التمديد لدي ميستورا: محاولة التسويق لإنجاز عبر العملية الدستورية

التمديد لدي ميستورا: محاولة أخيرة لتسويق إنجاز من بوابة العملية الدستورية

12 نوفمبر 2018
يفترض أن يغادر دي ميستورا نهاية الشهر الجاري(فرانس برس)
+ الخط -

تصرّ الأمم المتحدة على تحقيق اختراق في الملف السوري المعقّد، من خلال تشكيل لجنة دستورية من المعارضة والنظام، مهمتها وضع دستور دائم للبلاد، لكن تعنّت النظام أجهض محاولات المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، لتحقيق أي "إنجاز" قبيل مغادرته المفترضة لمنصبه، نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، والتي قال إنها لأسباب شخصية. في موازاة ذلك، تتردّد معلومات، منذ أول من أمس السبت، عن توجّه للتمديد لدي ميستورا لشهر إضافي، أي إلى نهاية هذا العام، بدلاً من نهاية نوفمبر الحالي التي كان حددها المبعوث الأممي لانتهاء عمله، علّه يتمكّن من تحقيق أي تقدّم، بعد أكثر من 4 سنوات على تعيينه في منصبه، الذي اعتبر كثر أنّه خدم من خلاله مصالح النظام السوري وحلفائه، تحديداً روسياً وإيران.

ولم تؤكّد مصادر في المعارضة السورية، تواصلت معها "العربي الجديد"، الأنباء عن تمديد مهمة دي ميستورا، لكنّها أشارت إلى أنّ الأمر متوقّع كي يتابع ما بدأه حول اللجنة الدستورية، كون خلفه النرويجي غير بيدرسِن الذي يفترض أن يتسلم مهام منصبه الجديد في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، يحتاج إلى وقت ليطلع على تفاصيل ما أنجز في العملية التفاوضية.
وكانت شخصيات في المعارضة السورية أبدت خشيةً من أن يأخذ المبعوث الأممي الجديد أشهراً عديدة للتعامل مع القضية السورية، مع ما يترتّب على ذلك من نتائج سلبية على المفاوضات، في ظلّ عدم اتضاح نوايا المبعوث الجديد تجاه الملف، وما إذا كان سيقاربه من زاوية جديدة أم سيبني على مسار دي ميستورا، خصوصاً على صعيد سلال التفاوض الأربع المتمثّلة في الحكم والدستور والانتخابات والإرهاب، والتي بقيت محلّ جدل واسع بدون أن يحقّق الطرفان أي تقدّم في أيّ منها.

من جهته، اعتبر المتحدث باسم "الهيئة العليا للمفاوضات"، يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ التمديد لدي ميستورا (إن تمّ) يتماهى مع ما أعلنته الولايات المتحدة سابقاً، بأنّه يجب تشكيل اللجنة الدستورية قبيل نهاية العام الحالي.

ويتعزّز الاعتقاد بالتوجّه نحو التمديد لدي ميستورا مع التسريبات الإعلامية بشأن حضور المبعوث الأممي لقمة الثلاثي الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار في سورية (تركيا، إيران، روسيا)، المقرّر عقدها في مدينة إسطنبول في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ومن الواضح أنّ التمديد في حال حدوثه، سيأتي في سياق الدفع باتجاه تشكيل لجنة دستورية تضع دستوراً جديداً لسورية وتجري على أساسه الانتخابات. وهي اللجنة التي يحاول النظام إعاقة تشكيلها، لكن يبدو أنّ الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، مصرّ عليها ويضغط لتحقيق ذلك. وكانت "المجموعة المصغرة" حول سورية، التي تضمّ أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والأردن ومصر والسعودية، قد طلبت من دي ميستورا الإسراع في إنجاز استحقاق اللجنة الدستورية.

ويُفترض أن تتألف هذه اللجنة من 150 عضواً، ثلثهم من المعارضة، التي تمثّلها "الهيئة العليا للتفاوض"، وثلث آخر من النظام السوري، والثلث الأخير ممن يختارهم دي ميستورا، على أن يتم اختيار 15 عضواً منهم لصياغة دستور دائم للبلاد.

