السيسي منظّراً بـ"أصول الإسلام" وأسباب "التطرّف" بذكرى المولد النبوي

السيسي منظّراً بـ"أصول الإسلام" وأسباب "التطرّف" بذكرى المولد النبوي

19 نوفمبر 2018
كلمة السيسي جاءت بمناسبة ذكرى المولد النبوي (سين غالوب/Getty)
+ الخط -
هاجم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كعادته، ما سماه "القراءة الخاطئة لأصول الدين خلال كلمته في احتفال ذكرى المولد النبوي، اليوم الإثنين، بذريعة أنها الإشكالية الحقيقية التي تواجه العالم الإسلامي، محملاً المسلمين مسؤولية نشر التطرف وتشويه سمعتهم أمام العالم، في محاولة متكررة منه لاسترضاء الغرب.

وقال السيسي إن "اتباع سنة النبي (ص) مجرد أقوال لبعض الناس، والمشكلة تتمثل في القراءة الخاطئة لأصول الإسلام، والذهاب في اتجاه بعيد جداً عن جوهرها"، متابعاً: "أتحدث كإنسان مسلم، وليس كحاكم... يا ترى الذين كانوا يقولون لا نأخذ بسنة النبي (ص)، ونأخذ بالقرآن فقط، إساءتهم أكبر؟ أم الإساءة التي تورط فيها المسلمون بفهمهم الخاطئ ونشر التطرف في العالم كله؟!".

وأضاف السيسي: "ماذا عن سمعة المسلمين الآن في العالم؟ لا أقصد الإساءة لكم، لأنه لا أحد يسيء إلى نفسه... ولكن هناك إساءة كبيرة جداً يجب أن تتصدوا لها، وهي سمعة المسلمين عالمياً، بغض النظر عن الأسباب، ومن يقول إن هناك مؤامرة... المؤامرة موجودة على مر العصور، والاختلاف والتدافع بين الناس حاصل منذ أن خلق الله الإنسان... ويجب أن نتصدى لهذا الأمر".

واستطرد بالقول: "يجب أن يخرج من مصر مسار عملي للإسلام السمح، من خلال ممارسات حقيقية، وليس مجرد نصوص نكررها في خطب الجمعة وشاشات التلفاز والمؤتمرات. يجب أن يكون هناك سلوكيات حقيقية للمسلمين، لأن سلوكياتنا بعيدة عن صحيح الدين في الصدق، والأمانة، واحترام الآخرين، والرحمة بالناس... حد يقولي كام في المئة من المصريين لم يكذب قط في حياته؟!".

وزاد السيسي: "والله بشوف العجب من الناس أثناء إدارة الدولة، وأوعوا تتصورا أنني أتحدث إلى مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف فقط. هذا الكلام لكل المصريين للمرة الثالثة والرابعة. ديننا الحنيف علمنا أنه لا إكراه في الدين، ليرسخ بذلك قيم التسامح، وقبول الآخر. ومن دواعي الأسف أن يكون من بيننا من لم يستوعب صحيح الدين، وتعاليم نبينا محمد (ص)".

وواصل في كلمته: "هناك من أخطأ الفهم، وأساء التفسير، وهجر الوسطية والاعتدال، منحرفاً عن تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، ليتبع آراء جامحة، ورؤى متطرفة. متجاوزاً بذلك ما جاء في القرآن الكريم، وسنة النبي (ص) من حرمة النفس، وقدسية حمايتها، وصونها من الأذى والاعتداء. ورسالة الإسلام حرصت على إرساء قواعد التعايش السلمي بين البشر، وحق الناس جميعاً في الحياة الكريمة، دون النظر للدين أو اللون أو الجنس".

وتابع: "لقد خلقنا الله شعوباً وقبائل متنوعين ثقافياً ودينياً وعرقياً لكي نتعارف، فما أحوجنا اليوم إلى ترجمة معاني تلك الرسالة السامية إلى سلوك عملي، وواقع ملموس في حياتنا ودنيانا. وبالرغم من جهود العلماء والأئمة، ودورهم المحوري في المعركة الفكرية والحضارية في مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، إلا أننا نتطلع إلى المزيد من تلك الجهود لإعادة قراءة تراثنا الفكري قراءة واقعية مستنيرة. ونقتبس من ذلك التراث الثري ما ينفعنا في زماننا، ويتلاءم مع متطلبات عصرنا، وطبيعة مستجداته".


واستدرك قائلاً: "دعونا ننقذ العقول من حيرتها، وننبه النفوس من غفلتها، وننشر المفاهيم الحقيقية السمحة للإسلام. احرصوا على غرس القيم الإنسانية السامية في القلوب والأذهان، ونبذ العنف والكراهية والبغضاء... وأن يقف كل فرد من أفراد المجتمع أمام مسؤوليته، سواء من حيث أمانة الكلمة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وبيان حقيقة الدين الإسلامي السمح بالحجة والبرهان، وتفنيد مزاعم من يريدون استغلاله بالباطل".

