المعارضة السورية تلاحق مجموعات ترهب مدنيي عفرين

المعارضة السورية تلاحق مجموعات ترهب مدنيي عفرين

19 نوفمبر 2018
تريد المعارضة بسط الأمن في مناطق سيطرتها (أمين سنسر/الأناضول)
+ الخط -
استجابت فصائل المعارضة السورية المسلحة أخيراً لنداء أهالي وسكان منطقة عفرين شمال غربي حلب، وبدأت حملة عسكرية واسعة النطاق للقضاء على مجموعات امتهنت على مدى أشهر إرهاب المدنيين، وسرقة ممتلكاتهم، وطردهم من منازلهم ومحالهم التجارية، ووصلت في تعدياتها إلى حد لم يعد يستطيع السكان احتماله. هذه العملية الأمنية لن تتوقف قبل "اقتلاع الفساد" في المنطقة، كما أكد قادة في الجيش السوري الحر، في وقت رحبت فيه جهات سياسية ومدنية بالعملية، آملة أن تستهدف رؤوس الفساد سواء من بعض الفصائل أو من بعض العصابات التي تنسب نفسها لهذه الفصائل.

واندلعت اشتباكات أمس الأحد في حي الفيلات في مدينة عفرين، بين "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية، وبين مسلحي مجموعات محسوبة على فصيل "شهداء الشرقية"، ومتهمة بارتكاب تجاوزات كبيرة بحق سكان المنطقة. ووفق مصادر محلية تحدثت إليها "العربي الجديد"، من المتوقع أن تستمر الحملة لعدة أيام وتطاول كل الخارجين عن القانون الذين عاثوا فساداً في المنطقة على مدى أشهر "ولن تقف عند حد سحق هذه المجموعة أو تلك"، مشيرة إلى أن الحملة تستهدف مجموعات متهمة بالفساد كمجموعة "أبو خولة"، ومجموعة "أبو البراء"، إضافة إلى مجموعة في فصيل "السلطان مراد" اختطفت في الآونة الأخيرة ناشطاً إعلامياً وعذبته في مشهد أعاد للأذهان ما قام ويقوم به النظام السوري بحق ناشطي الثورة.

وكانت قوات خاصة تابعة للجيشين السوري الحر والتركي، قد فرضت السبت حظراً مفاجئاً للتجول في كامل منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان شمال غربي حلب، بهدف القيام بحملة أمنية واسعة تستهدف المجموعات المتورطة بعمليات سرقة ونهب وإساءة للمدنيين، إضافة إلى خلايا تتبع النظام السوري و"وحدات حماية الشعب" الكردية. وأفادت مصادر إعلامية بأن الحظر سيُطبَّق على المدنيين والعسكريين، ولا يوجد وقت محدد لإنهاء الحظر وسيتم إعلام المدنيين بأي مستجدات، وفي حال سُجِّل أيّ تحرُّك من دون موافقة من القوات المشاركة في العملية، فسيتم توقيف الشخص مهما كانت صفته.

وأكد رئيس أركان "الجيش الوطني" العقيد هيثم عفيسي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الهدف الرئيسي للحملة الأمنية "اقتلاع الفساد"، مشيراً إلى أن زمان ومكان الحملة "مفتوحان"، في إشارة واضحة إلى أنه من الممكن أن تمتد إلى ما بات يعرف إعلامياً بمنطقة "درع الفرات" شمال وشمال شرقي حلب التي تضم العديد من المدن والبلدات منها جرابلس والباب والتي يعاني سكانها من انتهاكات مشابهة.

من جهته، قال النقيب أبو الحزم، وهو قيادي في "الجيش الوطني"، لـ"العربي الجديد"، إن الحملة لن تقتصر على مدينة عفرين وريفها، و"أينما وُجد المفسدون سوف نتحرك"، مضيفاً: "التوجه حالياً إلى عفرين لأن بعض المجموعات عاثت فسادا كثيراً". وأقر بأن الحملة تأخرت بعض الشيء "ولكن أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً"، وفق قوله.

