العراق: عبد المهدي يراقب صراع الصدر ـ العامري

العراق: عبد المهدي يراقب صراع الصدر ـ العامري

15 نوفمبر 2018
تتمسك كتلة "عطاء" بالفياض لوزارة الداخلية (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -


تتعقد الحوارات السياسية بين الأحزاب العراقية بشأن ما تبقى من وزارات شاغرة في حكومة عادل عبد المهدي. ومع مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على منح الثقة إلى 14 وزيراً، وبقاء 8 وزارات من دون وزير، يشتد الصراع بين الكيانات على نيل الوزارات الأكثر تمويلاً من الدولة، وهي الدفاع والداخلية، إلى جانب العدل، والتخطيط، والهجرة والمهجرين، والتربية، والتعليم العالي، والثقافة.

ولا يبدو عبد المهدي مسيطراً على الوضع الحالي، فهو بالكاد يحاول الإبقاء على الوزراء الذين باشروا أعمالهم، إذ إن هناك أحزابا، تظن أنها سُلبت حصتها، تحاول إسقاط عدد من الوزراء الجدد، وينطبق ذلك على تيار "الحكمة"، الذي يتزعمه عمار الحكيم، الذي دفع غالبية ماكناته الإعلامية لنزع الثقة عن وزير الشباب والرياضة الجديد، أحمد العبيدي، عبر اتهامه بالتورط بعمليات قتل وتشريد طائفي في 2005 و2006، فيما تتمسك كتلة "عطاء"، حديثة الولادة والمنشقة عن تحالف رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، والمنضوية ضمن تحالف "البناء" بزعامة هادي العامري، بمرشحها فالح الفياض لمنصب وزير الداخلية. والأمر ينطبق على ائتلاف "الوطنية"، بقيادة إياد علاوي، لاغتنام حقيبة الدفاع، كما هو الحال مع كتلة "صادقون"، العائدة لمليشيا "العصائب"، لأخذ حقيبة الثقافة. وهذه الوزارات الثلاث، بحسب مراقبين للشأن المحلي، هي محور الخلاف ونقطة التعقيد في عدم تمرير 8 وزارات في حكومة عبد المهدي، المهددة بالفشل والسقوط بسبب اتباعه نهج "المحاصصة"، أي توزيع المناصب على الأحزاب بحسب الطائفة والقومية.

وتختلف أساليب التهديد التي تعتمدها الأحزاب، التي أيقنت عدم حصولها على أي مكاسب في الحكومة الجديدة، ضد عبد المهدي الذي يبدو ضعيفاً أمام القوى السياسية، إذ لا قوة تحميه منهم ولا كتلة برلمانية تسند ظهره وتهوّن عليه أزمته. وإلى جانب تهديد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، باللجوء إلى المعارضة، هددت أحزاب أخرى باختبار الحكومة الجديدة لمدة 100 يوم، وهو ما بادر به "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي"، المقرب من إيران، إذ أعلن القيادي في المجلس، باقر جبر الزبيدي، أن عبد المهدي "ليس مطلق اليد باختيار وزرائه"، مشيراً، في بيان، إلى أن "للحكومة سقفاً زمنياً مدته 100 يوم لمراقبة وتقييم عملها". وجاء ذلك بعد فشل الزبيدي في الحصول على أي وزارة، إذ إنه عمل جاهداً، في الأسابيع الأخيرة، لنيل وزارة النقل، إلا أن مشروعه لم يلق ترحيباً من الصدر وعبد المهدي وغريمه الحالي عمار الحكيم.

وبحسب مصدر مقرب من مكتب عبد المهدي فإن "الخلافات الحالية بين الكيانات السياسية أعمق مما يتصوره الشعب العراقي". وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "الصدر وضع خطاً أحمر على مرشح تحالف الفتح فالح الفياض لوزارة الداخلية، وقد يعلن الصدر خلال الأيام المقبلة رفض أي مرشح من الفتح الذي يضم فصائل الحشد الشعبي. وقد علم هادي العامري بهذا الأمر، وقد يتوجه لاختيار مرشح غير منضم لتحالف الفتح الذي يتزعمه، وترشيحه إلى جانب الفياض، بمعنى أن الفياض سيكون مجرد اسم لا حظوظ له، وهناك احتمال كبير لبقاء وزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي، في منصبه لدورة ثانية، بعد موافقة الصدر على ذلك". وأضاف المصدر أن "الصدر هو من يقود العملية السياسية الحالية، وهو يرى أن فالح الفياض غير مؤهل لمنصب وزير الداخلية، لأنه مدعوم من إيران ونظام بشار الأسد في سورية"، لافتاً إلى أن "وزارتي الدفاع والثقافة تمثلان أيضاً عقدة الخلاف والتعطيل، فإياد علاوي يدفع إلى اختلاق مشكلات كثيرة وضغوط على عبد المهدي من أجل نيل وزارة الدفاع. أما الثقافة فالعصائب توجهت رسمياً لاختيار بديل عن مرشحها السابق الذي لم يحز على ثقة أعضاء مجلس النواب. كما ستواجه عملية تمرير الوزارات الثماني المتبقية صعوبة".