وختم السيسي بقوله: "لا شك أن بناء الإنسان، وتنوير العقول، وتكوين الشخصية على أسس سليمة محور أساسي في أية جهود للتقدم، وتنمية المجتمعات، وهو ما وضعته الدولة هدفاً استراتيجياً في الفترة الحالية. وأدعو علماءنا وأئمتنا ومثقفينا إلى بذل المزيد من الجهد في دورهم التنويري، واستدعاء القيم الفاضلة التي حث عليها الإسلام، ونبينا محمد (ص)، وتنادي بالعمل والبناء والإتقان، لنواجه بها أولئك الذين يدعون إلى التطرف والإرهاب".

بدوره، وجّه وزير الأوقاف محمد مختار جمعة الشكر للسيسي على دعوته لتجديد الخطاب الديني، قائلاً: "نشكر دعوتكم الشجاعة لتجديد هذا الخطاب، الذي أصبح أولى الأولويات في حق العلماء والمثقفين. وتجديد الخطاب الديني عملية ديناميكية لا تتوقف، ولا ينبغي أن تتوقف، أو تحد بحد، مع الحفاظ على الثوابت"، لافتاً إلى عمل حكومة بلاده على نشر وتعزيز الوسطية، ودعم القيم الروحية والأخلاق والتعايش في الداخل والخارج، من خلال القوافل الدعوية، وعمل الواعظات والراهبات.

وادعى جمعة، الذي واجه في السابق اتهامات متكررة في قضايا تتعلق بالفساد المالي، أن إجمالي ما أنفق أو خصص في مجال البر عام 2018 تجاوزت قيمته 350 مليون جنيه، بزيادة تقدر بنحو 100% عن العام السابق، مشيراً إلى أن هذه الأموال وزعت بواقع 100 مليون جنيه لدعم السكن الكريم بالتعاون مع وزارتي الإسكان والتضامن الاجتماعي، و100 مليون أخرى لصالح الصندوق الوقفي، و25 مليون جنيه لتوفير شهادات "أمان" للمرأة المعيلة، و16 مليون لإعادة تأهيل 270 منزلاً بقرية الروضة بمحافظة شمال سيناء، من دون الإشارة إلى مصارف 109 ملايين أخرى.

من جهته، قال شيخ الأزهر، أحمد الطيب، إن ذكرى مولد النبي (ص) تثير في وعي كل مسلم ذكريات العظمة والعظماء الذين غيروا التاريخ، وأنقذوا الإنسانية، وصححوا مسارها، وكانوا حلقة الوصل في تبديل ظلمات الأرض بأضواء السماء"، منتقداً الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية، وثبوتها، وحجيتها، والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين، ومن جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد السنة الشريفة جملة وتفصيلاً من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم وحده في كل ما يأتيه المسلم.

وأضاف الطيب أن "هذه الدعاوى ظهرت في الهند منذ نهاية القرن التاسع عشر، وشاركت فيها شخصيات شهيرة. ومنهم من انتهى به الأمر لادعاء النبوة، ومنهم ما كان ولاؤه للاستعمار. وزعموا أن السنة ليس لها أي قيمة تشريعية في الإسلام، وأن التشريع فقط للقرآن. ضاربين عرض الحائط بما أجمع عليه المسلمون من ضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن جنباً إلى جنب، وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين".

واعتبر الطيب أن "سلخ القرآن عن السنة يفتح على المسلمين أبواب العبث بآياته، وأحكامه، وتشريعاته، لأن السنة النبوية هي المصدر الثاني في التشريع بعد القرآن في الإسلام"، مشيراً إلى أن هذه الفتنة ما لبثت أن انتقلت إلى مصر، وتعصب لها طبيب بسجن طرة نشر مقالتين في مجلة المنار عامي 1906 و1907 بعنوان: "الإسلام هو القرآن وحده"، ولقيت الفكرة دعماً من بعض الكتاب المتربصين بالسنة النبوية، والمنكرين ثبوتها.

وقال شيخ الأزهر: "هؤلاء على اختلاف مشاربهم، وأذواقهم، يجمع بينهم الشك والريبة في رواة الأحاديث، والإغضاء عن جهود علمية جبارة مضنية، أفنى فيها علماء الأمة وجهابذتها أعماراً كاملة. أراقوا فيها ماء أعينهم، من أجل هدف أوحد، هو تمييز الصحيح من غير الصحيح من مرويات السنة. وذلك من خلال بحث دقيق متفرد في تاريخ الرواة، وسيرهم العلمية، والخلقية، حتى نشأ بين أيديهم من دقة التعقب، والتقصي، والتتبع، علم مستقل من العلوم، يعرف عند العلماء بعلم الإسناد".