسيا توقف وتفتش السفن قبل أن تصل إلى الموانئ الأوكرانية". 

ولمضيق كيرتش أهمية بالنسبة لأوكرانيا وروسيا على السواء، حيث يتم التعامل مع الفحم والصلب والحبوب في اثنين من الموانئ الأوكرانية هي بيرديانسك وماريوبول، وإذا ما تم حظر المرور في المضيق فإنها ستقف تماما، فيما الموانئ الخمسة الروسية الأكبر في المنطقة تعالج صادراتها من الحبوب، عدا عن اعتماد شركة "روسنفت" على شحن كميات كبيرة من النفط عبر كل من ميناء كوكاس وروستوف أم دون.