"مجزرة" شعفاط: الاحتلال يريد إزالة "العبء" العربي في القدس

"مجزرة" شعفاط: الاحتلال يريد إزالة "العبء" العربي في القدس

22 نوفمبر 2018
منع الاحتلال الأهالي من الاقتراب خلال الهدم(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
منذ صباح أمس الأربعاء، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي، معززة بجرافاتها ونحو 500 من عناصرها، باقتحام مخيم شعفاط شمال القدس المحتلة، وشرعت بهدم محال تجارية في المخيم، بحجة البناء غير المرخص. مجزرة الهدم تضاف إلى سلسلة طويلة من عمليات مشابهة تمارسها قوات الاحتلال بحق المنشآت الفلسطينية. لكن ما جرى في شعفاط لا يرتبط بهدم بناء غير مرخص، كما تزعم السلطات الإسرائيلية، بل برغبة بلدية الاحتلال في تنفيذ مخططها الذي يهدف إلى السيطرة على المخيم ونزع صلاحيات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى "أونروا"، وتصفية قضية اللاجئين فيه. وكانت بلدية الاحتلال، في عهد رئيسها السابق نير بركات جاهرت بمخططها في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بإعلانها رسمياً أنها وضعت "خطة مفصلة للتخلص من أونروا والانتهاء من مشكلة اللاجئين في القدس"، على حد وصفها. وأشارت يومذاك إلى أنها ستستعيض عن خدمات الوكالة بخدمات بلدية. وأكد بركات، في بيان أصدره حينها، أن "الهدف من القرار هو الانتهاء من كذبة اسمها مشكلة اللاجئين الفلسطينيين والتي هي جزء من جهاز دعاية السلطة الفلسطينية التي ترعاها الأمم المتحدة وتشجعها، وتهدف إلى إدامة وضع اللاجئين والمطالبة المستمرة بحق العودة إلى إسرائيل وتدميرها".

وفي تفاصيل ما جرى أمس، قال المتحدث باسم حركة فتح في مخيم شعفاط، ثائر الفسفوس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "عشر جرافات تابعة لبلدية الاحتلال واصلت عمليات الهدم في المخيم، والتي طاولت 12 محلاً تجارياً ومحطة للوقود، فيما كان ينتظر الهدم نحو ثمانية محال أخرى". وأشار الفسفوس إلى أن مئات من جنود الاحتلال حاصروا المخيم ومنعوا الوصول إلى منطقة الهدم، فيما توغلت قوات أخرى إلى وسط المخيم واشتبكت مع الشبان هناك، مطلقة قنابل الغاز والصوت في وقت اعتدت على طواقم الصحافيين بالضرب ورشّهم بغاز الفلفل. ولفت المتحدث باسم حركة فتح في المخيم إلى أن أصحاب المحال التجارية كانوا أفرغوا طيلة الليل محلاتهم من موجوداتها من البضائع، تنفيذًا لأوامر الإغلاق التي سلمت إليهم والتي أمهلتهم مدة 12 ساعة، لتنفيذ أوامر إخلاء المحال من موجوداتها. وبحسب نص أحد الإخطارات التي اطلعت عليها وكالة فرانس برس، حذرت بلدية الاحتلال أصحاب المحال من أن عدم الالتزام سيدفع عمالاً من البلدية للقيام بعمليات التفريغ، على أن يجبر أصحاب المحلات على دفع التكاليف.

منتصر الرجبي، وهو أحد أصحاب المحال التجارية الذي لم يسبق أن تلقى أمراً بالهدم من قبل سلطات الاحتلال كما جرت العادة، فوجئ وزملاؤه من أصحاب المحال بعملية الدهم الكبيرة التي نفذتها طواقم بلدية الاحتلال المحاطين بحماية كبيرة من الجنود وتسليمهم أوامر الهدم.

من جهتها، قالت اللجنة الشعبية في مخيم شعفاط، على لسان رئيس اللجنة خضر الدبس، إن "ما شاهدناه من عملية تدمير واسعة للمحال التجارية أعاد إلى الأذهان ما جرى في مخيم جنين في مطلع الانتفاضة الثانية". واعتبر الدبس "ما جرى اليوم تنفيذا لمخطط الاحتلال السيطرة على الأوضاع في المخيم ومصادرة صلاحيات وكالة أونروا فيه". وقال الدبس، في حديث مع "العربي الجديد": "مطلوب من أونروا أن تتحرك في الحال. لا يمكن السكوت عما تقوم به قوات الاحتلال وبلدية القدس الإسرائيلية"، واصفاً ما جرى بأنه جريمة كبرى تتعلق بحياة عشرات الأفراد من الأسر في المخيم الذين يعتاشون من تلك المحال المدمرة. كما وضع، في حديث مع فرانس برس، هذا التطور في سياق سعي بلدية الاحتلال "لفرض سيادتها على المخيم وتصفية قضية اللاجئين، خصوصا بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف المساهمة  في تمويل أونروا".