وكثُرت في الآونة الأخيرة تجاوزات بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة المسلحة بحق سكان عفرين والنازحين والمهجرين إلى هذه المنطقة، وصلت إلى حدود لم يعد يطيق السكان احتمالها، وسبّبت حالة من الاستياء الشديد، في ظل فلتان أمني دفع "الجيش الوطني" التابع للمعارضة والمتمركز في المنطقة إلى التحرك بمساعدة مباشرة من الجيش التركي. ووصلت التعديات إلى الخطف والاعتقال بقصد طلب الفدية، والتعدي على الممتلكات العامة، إضافة إلى إفراغ المنازل من أهلها وتأجيرها لحساب متزعّمي هذه الفصائل. وتتميّز منطقة عفرين عن سواها من المناطق السورية، ببساتين الزيتون، التي طاولتها الانتهاكات أيضاً من قبل بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة، والتي تقوم، وفق المصادر، بالسيطرة على بساتين كاملة، بعدما كان أصحابها قد اضطروا لمغادرة المنطقة نتيجة الحرب التي أجبرت آلاف المدنيين على ترك منازلهم وأراضيهم. كما أن خلايا نائمة تابعة للوحدات الكردية والنظام السوري، بدأت تقوم بعمليات تؤدي إلى مقتل مدنيين بهدف إشاعة الفوضى بالمنطقة، وإظهار عجز المعارضة المسلحة عن ضبط الأمن في المنطقة، التي كان يأمل الشارع السوري المعارض أن تكون مثالاً جيداً للمناطق التي تديرها المعارضة. وطالب أهالي وسكان مدينة عفرين وريفها مراراً بتحرك "الجيش الوطني" لوضع حد لحالة الفوضى والفلتان الأمني الذي استغلته الوحدات الكردية للطعن بالمعارضة.


وأشار القيادي في الجيش السوري الحر، العقيد فاتح حسون، إلى أن تركيا تتابع من خلال العملية الأمنية "ما بدأته في عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين وما حولها"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "تركيا تستكمل مع الجيش الوطني الخطة الرامية إلى بسط الأمن وتحقيق الاستقرار في المنطقة المحررة من المليشيات الانفصالية وذلك من خلال القضاء على مجموعات غير منضبطة تسيء للثورة السورية". ولفت إلى أن "الحملة تهدف إلى خلق حالة من الأمن في هذه المناطق وايجاد بيئة آمنة للمدنيين، ولا أعتقد أن هذه الخطوة ستكون الأخيرة بل ستتبعها حزمة من الإجراءات التي من شأنها أن تجعل المناطق التي حررها الجيش الحر بالتعاون مع الأخوة الأتراك نموذجاً للمناطق الثورية المحررة".

من جهته، رحب نائب رئيس رابطة الكرد السوريين المستقلين، رديف مصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، بالعملية الأمنية التي بدأها "الجيش الوطني" في عفرين، مضيفاً أنه "بعد عملية غصن الزيتون وطرد مليشيا العمال الكردستاني من عفرين، كان متوقعاً أن تعود إلى أهلها الأحرار بجميع أطيافهم، وكان المأمول أن تكون نموذجاً يحتذى به في إدارة المناطق المحررة، لكن المؤسف أن عفرين عاشت حالة من الفوضى والفلتان الأمني". ولفت إلى أن "الانتهاكات انتشرت بشكل واسع، من ممارسة الاعتقال التعسفي، إلى الخطف مقابل دفع الفدية، ونهب موسم الحنطة، والآن نهب موسم الزيتون الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد في عفرين، وبالتالي فإن مثل هذه العملية العسكرية مرحب بها شرط أن تستهدف رؤوس الفساد سواء من بعض الفصائل أو من بعض العصابات التي تنسب نفسها لهذه الفصائل، وحماية حياة الناس وأملاكهم، ومعالجة الملف بإخراج الفصائل من المناطق الأهلة، وتسليمها للشرطة والقضاء والعمل وفقاً للقانون".

وأشار مصطفى إلى أن "الفساد آفة خطيرة تقضي على الثورة وحاضنتها وتساهم في غياب العدالة ودعم الاستبداد، والقضاء على الفساد ضرورة ثورية ووطنية ومجتمعية"، آملاً أن تنجح العملية الأمنية في مدينة عفرين وريفها "وأن تعمم في كل مناطق درع الفرات". يُذكر أن منطقة "درع الفرات" شمال مدينة حلب تعاني من انتهاكات مجموعات تدعي أنها تابعة لفصائل المعارضة، خصوصاً في مدينة الباب، ولكنها تبقى أقل من انتهاكات مدينة عفرين وريفها.

وتُعتبر منطقة عفرين مركز ثقل سكاني للأكراد السوريين، وكانت قد سيطرت عليها الوحدات الكردية عام 2012 بتواطؤ مع النظام السوري، ولكن فصائل الجيش السوري الحر والجيش التركي سيطرت في منتصف مارس/آذار الماضي على كامل مدينة عفرين وريفها، بعد انسحاب عناصر الوحدات الكردية من المدينة إلى مناطق سيطرة قوات النظام شمال حلب وإلى منطقة شرقي الفرات، وذلك بعد شهرين من المعارك في إطار عملية "غصن الزيتون" التي أعلنها الجيش التركي في يناير/كانون الثاني الماضي. واحتضنت عفرين وريفها بعد ذلك عدداً كبيراً من المهجرين من مناطق سورية مختلفة، منها غوطة دمشق وجنوب دمشق ومن ريف حمص الشمالي، والذين لم يسلموا هم أيضاً من تجاوزات هذه المجموعات التي حوّلت منطقة عفرين إلى ميدان يعج بالفوضى والفلتان الأمني.

المساهمون