تركيا تكذب بالوثائق الرواية السعودية لقتل خاشقجي...وغضب أميركي برلماني-إعلامي

تركيا تكذب بالوثائق الرواية السعودية لقتل خاشقجي...وغضب أميركي برلماني وإعلامي

16 نوفمبر 2018
خلال صلاة الغائب في إسطنبول أمس (كريس مكغراث/Getty)
+ الخط -


كذّبت تركيا سريعاً الرواية السعودية الرابعة لجريمة قتل الإعلامي جمال خاشقجي، لكن بشكل غير مباشر، وكالعادة، عبر تسريب مضمون أحد التسجيلات الصوتية التي تملكها الأجهزة الأمنية لوسيلة إعلام، تقرر أن تكون هذه المرة صحيفة "حرييت" الأوسع انتشاراً في تركيا، بما يدحض أصل الرواية السعودية الأخيرة الصادرة يوم الخميس، ويفيد بأن القتل حصل عن طريق الخطأ بحقنة مخدرة، وأن المهمة الأصلية للقتلة الـ15 كانت تنص على إعادة خاشقجي إلى المملكة. في هذا الوقت، ظهر غضب أميركي، إعلامي وبرلماني، إزاء الرواية السعودية المتناقضة أولاً، أو "الوقحة" بتعابير هيئة تحرير "واشنطن بوست"، وحيال السلوك الرسمي لإدارة دونالد ترامب الساعي إلى استعجال طيّ الملف وتبرئة أي مسؤول سعودي حقيقي من الجريمة، وهو ما ترجم بلائحة العقوبات المخففة الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، ليل الخميس، بحق 17 سعودياً معظمهم من رجال الأمن الذين نفّذوا الجريمة، مثل منسق الإعدام ماهر المطرب وبقية أفراد فريق الموت، بالإضافة إلى سعود القحطاني، المستشار المقال لولي العهد محمد بن سلمان، ونائب مدير الاستخبارات السعودية المقال، أحمد العسيري، واللذين برّأتهما الرواية السعودية من مسؤولية القتل.

وكتب الصحافي المعروف بقربه من السلطات التركية، عبد القادر سلفي، في "حرييت" أمس، أن هناك تسجيلاً صوتياً لجريمة قتل خاشقجي، يجزم بأن منفّذي الجريمة نسّقوا خطة القتل قبل وصول خاشقجي إلى القنصلية في إسطنبول، يوم الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واتفقوا على تفاصيل القتل مسبقاً وتأكدوا من توزّع الأدوار فيما بينهم. وأفاد الكاتب في مقاله بأن هناك تسجيلاً يؤكد تموضع القتلة في القنصلية بشكل مسبق، وقبل دخول خاشقجي مقر القنصلية بوقت قليل، تحدّثوا فيما بينهم عن كيفية تنفيذ عملية القتل، وراجعوا خطة الإعدام وتأكدوا من المهام المطلوبة من كل فرد. ولفت سلفي إلى أن التسجيل المذكور يكذّب بالكامل "المعلومات" التي قدمتها النيابة العامة السعودية، يوم الخميس، والتي تفيد بـ"محاولة إقناع خاشقجي بالعودة" إلى المملكة، ثم تم حقنه بكمية كبيرة أدت إلى مقتله بعدما عجزوا عن إقناعه بالعودة. وأوضح سلفي أن التسجيل الصوتي الذي تمتلكه تركيا لا يظهر هذه الادعاءات أبداً، بل يكشف حدوث صراخ متبادل قبل خنق الإعلامي الراحل "بحبل أو بكيس بلاستيكي"، وفق تخمينات الجانب التركي.

ولا تزال السلطات التركية مصرّة على عدم بثّ التسجيلات الصوتية التي تمتلكها، والتي من شأن بثها أن يوسع المأزق الذي تعيشه الرياض ويكذّب بالكامل رواياتها المتلاحقة المتناقضة والمثيرة للسخرية في الكثير من بنودها، كالقول مثلاً إن السلطات السعودية لا تعرف هوية "المتعهد المحلي" التركي الذي تم تسليمه جثة خاشقجي بعد تقطيعها. واعتقد كثيرون أن تركيا ربما تقرر الإفراج عن تلك الاتصالات الصوتية وبقية الوثائق التي تمتلكها، بعدما صعّدت الرياض، أول من أمس، ضد أنقرة، وضد شرطها بتدويل التحقيق في الجريمة، وبعد اتهام السعودية لتركيا بتسييس القضية، وبشن حملة منظمة على المملكة. في هذا السياق، جدد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، نعمان قورتولموش، الإعراب عن ثقته بأنه لا يمكن ارتكاب جريمة قتل شخص ما في إحدى البعثات الدبلوماسية في أي مكان في العالم، وإخفاء أثره "من دون تلقي الأوامر من مسؤولين بارزين من دولهم". وقال قورتولموش، في كلمة له أمس خلال لقاء مع ممثلي منظمات المجتمع المدني وممثلي وسائل الإعلام في ولاية موغلا جنوبي تركيا، إن تركيا "لم ولن تتناول قضية جريمة خاشقجي كموضوع سياسي أبداً".