نزع صلاحيات أونروا عن المخيم

وتأتي عمليات الهدم متزامنة مع تسلم رئيس بلدية الاحتلال الجديد موشيه ليئون، المعروف بتطرفه الديني والقومي، مهماته من رئيس بلدية الاحتلال السابق نير بركات الذي كان أعلن قبل فترة وجيزة عن خطة تفصيلية تتعلق بالمخيم مفادها نزع صلاحيات الأوقاف عن اللاجئين فيه وإسقاط صفة اللاجئ عنهم وإلحاقهم ببلدة شعفاط المجاورة عنواناً للإقامة.
وفي السياق، أشار المتحدث باسم فتح في المخيم، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن بلدية الاحتلال بصدد إزالة ارتباط مخيم شعفاط بضاحية السلام، وتحديد بداية المخيم بالقرب من مخبز "بيت النعمة" شرقاً، إلى حي "رأس خميس" من أراضي المخيم من ناحية الغرب، في حين ستتم تسمية ضاحية السلام بعناتا الجديدة، بعد وضع مجسّمات وحواجز انتقالية للشرطة الإسرائيلية بالقرب من مخبز "بيت النعمة"، وذلك حتى الانتهاء من إحصاء عدد السكان في المخيم.
ووفقًا لما حصل عليه السكان من معلومات من موظّف في وزارة الداخلية الإسرائيلية، فإنّ "هذا لا يعني أن تصبح (ضاحية السلام) منطقة تابعة للضفة الغربية، بل ستبقى من ضواحي القدس تحت مسماها الجديد الذي سيطلق عليها وهو عناتا الجديدة، بينما ستحوّل سلطات الاحتلال الشارع الالتفافي الجديد في بلدة عناتا بجانب الجدار ومفترق البلدة من ناحيتها الشرقية إلى شارع داخلي يخصّص استخدامه فقط لأهالي عناتا والمخيم، فضلاً عن تحويل خطّ آخر قريب يربط الجنوب بالشمال الفلسطيني. وعليه، سيتم إعطاء أهالي عناتا الأصليين، ممن ليس لديهم مانع أمني من الاحتلال، بطاقات تخوّلهم الدخول إلى مناطق شعفاط فقط".

وأكد المتحدث الرسمي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ومدير الإعلام والاتصال – دولة فلسطين، سامي مشعشع، في حديث مع "العربي الجديد"، موقف أونروا الرافض إجراءات الاحتلال في المخيم. وأشار مشعشع إلى أن إدارة أونروا تتابع عن كثب ما يجري من تطورات، بعد إقدام بلدية الاحتلال على هدم محال تجارية في المخيم مملوكة لبعض سكانه.

لكن هذه الاعتراضات لا تهتم بها سلطات الاحتلال، خصوصاً بعد أن كان رئيس بلدية الاحتلال في القدس سابقاً، نير بركات، اتهم "أونروا" بما سمّاه "خذلان" من هم في رعايتها والتحريض بدلاً من ذلك على الإرهاب، وقال "إنه أصدر تعليماته للمسؤولين في المدينة لإعداد خطة للاستعاضة عن جميع مهام أونروا بخدمات البلدية". وقال بركات إن "إزالة أونروا ستقلص التحريض والإرهاب، وستحّسن الخدمات للسكان، وستزيد من أسرلة شرق المدينة، وستساهم في السيادة ووحدة القدس". وأضاف، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، أن "أونروا" هي كيان أجنبي وغير ضروري، فشل فشلاً ذريعاً، وأنا أعتزم إبعاده من القدس. كل جانب من أونروا يعاني من خلل وظيفي وفشل". وبحسب مزاعم بركات، فإن المدارس التي تديرها أونروا مليئة بالتحريض ضد إسرائيل؛ "النظافة تحت مسؤوليتهم آخذة بالتدهور، خدمات الرفاه التي يقدمونها لا تعطي أي أمل للسكان والرضا عنهم منخفض للغاية". وأضاف أن "نهج أونروا تجاه السكان كلاجئين يمنع نموهم ولم يعد ذا صلة". وأشار إلى تعريف الوكالة الواسع للاجئين، الذي يشمل نسل الفلسطينيين الذين فروا أو طُردوا خلال "نكبة فلسطين" في عام 1948، والذي يلاقي انتقادات كثيرة من قبل المسؤولين الإسرائيليين.

وتابع بركات يومها قائلاً: "حان الوقت لوضع التعامل معهم كلاجئين جانباً، والنظر إليهم كسكان وإعادة تأهيلهم. سنقوم بإغلاق مدارسهم وإعطاء التلاميذ الأمل والمنهاج الإسرائيلي في مدارس المدينة، سنضع حداً للتحريض، وسنقوم بتبديل خدمات الرفاه الفاشلة الخاصة بهم بخطتنا". وأشار بركات إلى أنه "في كل مكان تكون البلدية ناشطة يكون السكان العرب أكثر رضا وأقل عنفاً".

