انشقاق وزير من حكومة الحوثيين: هل هو مهم فعلاً؟

انشقاق وزير من حكومة الحوثيين: هل هو مهم فعلاً؟

12 نوفمبر 2018
تعددت قراءات الاستقالة (فيسبوك)
+ الخط -

أثار انشقاق وزير في الحكومة التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وتوجهه إلى العاصمة السعودية الرياض، جدلاً واسعاً في الأوساط اليمنية، بين من قلل من الخطوة واعتبر احتفال إعلام التحالف السعودي الإماراتي مبالغاً به، ومن نظر إلى الأمر كخطوة على درجة من الأهمية، من حيث التوقيت على الأقل، إذ تأتي بالترافق مع الضغط الذي تواجهه الجماعة في الساحل الغربي للبلاد، وتواجه معه شبح فقدان السيطرة على مدينة الحديدة الساحلية الاستراتيجية.


وكان وزير الإعلام في ما يُسمى بـ"حكومة الإنقاذ الوطني"، غير المعترف بها دولياً، عبدالسلام جابر، قد أعلن، يوم الأحد الماضي، بشكل مفاجئ، عن انشقاقه، خلال مؤتمر صحافي عقده بمقر السفارة اليمنية بالعاصمة السعودية، بعد أن توارى عن الأنظار في الأسابيع الماضية. وأفادت مصادر قريبة من الحكومة لـ"العربي الجديد"، بأنه تمكن خلالها من التواصل مع مسؤولين في الشرعية والتحالف السعودي الإماراتي للترتيب لمغادرته، كأول وزير - كان يشغل أيضاً منصب المتحدث باسم الحكومة - يتمكن من الإفلات من قبضة الجماعة، وقبله بشهر انشق نائب وزير التربية والتعليم المحسوب على حزب المؤتمر، عبدالله الحامدي.

ومن أبرز ما تحدث به جابر عقب الانشقاق، تبرير موقفه بالعمل مع الحوثيين خلال الفترة الماضية بأنه كان مجبراً، وتوقع المزيد من الانشقاقات في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى الأوضاع التي يعيشها المسؤولون في مناطق سيطرة الحوثيين وأوضاع المؤسسات الحكومية الخاضعة لسيطرة الجماعة، وغيرها من التصريحات، التي بدت على الضد تماماً من آخر تصريحاته المنشورة في صنعاء في الـ13 من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، والتي ندد فيها بـ"الصمت الأممي" على ما وصفه بـ"جرائم الحرب" التي يرتكبها التحالف في محافظة الحديدة.

ولا يعد جابر قيادياً منشقاً عن الحوثيين، إذ إنه عُرف كصحافي وناشط في الحراك الجنوبي، في سنوات سابقة، أصدر صحيفة "القضية" الأسبوعية، التي ترأس تحريرها، وتوقفت عن الصدور منذ سنوات، ثم كان إلى جانب العديد من قيادات ونشطاء الحراك الذين مدوا خيوط علاقاتهم مع إيران، علماً أن أكثر من تيار في الحراك الجنوبي كان قد ارتبط بطهران منذ العام 2009، بمن فيهم نائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض.

ومع بدء "عاصفة الحزم" وحرب التحالف السعودي الإماراتي مطلع العام 2015، حدث شرخ في قيادات الحراك المرتبطة بإيران، بين من يمم وجهته نحو أبوظبي، الداعم الجديد للانفصال في السنوات الأخيرة، ومن بينهم البيض، وتيارات محلية أخرى، وبين من بقي مع طهران وتحالفاتها وتماهى موقفه مع الحوثيين، ومنهم جابر والقيادي في الحراك فادي حسن باعوم.

وفي يناير/كانون الثاني العام الجاري، عين الحوثيون جابر وزيراً للإعلام خلفاً للقيادي في الجماعة أحمد حامد، الذي عُين مديراً لمكتب رئاسة الجمهورية، وجاء تعيين جابر بوصفه أحد الشخصيات الجنوبية التي تمثل الحراك المتحالف مع الجماعة، غير أنه على ما يبدو، بقي في منصبه غير قادرٍ على القيام بالمهام القانونية كوزير للإعلام في حكومةٍ تتحكم فيها قيادات الجماعة، عبر ما يُسمى بـ"المشرفين"، الذين يرجع إليهم القرار في المؤسسات الحكومية الخاضعة للحوثيين إلى حد كبير.

من زاوية أخرى، تأتي أهمية انشقاق جابر من كونه جاء بعد أشهر من استقالة وزير السياحة ناصر باقزقوز، المحسوب هو الآخر على "الحراك الجنوبي"، في حكومة الحوثي، الأمر الذي يمكن أن يعطي مؤشراً على وجود شرخ بين الجماعة وحلفائها الجنوبيين، الذين هم محدودون في الأصل، كما يعطي التطور انطباعاً سلبياً عن قدرة الجماعة على الانسجام بالعمل مع غير المنتمين إليها.

في جانب الشرعية، فجر انشقاق جابر موجة جدل وتعليقات متباينة، تمحورت في رأيين؛ يرى الأول أن الاحتفاء بانشقاق مسؤول في حكومة الحوثيين بعد ما يقرب من أربع سنوات من الحرب، أمر مبالغ فيه، خصوصاً إذا ما كان هذا المسؤول في الأصل من خارج الإطار التنظيمي والعقدي للجماعة، كعبد السلام جابر، المعروف كإعلامي جنوبي من خارج دوائر القرار الفعلية داخل الجماعة.

وذهب الرأي المعارض لجابر والمقلل من أهمية انشقاقه، إلى مهاجمته، وحاول خطف الأضواء، بعد أن قام أحد موظفي السفارة اليمنية بالرياض، ويدعى ناصر السقاف، بقذف جابر، أثناء عقد المؤتمر الصحافي يوم الأحد الماضي، بالحذاء، وهي خطوة لاقت هي الأخرى أصداء بين مستنكر ومدافعٍ، لكنها سجلت هدفاً في مرمى الشرعية، واحتفى بها الحوثيون الذين شمت العديد من نشطائهم على مواقع التواصل بجابر، واعتبروا أن الحذاء كان المكافأة السعودية لمن يفر إلى حضن الرياض. وفي صنعاء، عقد نائب وزير الإعلام التابع للحوثيين، مؤتمراً صحافياً هاجم خلاله جابر، وقال إنه "لم يكن يوما محسوبا على القوى المناهضة للعدوان، بل كان متسلحا بثقافة اللصوصية والفساد".



في المقابل، ذهب الرأي الآخر داخل الشرعية إلى اعتبار انشقاق مسؤول رفيع في حكومة الحوثيين، كان يشغل منصب ناطق باسم حكومتهم غير المعترف بها، خطوة هامة لها العديد من الدلالات السياسية، مشددين على أهمية الاحتفاء بها لتشجيع الراغبين بالانشقاق عن الحوثيين، خصوصاً أن الانشقاق جاء بالترافق مع العمليات العسكرية في الساحل الغربي وما يُوصف بـ"المعركة المصيرية" الهادفة إلى انتزاع السيطرة على مدينة الحديدة.