اللجنة الدستورية بين أردوغان وبوتين: أوراق تركية لحل الخلافات

اللجنة الدستورية بين أردوغان وبوتين: أوراق تركية لحل الخلافات

19 نوفمبر 2018
يُنتظر أن يحل أردوغان وبوتين الخلافات حول اللجنة(ميخائيل ميتزل/Getty)
+ الخط -

تترقّب الساحة السورية لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في إسطنبول اليوم الإثنين، إذ سيكون الملف السوري بنداً رئيسياً على أجندته، من خلال بحث تطورات اتفاق سوتشي حول إدلب، وتطويره، ومناقشة الخطوات المقبلة، خصوصاً ما يتعلق بالحل السياسي، وتشكيل اللجنة الدستورية، وفق مخرجات مؤتمر الحوار السوري الذي عُقد في سوتشي الروسية مطلع العام الحالي.

وبعد الهدوء النسبي الذي فرضه اتفاق سوتشي حول إدلب والشمال السوري، والذي توصل إليه الرئيسان في سبتمبر/ أيلول الماضي، اتجهت الأنظار إلى الخطوة المقبلة سورياً، والتي يبدو أنها ستكون اللجنة الدستورية، مع تباينات كبيرة في وجهات النظر حولها، أدت إلى فشل اجتماع الوفدين التقنيين التركي والروسي في التوصل إلى اتفاق حول هذا الملف خلال اجتماعهما الأخير في أنقرة يوم الخميس الماضي، ما أدى إلى إحالة هذا البند إلى اجتماع أردوغان وبوتين اليوم، والذي يأتي بسبب افتتاح الجزء البحري من مشروع نقل الغاز الروسي إلى أوروبا المعروف بخط السيل التركي. ويتركز الخلاف التركي الروسي حول اللجنة الدستورية، بحسب مصادر مطلعة، حول القائمة الثالثة التي تعكف الدول الضامنة على تشكيلها بعد قائمتين من النظام والمعارضة. وبحسب مؤتمر الحوار السوري الذي عُقد في سوتشي نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، من المفترض أن تتشكّل اللجنة الدستورية من ثلاث قوائم، واحدة يقدّمها النظام، وأخرى المعارضة، وثالثة يقدّمها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بالتشاور مع الدول الضامنة. وتعترض كل من إيران وروسيا على قائمة دي ميستورا، في مسعى للحصول على نسبة أكبر في القائمة الثالثة، عبر الزجّ بأكبر عدد من الأسماء الموالية لها.

وتُعدّ اللجنة الدستورية أحد جهود موسكو السياسية، التي تسعى بالتوازي إلى إعادة اللاجئين السوريين وبدء إعادة الإعمار على نفقة الدول الغربية، التي تشترط بدء عملية انتقال سياسي حقيقية قبل الخوض في تلك المسائل. ويبدو أن أنقرة تعوّل على الاستفادة من مشروع نقل الغاز، وإنجاز الجزء المتعلق بخط السيل التركي وصولاً إلى أوروبا، الذي تهتم به روسيا كثيراً، من أجل الحصول على مكاسب من موسكو في الملف السوري، خصوصاً في عملية تشكيل اللجنة الدستورية والشروع في المرحلة الانتقالية. وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إن روسيا وتركيا تحافظان على مواقعهما حالياً في سورية، من أجل المرحلة المقبلة، التي لم يتحدد فيها موقف واضح في ما يخص اللجنة الدستورية والأولويات، فروسيا ما زالت تسعى من أجل مصالحات على نسق ما تم في مناطق أخرى، في مقابل تطلّع تركي إلى مرحلة انتقالية تشمل كتابة دستور جديد، وتنظيم انتخابات بإشراف الأمم المتحدة، يشارك فيها كل السوريين داخل سورية وخارجها.

وشددت المصادر على أن الطرفين التركي والروسي يحاولان استيعاب بعضهما البعض، وهو ما يعني أن لا شراكة استراتيجية متكاملة، ولا توجد تفاهمات بعيدة المدى، ما يعني أن الاتفاقات في إدلب ليست بالضرورة طويلة المدى، وربما تحصل المواجهة مستقبلاً، إذا لم تبدأ المرحلة الانتقالية. ولهذا السبب فإن لقاء إسطنبول اليوم يكتسب أهمية لمعرفة الخطوات التالية، خصوصاً أن العاصمة الكازاخية أستانة تستضيف في 28 و29 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي اجتماعاً رفيع المستوى، لتطبيق التفاهمات الجديدة التي ستخرج بها قمة الزعيمين. ويبدو أنه يقع على عاتق أردوغان وبوتين دور كبير لإقناع المجتمع الدولي بحقيقة جهودهما حول سورية، بعد القمة الرباعية التي جرت في إسطنبول الشهر الماضي، وضمت إضافة إلى تركيا وروسيا كلّاً من فرنسا وألمانيا ممثلين عن الاتحاد الأوروبي، في حين حددت الولايات المتحدة سياستها قبل أيام بأنها تنتظر حتى نهاية العام من أجل رؤية تشكل اللجنة الدستورية، قبل اتخاذ خطوات مقبلة في سورية. وكانت القمة الرباعية قد أكّدت ضرورة تشكيل اللجنة الدستورية قبل نهاية العام الحالي، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى التمديد للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا حتى نهاية العام الحالي، لاستكمال تشكيل اللجنة الدستورية.