يُذكر أن مخيم شعفاط للاجئين كان قد تأسس في عام 1965، أي بعد أكثر من عقد واحد على تأسيس كافة المخيمات الرسمية الأخرى في الضفة الغربية. وتعود أصول اللاجئين في مخيم شعفاط والذين تم ترحيلهم من حارة الشرف في البلدة القديمة إلى شعفاط، إلى 55 قرية تابعة لمناطق القدس واللد ويافا والرملة. ومثل باقي مخيمات الضفة الغربية، فقد تأسس المخيم فوق قطعة من الأرض استأجرتها أونروا من الحكومة الأردنية وتبلغ مساحتها 400 دونم.

ويعد مخيم شعفاط، المخيم الوحيد في الضفة الغربية الذي يقع ضمن الحدود البلدية للقدس. ولذلك، فإن اللاجئين فيه يحق لهم الحصول على هويات مدنية تابعة للقدس، الأمر الذي يضمن لهم حقوق الإقامة في القدس ويجعلهم مؤهلين للحصول على بعض الخدمات الاجتماعية الإسرائيلية، بما في ذلك الرعاية الصحية.

ونظراً لأن حرية التنقل لأهالي المخيم غير مقيدة، فإن حاملي هويات القدس لم يتأثروا بالإغلاقات الإسرائيلية للضفة الغربية. والعديد من اللاجئين الذين كانوا قد تركوا المخيم في السابق أصبحوا يعودون إليه في محاولة للاحتفاظ بهوية القدس الخاصة بهم.
وفي حين تُبين سجلات أونروا الرسمية أن عدد اللاجئين المسجلين في المخيم يصل إلى حوالي 11 ألف لاجئ، إلا أنه من المرجح أن يبلغ عدد لاجئيه أكثر من 70 ألفاً. ويقدر أن حوالي 4 آلاف لاجئ قد انتقلوا إلى المخيم في السنوات الأخيرة، لتجنب فقدان حقوق الإقامة في القدس. ويعمل حوالي 70 في المائة من سكان المخيم في القطاع الخاص الإسرائيلي، في حين يصل إجمالي اللاجئين في منطقة القدس إلى نحو 110 آلاف لاجئ، جلهم يقطنون في المخيم. وترتبط كافة المساكن في المخيم بالبنية التحتية لشبكة المياه العامة والكهرباء، وذلك بالرغم من أنها ليست جميعها متصلة بنظام الصرف الصحي العام. ويُعد الاكتظاظ مشكلة رئيسة.

مسؤولون فلسطينيون: جريمة كبرى

وفي تعقيبهم على ما جرى من عمليات هدم في مخيم شعفاط، وصف مسؤولون فلسطينيون وقياديون في حركة فتح عمليات الهدم هذه بأنها جريمة كبرى وعملية تطهير تنفذها سلطات الاحتلال لتمرير مخططها الخاص بالمخيم والذي أعلن عنه نير بركات أخيراً. وقال وزير القدس في السلطة الفلسطينية، عدنان الحسيني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ما جرى اليوم عمل مدان، ولن تقف السلطة مكتوفة الأيدي حياله"، محذراً من نتائجه وتبعاته. وأضاف: "سنوفر للمتضررين كل الإمكانيات لمساعدتهم على البقاء وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار". أما محافظ القدس عدنان غيث، والذي تحاصره قوات الاحتلال بأوامر المنع من دخول الضفة الغربية ومتابعة ومراقبة تحركاته في القدس، فقال في حديث مع "العربي الجديد" إن "الهدم في مخيم شعفاط هو الأوسع منذ مطلع هذا العام، وهو يتم بدوافع سياسية ولا صلة له بتنظيم أو قوانين بناء". وأوضح غيث أنه يتعين "على أونروا أن تتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً مما جرى، وما تخطط له سلطات الاحتلال، ونحن لا نعترف إلا بصلاحياتها على المخيم، ونرفض أي تدخل احتلالي في شؤونه".

من جهته، قال القيادي في حركة فتح، حاتم عبد القادر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ما جرى اليوم خطير جداً، وهو يتوج سلسلة إجراءات وخطوات اتخذتها سلطات الاحتلال أخيراً ومن بينها تعزيز عمل ما يسمى بالشرطة الجماهيرية، وتشكيل مراكز جماهيرية تابعة لها تنفذ سياساتها في المخيم، الذي كان على الدوام شوكة تقضّ مضاجع الاحتلال وإحدى بؤر الانتفاضة والمواجهة معه، وقدم في هذا السياق الشهداء والجرحى والأسرى".
وأضاف عبد القادر: "سنعمل كحركة فتح ومن خلال اللجان الوطنية في المخيم على دعم المتضررين ودعم صمودهم، ونطالب السلطة الفلسطينية بأن تعمل في هذا الاتجاه أيضاً. كما نطالب أونروا باتخاذ موقف حازم من بلدية الاحتلال التي اعتدت بشكل فظّ على صلاحياتها".