من جانبه، كشف عضو تحالف "القرار"، طامي أحمد، عن "قيام الأحزاب السنية المتصارعة على وزارة الدفاع بعرض مبالغ مالية فيما بينها، لترك المنصب"، موضحاً أن "كل الأحزاب عرضت على بعضها البعض ملايين الدولارات، لكن دون جدوى، وقد تصل إلى نتيجة خلال الأيام المقبلة مع وصول المبلغ إلى رقم كبير". وأشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "حكومة عبد المهدي لن تدوم طويلاً ولن تكمل السنوات الأربع التي من المفترض أن تكملها، بسبب الفساد الذي ينخرها، فما بني على باطل هو باطل، إذ إن التزوير والفساد شابا الانتخابات، بالإضافة إلى اتهام بعض الوزراء الجدد بالفساد والإرهاب. كل هذا يحدث في الوقت الذي يتصاعد فيه الغضب الشعبي لدى كل المكونات، السنية والشيعية والكردية، من تردي الوضع  الاقتصادي وسوء الواقع الخدمي، ويرى الشعب بعينه الصفقات الفاسدة للأحزاب السياسية والتلاعب بالمال العام. هذا كله يؤكد أن عمر الحكومة الجديدة سيكون قصيراً".

وقال الناب علي البديري إن "عبد المهدي وعد بأن منهاجه الحكومي سيكون بعيداً عن المحاصصة وتوزيع المناصب على الأحزاب بحسب نتائج الانتخابات، وأنه سيعتمد على النزاهة والكفاءة في اختيار الشخصيات العراقية للمناصب الوزارية والحساسة، إلا أن كل هذه الوعود لم تتحقق". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "المحاصصة هي سبب تأخير إعلان باقي أسماء الوزراء في الحكومة الحالية غير المكتملة"، موضحاً أن "عبد المهدي أخفق في تنفيذ وعوده للعراقيين، بل إنه ساهم بتعزيز توسع المحاصصة. فبعد أن كانت بين المكونات العراقية، أصبحت اليوم صراعاً داخلياً بين المكون الواحد". وتابع أن "عملية اختيار الوزراء الجدد مرتبطة بمدى العلاقة الشخصية للحزب السياسي بعادل عبد المهدي، وبالمجاملات، إذ إن من له علاقة أقوى برئيس الوزراء سيكون أقرب لأن يصبح وزيراً"، موضحاً أن "التوقعات كانت تشير إلى أن عبد المهدي سيستعين بتشكيلة وزارية شابة مؤمنة بالإصلاح، لكنه جلّب شخصيات جُربت سابقاً، وفشلت. وأعتقد أنه سيتم خلال الجلسات البرلمانية المقبلة، توزيع الوزارات الشاغرة وفق المحاصصة والمساومات والشراء".

إلى ذلك، رأى المراقب للشأن العراقي المحلي، محمد عماد، أن "سبب تأخير تقديم عبد المهدي ما تبقى من تشكيلته الحكومية يعود للخلافات السياسية على بعض المناصب الوزارية، كما أن هناك خلافات على الأسماء المطروحة، خصوصاً أن تحالف سائرون، المدعوم من الصدر، وضع فيتو على شخصيات معينة مرشحة لوزارات الداخلية والثقافة والتعليم العالي والعدل والتربية". وقال عماد، لـ"العربي الجديد"، إن "عبد المهدي يتعرض إلى ضغوط كبيرة من تحالف الصدر بشأن عدم طرح مرشحين لوزارات معينة، وهذا الأمر يؤخر أيضاً إعلان تكملة تشكيل الحكومة. كما أن القوى السياسية الأخرى تضغط على عبد المهدي لطرح مرشحيها، لكن الأقوى في الضغط هو الصدر وتحالفه، كون الصدر هو من جاء بعبد المهدي لرئاسة الحكومة". وأضاف "الخلاف السياسي ليس على هذه الوزارات فقط، فهناك خلافات أيضاً على وزارتي العدل والهجرة، والحوارات تُجرى الآن لغرض إعطاء وزارة العدل للمكون الكردي، وتذهب الهجرة والمهجرين إلى الأقليات (المكون المسيحي)، كما أن هناك خلافا سنيا – سنيا على حقيبة وزارة الدفاع". وتابع "قضية وزارة الثقافة حلت، وحركة العصائب سحبت مرشحها وقدمت لعبد المهدي مرشحين جدداً من الوسط الثقافي".

المساهمون