ولم يضع المبعوث الأممي معالم محددة لتغيير أو تعديل الدستور، مكتفياً بالقول إن الانتقال السياسي في سورية سيكون من بوابة الدستور والانتخابات. لكن يبدو، من وثيقته المعدلة ذات الـ12 بنداً، أن الأمم المتحدة تميل إلى تعديل الدستور الحالي المكتوب عام 2012، وترقى التعديلات إلى تغييرات جوهرية تحقق الانتقال المطلوب الذي تطالبه به المعارضة، وإن كانت الأخيرة تقول إن تعديل الدستور الحالي لا يلبّي مطالبها، ولذلك رفض رئيس الهيئة العليا للمفاوضات نصر الحريري مخرجات مؤتمر سوتشي المتعلقة بتشكيل لجنة دستورية، مؤكداً الحاجة إلى دستور جديد.

وتعترض المعارضة على تغييب فكرة المرحلة الانتقالية التي تتضمّن تشكيل هيئة حكم مطلقة الصلاحيات، الأمر الذي دفعها إلى الاعتراض على وثيقة دي ميستورا لأنها لم تلحظ بيان جنيف واحد وبنوده الرئيسية المتعلقة بالانتقال السياسي. وتعتقد المعارضة أن تعديل الدستور القائم يعني شرعنة النظام الحالي، ولا قيمة للتفاوض بشأن الدستور ما لم يكن الهدف تحقيق انتقال سياسي حقيقي.

من جهته، يرفض النظام من حيث المبدأ الحديث عن دستور جديد، بل يرفض أي إعلان دستوري أو لجنة دستورية تتشكل مناصفة بينه وبين المعارضة، ويصر على إجراء تعديلات بسيطة في الدستور الحالي، معتبراً أن وضع الدستور "أمر سيادي" يخصه وحده، وفق تعبير وزير خارجية النظام وليد المعلم في تصريحاته الأخيرة، وإن كان وافق سابقاً على الدخول في عملية سوتشي والتعاطي مع نتائجها تحت ضغط من حليفه الروسي.

وتعليقاً على ذلك، رأى الحقوقي والسياسي السوري أنور البني أن الأهم الآن ليس مسألة الدستور، ولكن روسيا تمكّنت من فرض هذه الأجندة على طاولة المجتمع الدولي. ولفت البني في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن النقطة الأساسية في الدستور الجديد أو المعدل هي المرتبطة أولاً بـ"صلاحيات الرئيس واستقلال السلطة القضائية والتشريعية، ودور المحكمة الدستورية، وتوافق كل القوانين مع الدستور". وأوضح أن المشكلة الكبرى هي في النص الدستوري "الذي يعطي حماية مطلقة للرئيس من المحاسبة عن الجرائم التي يرتكبها والحماية كذلك بالقوانين لعناصر الأمن والشرطة والجيش من المحاسبة".

وحول إذا ما كان يمكن للدستور أن يكون أداة الإصلاح السياسي، أم يجب حصول إصلاح أولاً ثم يأتي الدستور، قال البني "لا أدري على ماذا يفاوض الوفد المفاوض أو ما هو رأي اللجنة الدستورية. لكن لا يمكن أن يكون هناك إصلاح الآن ما دام هناك مجرمون وجرائم. لا يمكن للمجرمين أن يكونوا جزءاً من أي عملية سياسية". وأكد أن الدستور يأتي "بعد عملية انتقالية وخلال المرحلة الانتقالية، بينما البدء بالدستور الآن يعني إلغاء المرحلة الانتقالية، وإبقاء المسؤولين المجرمين ليقرروا العملية كلها، وهذا مرفوض جملة وتفصيلاً".

ورأى البني أن البدء بالدستور "يعيد الشرعية لسلطة فقدتها بارتكاب الجرائم ضد شعبها، لذلك رفضتُ وأرفض أي مشاركة في عمل اللجنة الدستورية التي يُعمل عليها في جنيف لأنها عملية احتيال وإلغاء للقرار الدولي الذي أكد على فترة وسلطة انتقالية ذات مصداقية وبعدها يأتي العمل على الدستور". وعما يقال بأن فكرة المرحلة الانتقالية قد تجاوزتها التطورات مع تمكّن قوات النظام المدعومة من روسيا وإيران من إعادة سيطرتها على مساحة واسعة من الأراضي، قال البني إن إلغاء المرحلة الانتقالية "سيكون ضربة كبيرة للثورة السورية، وللأسف البعض يساعدهم في ذلك قصداً أو من دون قصد".

المساهمون