لبنان: باسيل يعاكس أجواء التفاؤل بحلّ أزمة تأليف الحكومة

لبنان: باسيل يعاكس أجواء التفاؤل بحلّ أزمة تأليف الحكومة

06 أكتوبر 2018
بدا باسيل كأنه يغرد عكس الجو الإيجابي (حسين بيضون)
+ الخط -

ما إن أنهى رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري مقابلته على إحدى محطات التلفزة المحلية مساء الخميس الماضي، التي تحدث فيها بإيجابية مطلقة عن مساعي تأليف الحكومة واقتراب "الفرج"، حتى عاجله وزير الخارجية جبران باسيل بموقف أطاح كل الجو الإيجابي، وإن لم يطح مساعي الحريري.

وقبل ساعات من صدور موقف باسيل، كانت الأجواء بمعظمها في لبنان ترجح إتمام عملية تأليف الحكومة في الأيام المقبلة. إيجابية الحريري، واللقاء الأخير مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وكذلك تنازل الأخير عن منصب نائب رئيس الحكومة لصالح "القوات اللبنانية"، وليونة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، كانت كلها عوامل تؤكد أن استنتاج الأغلبية السياسية في لبنان قرب التأليف حقيقة هذه المرة، بخاصة مع دخول "حزب الله" على خط الضغط من أجل تسهيل مهمة الحريري، ما طرح أكثر من علامة تعجب حول مواقف باسيل.

ولا تزال الإيجابية، على الرغم من السلبية التي اتسم بها موقف باسيل، وإعادته فتح النقاش في الأوزان الحكومية، تطغى على الأوساط المحيطة بالحريري، التي تعيد هذه الإيجابية إلى جملة من الملاحظات التي رصدت في الآونة الأخيرة، أولاها اللقاء الأخير مع عون وما اتسم به من إيجابية، وخصوصاً أن معضلة نيابة رئيس الحكومة حلت بتنازل من عون شخصياً، ما يعني أنه بات اليوم مستعداً للتنازل على عكس الفترة الماضية التي شهدت تصعيداً ورفضاً غداة طرح الحريري مسودة حكومية، قوبلت بالرفض.

أما العامل الثاني فهو دخول "حزب الله" لأول مرة على خط الدفع باتجاه تسهيل مهمة الحريري، الذي برز في جلسة تشريع الضرورة عندما تحدث رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد عن ضرورة إقرار القوانين المتعلقة بـ"سيدر" (المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد اللبناني)، كما برز في الزيارة الأخيرة للكتلة برئاسة رعد لبعبدا، واللقاء مع عون الذي تخلله استفاضة في الملف الحكومي. وخلال الحوار التلفزيوني الأخير للحريري، تحدث بإسهاب عن الوضع الاقتصادي والليرة ومؤتمر "سيدر"، كما عن خطورة الوضع وضرورة تأليف حكومة سريعاً لإنقاذ الوضع. هذه القراءة تحديداً تقول مصادر "العربي الجديد" إنها تتقاطع كلياً مع قراءة "حزب الله"، الذي يضيف إليها المخاوف من انعكاس العقوبات الأميركية المقبلة ضد إيران، وكذلك التهديدات الإسرائيلية المتكررة.

كل هذا الجو بدا باسيل كأنه يغرد عكسه، ليبقى السؤال مرتبطاً بأسباب موقفه المتشنج، وسط من يقول إن الجو لم ينضج بعد لتأليف الحكومة لأسباب خارجية، وبين من يقول إن هذا التصعيد لا يعدو كونه محاولة تناتش حكومي، يحاول عبره باسيل أن يؤكد أنه الرقم الأصعب على الساحة السياسية، لكن الأكيد أن مواقف باسيل بدت بعيدة كلياً عن إيجابية عون و"حزب الله" والحريري.

عموماً، وعلى الرغم من مواقف باسيل ورد "القوات اللبنانية"، تبدو الأوساط المطلعة على مسار التأليف متمسكة بالتفاؤل الذي عبّر عنه الحريري، وبمهلة العشرة أيام التي تحدث عنها، والتي بقي منها 8 أيام، بانتظار عودة حركة الاتصالات واللقاءات التي تجمدت بعد موقف باسيل، بحثاً عن إيجابيات ومحاولة لاستيضاح أسباب التصعيد.

لكن عملياً يبدو أن الساعات المقبلة ستحمل تحركاً على أكثر من صعيد، وخصوصاً من الحريري الذي سيطلق جولة أخرى من المباحثات ستشمل "القوات" و"التقدمي الاشتراكي" و"المردة"، وكذلك باسيل الذي يستعد لمغادرة لبنان مساء الأحد، في جولة تقوده إلى الدول الخليجية لتسليم ملوكها وأمرائها دعوات للمشاركة في القمة العربية التنموية الاقتصادية الاجتماعية في يناير/ كانون الثاني المقبل.

وبناءً على هذه اللقاءات، سيعود الحريري إلى قصر الرئاسة في بعبدا إن نجحت مساعيه، قبل الأربعاء المقبل، ليضع عون في صورة التطورات أو حاملاً معه مسودة حكومية جديدة، قبل أن يغادر عون إلى قمة الدول الفرانكوفونية في العاصمة الأرمينية يريفان، وإن بدت الصورة قاتمة فستكون الزيارة بعد عودة عون، على الرغم من أن مهلة الأيام العشرة التي تحدث عنها الحريري تكون دخلت في ساعاتها الأخيرة.

وعلى الرغم من إجماع أوساط أغلب الفرقاء اللبنانيين على وصف مؤتمر باسيل بأنه سلبي، وكاد أن يطيح مساعي الحريري، ثمة من قرأ في مواقف جنبلاط الأخيرة مؤشراً جدياً في سياق الحل المنشود، إذ على الرغم من تعبير أكثر من قيادي في "الحزب الاشتراكي" عن الاستياء من مواقف باسيل، غرد جنبلاط داعياً إلى "دراسة معمقة وتدقيق موضوعي" في العرض الأخير الذي قدمه باسيل، "من دون إسقاط أهمية الطرح الذي قدمه الحريري​، مع الأخذ في الاعتبار أن عامل الوقت ليس لصالحنا في التأخير، الأمر الذي يصر عليه وينبه من خطورته بري​ ونشاركه القلق والقلق الشديد".

ويبدو أن مواقف جنبلاط لا تخرج عن سياق محاولات الدفع والتسهيل، والترويج لضرورة تنازل جميع الفرقاء، وهو ما فسر على أنه نظرة إيجابية لمواقف باسيل خصوصاً أنه تحدث أيضاً عن التسهيل والتنازل من الجميع، ما يفتح عملياً ثغرة يمكن للحريري البناء عبرها لدفع الجميع إلى خانة تقديم التنازلات.

ساعات قليلة تظهر خلالها حقيقة المشهد، فإما عودة إلى الإيجابية وإما مغادرة رئيس الجمهورية إلى القمة الفرنكوفونية بلا حكومة، لتعلق مجدداً المساعي على حبال الآمال، وسط غموض يلف أسباب العرقلة والتأخير، خصوصاً أن أحداً لا يبدو مقتنعاً بأن المحاصصة والتناتش بين الفرقاء هو ما يؤخر عملياً التأليف، كما أن حجة الجو الإقليمي لم تعد تلقى صدى، وخصوصاً ما بعد الحلحلة التي شهدتها الساحة السياسية العراقية مؤخراً، على الرغم من التصعيد الأميركي ــ الإيراني.