وكانت المعارضة قدّمت، في يوليو/تموز الماضي، قائمةً بمرشحيها إلى اللجنة الدستورية، وضمّت ممثلين عن مكوّنات "الهيئة العليا للتفاوض" من "الائتلاف الوطني السوري"، و"هيئة التنسيق الوطنية" التي ينظر إليها باعتبارها ممثّلة لمعارضة الداخل السوري، ومنصتي موسكو والقاهرة، والفصائل العسكرية، ومستقلين. كما أرسل النظام قائمةً تضمّ 50 عضواً، مشترطاً أن تكون الأكثرية له، وأن تتّخذ قرارات اللجنة بالإجماع، وألا يضع دي ميستورا الثلث الذي يمثل المجتمع المدني السوري من نظام ومعارضة، وهو ما يقف حجر عثرة أمام تشكيل اللجنة.



وفي آخر زيارة له إلى دمشق، في الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي، سمع دي ميستورا كلاماً واضحاً عن أن مهمته تنحصر في "تسهيل الحوار، وليس اختيار شخصيات وأسماء المتحاورين"، وأن الدستور وكل ما يتصل به "هو شأن سيادي بحت يقرره الشعب السوري بنفسه، بدون أي تدخل خارجي تسعى من خلاله بعض الأطراف والدول لفرض إرادتها على الشعب السوري".

لكنّ مصادر في المعارضة السورية أكّدت، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الأتراك والروس جادون في تشكيل اللجنة الدستورية لوضع دستور جديد لسورية خلال عام 2019، على أن تجرى انتخابات بحلول عام 2020. وأكّدت المصادر أنّ هناك مساعي تبذل من أجل استبعاد رئيس النظام بشار الأسد من الانتخابات المقبلة، التي ستجرى وفق الدستور الجديد.

وتطالب المعارضة السورية بأن تكون أعمال اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة، جزءاً لا يتجزأ من العملية الدستورية المتكاملة، وتصبّ نتائجها في صالح المسار التفاوضي من العملية السياسية. كذلك، تميل المعارضة إلى اعتماد نظام مختلط أو برلماني، تكون له اليد الطولى في رسم السياسات الداخلية والخارجية، بحيث لا يكون الرئيس مطلق الصلاحية كما هو حاصل الآن، إذ تتركز كل السلطات بيده، ويمكنه التدخّل في القضاء. في المقابل، يتمسّك النظام بدستور وضعه في عام 2012، ويبدي مرونة في تعديل بعض المواد التي لا تؤثّر على جوهر هذا الدستور الذي ترفضه المعارضة وتصرّ على وضع دستور جديد يؤسس لمرحلة جديدة للبلاد.

من جهته، رأى فراس الخالدي، رئيس منصة القاهرة في المعارضة السورية والمنضوية ضمن "هيئة التفاوض"، أنّ "هناك اليوم سباقاً محموماً أو تنافساً واضحاً بين محورين فيما يخص العملية الدستورية"، موضحاً أنّ المحور الأول يريد عقد أول جلسة دستورية وإطلاق العملية السياسية، وهو محور المجموعة المصغرة. أمّا المحور الثاني، فهو يحاول أن يطيل الأمر ويبعد شبح العملية السياسية، كونه غير قادر، كما يبدو، على جلب النظام للطاولة في ظلّ عدم موافقة إيرانية، وغياب اَي مصلحة للنظام في العملية السياسية، خصوصاً وهو يعتبر نفسه منتصراً عسكرياً.

وأضاف الخالدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الروس أمامهم تحدّ واضح وهو حضور النظام للمفاوضات التي حاول الاحتيال عليها عبر المماطلة أو إغراقها في التفاصيل، كما قال وزير خارجيته، وليد المعلم، أكثر من مرة"، مشيراً إلى أنه "بعد تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد القمة الرباعية في إسطنبول، بأنّ اللجنة الدستورية يجب أن تعقد قبيل نهاية العام الجاري، أصبح الأمر ضاغطاً على النظام، ولكن متى يستجيب أو متى يقرر الجانب الروسي أنه يجب أن يستجيب، هذا كله يخضع لاتفاقات أميركية روسية من جهة، وروسية إيرانية من جهة أخرى". وأكّد الخالدي أنّ "المعارضة ترفض محاولة النظام الهيمنة على اللجنة الدستورية"، مضيفاً أنّ "غياب التوازن في اللجنة يعني فشل العملية الدستورية، وبالتالي غياب اَي آفاق للحل السياسي في سورية".