في غضون ذلك، ما إن صدرت الرواية السعودية الجديدة للجريمة، يوم الخميس، ولاقتها واشنطن في منتصف الطريق بعقوبات على فريق الاغتيال الـ15 بالإضافة إلى سعود القحطاني وأحمد العسيري، حتى تقدّم الحزبان الجمهوري والديمقراطي بمشروع قانون أمام الكونغرس لفرض عقوبات على الرياض. وقال أعضاء في مجلس الشيوخ إنه إذا تم التصديق على القانون فستتخذ بموجبه إجراءات تشمل وقف مبيعات الأسلحة للسعودية، وحظر قيام الولايات المتحدة بإعادة تزويد طائرات التحالف بقيادة السعودية بالوقود. كذلك صدرت الكثير من المواقف الأميركية الرافضة للرواية السعودية، ولتواطؤ الإدارة الأميركية مع الرياض للحؤول دون محاسبة أي مسؤول سعودي. وقال السيناتور الجمهوري راند باول إن ولي العهد (محمد بن سلمان) "على أقل تقدير علم بقتل خاشقجي، وعلى الأرجح أشرف عليه"، بينما جزم السيناتور الديمقراطي بن كاردين بأن لا أحد يصدق أن موظفين ينفّذون شيئاً من هذا النوع في مبنى قنصلية من دون أمر رأس هرم القيادة، أي بن سلمان، في الحالة السعودية الراهنة. وفي السياق، شدد السيناتور الجمهوري البارز ماركو روبيو على ضرورة محاسبة كل من له علاقة بالجريمة "بمن فيهم المسؤول السياسي"، وهو ما كررته السيناتورة جين شاهين وغيرها.


وكان موقف الإعلام الأميركي، أو غالبيته الساحقة، عنيفاً في رفض الاستخفاف بالعقول الذي تمارسه الرياض للنجاة بجريمة خاشقجي، وهو ما عبرت عنه خصوصاً افتتاحيتا صحيفتي "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" التي كان الراحل خاشقجي كاتب عمود أسبوعي فيها.
وانتقدت "نيويورك تايمز" الرواية السعودية الأخيرة، وقالت في افتتاحيتها إن "الحقيقة قد لا تظهر أبدا إذا أعدمت السعودية الشهود الرئيسيين". كما رأت هيئة تحرير الصحيفة، أن هذه الجريمة ومحاولات التستر عليها "كشفت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان". وأشارت الصحيفة إلى أنه "من الصعب حقا تصديق أن عناصر من الأمن بينهم خبير بالطب الشرعي ركبوا طائرة إلى إسطنبول لإقناع السيد خاشقجي بأسلوب ليّن بالعودة إلى السعودية". واعتبرت أن طلب الإعدام للمتهمين الخمسة بتنفيذ الإعدام، هدفه الحقيقي هو "التخلص من الشهود الرئيسيين". واعتبرت أن "العلاقة بين المملكة العائمة في النفط (السعودية) وبين الولايات المتحدة لا بد أن تتغير"، وأن "الاغتيال والمحاولات البائسة للتستر عليه قد جرّدت الإمبراطور (ولي العهد) من أي ثوب". كذلك نددت افتتاحية "واشنطن بوست" بالرواية السعودية التي وصفتها بأنها "صادمة بوقاحتها، ومليئة بالتناقضات". ومثلما فعلت "نيويورك تايمز"، وقّعت "واشنطن بوست" مقالها الافتتاحي باسم "هيئة التحرير" التي رأت أن إدارة الرئيس دونالد ترامب "تؤازر السعودية في التستر على جريمة قتل جمال خاشقجي"، وساندت تركيا في الدعوة إلى إجراء تحقيق دولي مستقل في الجريمة بقيادة الأمم المتحدة.