أميركا الترامبية… إلى أين يمكن أن يصل الانهيار؟

أميركا الترامبية… إلى أين يمكن أن يصل الانهيار؟

22 نوفمبر 2018
واشنطن-ترامب مصطدمة مع نفسها في الداخل(Getty)
+ الخط -
إلى أين تتّجه الولايات المتحدة الأميركية؟ سؤال مطروح منذ فترة وازداد إلحاحاً مع كثير من القلق بعد إعفاء الرئيس دونالد ترامب للقيادة السعودية من مسؤولية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بهذا التبسيط "الفاضح" الذي عرضه في بيانه أول من أمس الثلاثاء. وقد فجّر نقمة عارمة مقرونة بخوف حقيقي من تحوّل أميركا "إلى شركة علاقات عامة تعمل لخدمة المملكة السعودية"، على حد تعبير السناتور بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أو تحوّلها إلى شركة "تبيع العدالة بالأسلحة والدم بالمال"، كما جاء في صحيفة "نيويورك تايمز". والخشية الأكبر لدى المرجعيات وأقطاب المؤسسة السياسية، أن يتواصل "تقزيم" حجم الولايات الأميركية ودورها وأن تتهشم سمعتها، إذا استمر النهج الحالي في التعامل سواء مع الخصم أو مع الحليف.

إن إدارة دولة عظمى لا تستقيم مع مقايضة الحقيقة بالصفقات ومبادلة الأعراف العريقة بالتجارة. معادلة حملت أحد النواب في الكونغرس على الخروج عن طوره ليصف ترامب في تغريدة على "تويتر"، بشتيمة من العيار الثقيل. كما حملت كثيرين على دق ناقوس الخطر، خوفاً على ديمقراطية تمر في حالة "ضمور وتراجع". بل ثمة من يرى أنها دخلت "طور الموت".

وإذا كان في مثل هذه الردود بعض المبالغة، إلا أنها تعكس مدى التخوف من التمادي في الشطط الجارية فصوله، مع ما ينطوي عليه من مخاطر الانزلاق في مسارب مظلمة. فمنذ يوم الثلاثاء، ومعظم الأوساط الأميركية مصابة بنوبة شديدة من الحيرة وعدم تصديق ما تراه من سلوك الإدارة تجاه السعودية، مع أن المقدمات كانت تؤشر في هذا الاتجاه. ويفاقم مثل هذا الشعور أن الكوابح مفقودة لوضع حدّ للخلل. الأغلبية في الكونغرس ولغاية مطلع العام المقبل، بيد الجمهوريين الذين اختارت قياداتهم في مجلسي الشيوخ والنواب السير وراء الرئيس والتخلي عن دور الرقيب المفترض أن تلعبه بحكم الدستور. فحتى هذه اللحظة لم يصدر أي تعليق من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل، أو من رئيس مجلس النواب بول راين، حول بيان الرئيس في قضية خاشقجي. قامت الدنيا ولم تقعد بعد في واشنطن اعتراضاً على موقف ترامب، من دون أن ينطق أي منهما بكلمة في هذا الخصوص، رغم المطالبات العديدة للقيام بدور استباقي يقلل الخسائر، ذلك أن حسابات انتخابات الرئاسة بعد سنتين تتحكم بالمواقف.

تعيش الولايات المتحدة الأميركية اليوم مفارقة صارخة؛ من جهة هي في أحسن أحوالها الاقتصادية، حتى الآن، ومن جهة ثانية، ليست في عزّها الذي كان ينبغي أن تنعم به كدولة عظمى تحتل الموقع القيادي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية. وهج هذا الموقع بدأ يضعف. المقاييس الضيقة المعتمدة في اتخاد القرارات بمعزل عن المؤسسات المعنية، أدى إلى اضطراب السياسات وخروجها عن المألوف المتوقع والمقبول. فواشنطن-ترامب مصطدمة مع نفسها في الداخل. وفي الوقت ذاته مصطدمة مع المؤسسات الدولية، منظمات واتفاقيات وتحالفات. والأخطر في نظر خبراء السياسة الخارجية، أنها مشتبكة مع حلفائها التقليديين الذين تستبدلهم بحلفاء ماليين "سبق وألحقوا الضرر بمصالح أميركا في المنطقة".


مقايضة يحذر العارفون في واشنطن من عواقبها على موقع واشنطن وسمعتها ووزنها. لا يعقل أن تغض واشنطن النظر عن "جريمة تقطيع" شخص كل ذنبه أنه مارس حقه في الانتقاد المشروع وكان مقيماً على أرضها وهي التي تقول إنها تجعل من الالتزام باحترام حقوق الإنسان إحدى ركائز سياستها الخارجية. الخروج عن هذا التقليد بهذه الدرجة الفاقعة لأجل مكاسب تجارية مهما بلغ حجمها، يخل بالثقة ليس فقط بمزاعم أميركا بل أيضا بدورها ونفوذها على الساحة الدولية. وهذ ما يقض مضجع الدوائر الأميركية التي تتفرج على التراجع من دون أن تكون قادرة الآن على لجمه.