لا الناقة ولا الجمل

لا الناقة ولا الجمل

27 نوفمبر 2018
بن سلمان أثناء زيارته البحرين (الأناضول)
+ الخط -

بالتأكيد لن تستطيع الجزائر أن تكرر ما فعلته في يونيو/حزيران 1966 مع الكونغولي مويس تشومبي الذي تآمر على صديق الجزائر الحر باتريس لومومبا وتسبب في اغتياله. اختُطف تشومبي إلى الجزائر وظل معتقلاً حتى مات سنة 1969 عقاباً له على فعلته.

بالنسبة للجزائر، إن الكاتب السعودي جمال خاشقجي ليس لومومبا وإن كانا يتشاركان مسعى الحرية، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليس مويس تشومبي، وإن كانا يتشاركان في تدبير المشكلات للناس، أفراداً وشعوباً، العالم غير العالم والسياق غير السياق والجزائر غير الجزائر، لكن ثمة سؤالاً يُطرح بكثير من الهدوء في هكذا وضع محتقن: لماذا أصبحت الجزائر تستقبل الرؤساء والشخصيات المثقلة برصيدٍ من الدم؟

في السياسة تغلب المصالح الأخلاق دائماً، وتقفز المكاسب على المبادئ، فقد استقبلت الجزائر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أول زيارة له خارج مصر، عندما كان يبحث عن أرض يرفع فيها عينه من الحرج بعد مجزرة رابعة 2013، وتستقبل ولي العهد السعودي الباحث عن سجاد أحمر وصورة، بعد حادثة اغتيال ما شهد لها التاريخ السياسي من قبل ومن بعد مثيلاً. ليس من اللباقة إغلاق الباب في وجه شقيق يزور، لكن في هكذا زيارات عابرة، تخسر الجزائر المصالح والمبادئ معاً، ومثلما لم تكسب مع السيسي مصلحة في حل أزمة ليبيا التي ترهق الجزائر أمنياً، لا تربح مع ولي العهد مصالحها في سوق النفط، إذ تدفع الرياض الأسعار إلى الانخفاض بما يهدد التوازنات المالية للجزائر.

تغيّر دور الجزائر كثيراً. الجزائر التي ساعدت الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا كي يضع إصبعه على زناد الحرية، ومنحت للفلسطيني ياسر عرفات منصة لإعلان قيام الدولة الفلسطينية، صارت على هامش المنتديات الدولية، ولم تعد عاصمة من عواصم المركز السياسي. ليس أدل على ذلك أن قائد الحداثة السعودية الذي صال وجالس كبار العالم قبل جريمة الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يكتشف الجزائر، كما تونس وموريتانيا والمغرب، في الخريطة إلا بعد أن أغلقت في وجهه عواصم المركز الغربي وأوصدت الباب.

لم تكن الجزائر دولة "رز" ولن تكون، والمرة الوحيدة التي طلبت فيها الجزائر مساعدة من الرياض، كانت في منتصف التسعينيات في عز الأزمة الأمنية. ذهب الرئيس ليامين زروال إلى المملكة وفي يده كتاب من ثلاثة طلبات: قرض مالي وسلاح لمحاربة الإرهاب (كانت الجزائر تعاني من حظر في مبيعات السلاح) وفتوى من العلماء لإبطال "جهاد" المجموعات المسلحة، لكنه عاد بخفي حنين، ولم يعد لا بناقة ولا جمل.

المساهمون