الدعوات لحوار تونسي: بين مبررات الانعقاد وغياب الدوافع

الدعوات لحوار تونسي: بين مبررات الانعقاد وغياب الدوافع

23 نوفمبر 2018
وضع متأزم وخروج تظاهرات مطلبية إلى الشارع(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


أمام استفحال الأزمة السياسية وانسداد أفق الحوار بين الأحزاب التونسية نفسها، وبين مؤسسات الدولة، خصوصاً رئاستي الجمهورية والحكومة، تكثّفت الدعوات للحوار من جديد وبحث أرضية يمكن أن تشكّل قاعدة للتوافق حول أجندات سياسية واجتماعية تُخرج تونس من وضعها الراهن. وبعدما دعت وزيرة الصحة السابقة سميرة فريعة لحوار وطني بسبب اجتماع أسباب الأزمة نفسها التي قادت إلى حوار 2013، جددت الهيئة الوطنية للمحامين، في بيان لها، دعوتها لحوار وطني لإيجاد الحلول الكفيلة بالخروج من الأزمة الحالية في البلاد. واعتبرت أن "تعفّن المناخ السياسي، وتنامي التناحر بين الأطراف السياسية من دون استثناء، والانخراط في حملة انتخابية سابقة لأوانها، والانصراف عن هموم الشعب والفئات الضعيفة، عمّقت الأزمة وساهمت في استفحالها واستمرارها". كما نبّهت من خطورة الوضعَين الاقتصادي والاجتماعي اللذين برزا من خلال ارتفاع نسب الدين العام والتضخم، علاوة على العجز في الميزان التجاري والانزلاق الحاد للدينار.

وعلى الرغم من عدم نضوج الأسباب التي يمكن أن تفرض على مختلف الأفرقاء السياسيين العودة إلى طاولة الحوار، فإن مواقف الشخصيات والأحزاب السياسية من هذا المقترح تبدو متباينة حتى الآن، بسبب عدم وضوح الدوافع الداعية لذلك وغياب برنامج واضح المعالم لدى أصحاب الاقتراح.
وأكد القيادي في حركة "النهضة" عبد اللطيف المكي، في الجلسة العامة الأخيرة لمجلس النواب، أنه يرجو أن ينجح الإضراب العام في الوظيفة العامة (الذي بدأ أمس الخميس) حتى يكون فرصة للدخول في حوار وطني حول الإشكاليات الاجتماعية، يتمّخض عنه قانون توجيهي يدوم من 10 إلى 15 عاماً يلتزم به الجميع. واعتبر المكي أن الإضراب يعبّر عن مطالب شرعية تحتاجها البلاد، وينبغي عدم التشويش عليه، داعياً اتحاد الشغل للدفع نحو تثمين قيمة العمل والزيادة في الإنتاج.

من جهته، وصف الأمين العام لحزب "الوطنيين الديمقراطيين" زياد لخضر، في حديث مع "العربي الجديد"، "الوضع الحالي بالمتأزم والمتسم بتضارب المصالح بين مختلف الأطراف، بسبب تطبيق الحكومة إملاءات صندوق النقد الدولي الليبيرالية الموغلة في التوحش والمنتهكة سيادةَ الشعوب ونمط عيشها ومستقبلها"، مضيفاً: "إذا كان الحوار ضرورياً خلال هذه المرحلة فإن شروط انعقاده تبدو صعبة للغاية".
لخضر، القيادي في "الجبهة الشعبية"، فسر ذلك بأن "الدعوة التي وجّهها عميد المحامين لعقد حوار وطني، يعجز عن تنفيذها لأنه لا يحظى بثقة الجميع، فالأطراف التي رعت الحوار سابقاً مصالحها اليوم متضاربة، والأزمة اليوم اقتصادية واجتماعية تتميز بتضارب مصالح العمال والأجراء مع مصالح فئات أخرى من التونسيين، وهو ما يجعل الوصول إلى حلول مرضية للجميع أمراً صعباً". وأضاف لخضر أنه "بقدر ما كان الوضع سابقاً في سياق الدعوة لحوار سياسي يتعلق بتأمين مسار سياسي للوصول إلى انتخابات 2014 وتجنّب مناخات العنف والإرهاب، فإنه اليوم يتعلق بمضمون اجتماعي للديمقراطية الناشئة في تونس بعد أربع سنوات قضتها "الجبهة" تصارع من أجل وجهة نظر تتلاءم إلى حد ما مع وجهة نظر النقابات، كانت كل الأطراف الحاكمة مجمِعةً، على الرغم من أزماتها الداخلية، على معارضته".

واعتبر لخضر أن "ما تحتاجه الساحة التونسية اليوم، هو تنظيم صفوف الشعب الكادح من أجل التصدي لهذه الخيارات، وفرض تنازلات حقيقية على السلطة الحالية، وإذا ما تعدّلت موازين القوى بهذا الاتجاه فيمكن حينها عقد حوار وطني متوازن بين الأطراف الاجتماعية والسياسية يمكّنها من تقاسم التضحيات وتنقية المناخ الاجتماعي"، مضيفاً: "إن الحوار في ظل هذا الظرف هو خضوع لصندوق النقد الدولي وحكومته في تونس".


في المقابل، اعتبر القيادي في حزب "حراك تونس الإرادة"، عماد الدايمي، في حديث مع "العربي الجديد،" أن البلاد تحتاج إلى حوار وطني أكثر من أي وقت مضى، على أن يكون حواراً جدياً وغير موجّه إلا للخروج من الأزمتَين الاجتماعية والاقتصادية الخانقتَين، مشيراً إلى أن "منظومة الحكم الحالية عجزت عن إخراج البلاد من هذه الأزمة، والأطراف الاجتماعية اليوم طرف في النزاع، لذلك فإن المكان المؤهل لإدارة حوار وطني حقيقي هو البرلمان نظراً لصلاحياته الدستورية في ذلك، وهو الأقدر لطرح إشكالية سبل الخروج من الأزمة ويشرك في ذلك كل القوى السياسية في البلاد". ولفت الدايمي إلى أن مجلس النواب سُلّطت عليه محاولات عديدة لتحييده وإبعاده عن دوره الحقيقي في مناقشة قضايا البلاد واحتواء الحوار، إلا أنه يضطلع بدوره ممثلاً لأغلب القوى السياسية في البلاد والمنفتح على المجتمع المدني، وعليه أن يؤدي دوره الجامع ويقود الحوار.

من جهة أخرى، يعتبر مراقبون أن دعوات الحوار لا تستقيم سياسياً في المرحلة الراهنة، خصوصاً بعد أن رُجحت كفة الائتلاف الجديد في البرلمان وصادق على حكومة يوسف الشاهد الثالثة بعد أشهر من الخلافات بين فريقين سياسيين، وربما كان يمكن قبل ذلك تجديد الدعوة للحوار. ويذكّر هؤلاء بأنه كانت هناك صيغة لحوار وطني تمثّلت في وثيقة قرطاج الثانية، ولكنها أُجهضت بسبب أطماع شخصية وحزبية ومحاولة سيطرة طرف على آخر، ما انتهى بتشكيل مشهد سياسي جديد، أبرز مميزاته تتمثّل في تحوّل حزب "نداء تونس" إلى حزب معارض على الرغم من عدم إعلانه عن ذلك، وهو ما جعل المشهد هجيناً سياسياً، فوزراء الحزب يمثّلون الأغلبية في الحكومة ولكنه تحوّل إلى المعارضة ولم يصوّت لصالحها.

أما الأحزاب الفائزة (النهضة وكتلة الشاهد وحزب مشروع تونس والمبادرة) فقد تطرح تساؤلات عن جدوى الحوار الآن، خصوصاً مع استقرار الوضع السياسي نسبياً، وعدم وجود دواعٍ أمنية أو تهديدات أو فرضية مواجهة بين معسكرين كما كان الأمر في 2013، عندما استفحل الخلاف بين مكوّنات "جبهة الإنقاذ" وحكومة الترويكا، بالإضافة إلى أن هناك اليوم دستوراً وبرلماناً منتخباً يمكنه الفصل ولو نسبياً في الخلافات الكبرى.

في المقابل، يعتبر آخرون أن الأزمة ستستفحل لا محالة في الفترة المتبقية حتى انتخابات 2019، وستكون هناك حاجة لحوار حقيقي على قاعدة أجندات سياسية تمكّن من انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية ورئيس وأعضاء هيئة الانتخابات واستكمال بقية المؤسسات، بالإضافة إلى تنقيح القانون الانتخابي وربما إدخال تعديلات على الدستور والنظام السياسي، وهو ما يستوجب حواراً حقيقياً، علاوة على تنقية المناخ السياسي والذهاب إلى انتخابات حرة ونزيهة تتصارع فيها البرامج وليس الملفات والمقايضة والتهديدات.