كوبر الفلسطينية... حاضنة شعبية للمقاومة

كوبر الفلسطينية... حاضنة شعبية للمقاومة

06 أكتوبر 2018
تصدى الأهالي للاحتلال الذي حاول إغلاق القرية(عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -

يحاول الاحتلال الإسرائيلي، بالتهديد والوعيد، أن يكسر التكاتف الشعبي في قرية كوبر الفلسطينية، التي قدم أهلها يد العون لعائلة الشهيد محمد دار يوسف، منفذ عملية الطعن في مستوطنة "آدم" شرق مدينة القدس المحتلة في 28 يوليو/تموز الماضي. وضمن سياسة العقاب الجماعي هدمت قوات الاحتلال منزل دار يوسف الشهر الماضي، لكن أهالي القرية سرعان ما تضامنوا مع عائلته، وأمنوا لهم منزلاً وكامل الحاجيات، ليشكلوا حاضنة شعبية للمقاومة والرفض الشعبي للاحتلال وإجراءاته العسكرية. وحاول ضباط في استخبارات الاحتلال الضغط على الأهالي بالتهديد والسجن والاعتقال وتخريب منازلهم، لكن هذا لم يردع الأهالي عن التضامن مع عائلة الشهيد، وعزمهم على تنفيذ حملة لجمع التبرعات وبناء منزل للعائلة لاحقاً.

وتقع كوبر في الشمال الغربي لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، وتبلغ مساحتها نحو 12 ألف دونم، سبعة آلاف منها مصنفة، بحسب اتفاقية أوسلو الموقعة بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال، "سي"، أي لا صلاحية إدارية للمجلس القروي هناك. وما تبقى هي أراضٍ مصنفة "بي" وتتبع إدارياً للمجلس القروي وأمنياً لجيش الاحتلال الإسرائيلي. وشكل ستة آلاف شخص، يعيشون في القرية، حاضنة شعبية للفكر المقاوم للاحتلال والاستيطان، ما أفشل كل محاولات جيش الاحتلال لكسر تلك الحاضنة الشعبية من خلال فرض إجراءات عسكرية مشددة على القرية، والتي باءت جميعها بالفشل لكون أهالي كوبر يتمتعون بروح المقاومة الشعبية الرافضة لتلك الإجراءات.

لا يوجد مستوطنات مقامة على أراضي القرية، لكنها تحيط بها من كل الاتجاهات. وإحدى تلك المستوطنات هي "حلميش" القريبة من قرية النبي صالح المجاورة، وهي المستوطنة التي نفذ فيها عمر العبد عملية طعن بعد أن اخترق كافة الاحتياطات الأمنية، وقتل ثلاثة مستوطنين في يوليو/تموز 2017 في ذروة أحداث نصب البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى. ويشير رئيس المجلس القروي في كوبر، عزات بدوان، لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه العملية فاجأت الاحتلال الإسرائيلي، موضحاً أنه من هول الصدمة حاول فرض إجراءات عسكرية مشددة على القرية وفرض حصار عليها، وكذلك هدم منزل  عمر العبد، الذي أسر بعد إصابته، وفرض غرامة مالية كبيرة على أفراد عائلته، إضافة إلى الحكم عليه بالسجن المؤبد أربع مرات في محاولة لردع الفكر المقاوم لدى أهالي القرية، لا سيما الشبان منهم.


هذه المحاولة فاشلة بكل المقاييس، يوضح عزات وهو أسير سابق أمضى في سجون الاحتلال نحو سبع سنين، فحصار القرية تم التصدي له من قبل شبان وأهالي القرية الذين شكلوا حالة شعبية خاصة حضنت كل أشكال التصدي لقوات الاحتلال، وكذلك تم رفض الحصار وفتح الطرق فوراً. ويضيف "كوبر لم ولن تقبل الحصار". وجمع أهالي كوبر عن طريق التبرعات من بعضهم البعض، الغرامة المالية التي فرضتها سلطات الاحتلال على الأسير عمر العبد كتعويضات لعائلات المستوطنين القتلى، وكذلك تبرعوا بقطعة أرض بغرض بناء منزل جديد للعائلة بدل الذي هدمته قوات الاحتلال ضمن إجراءات العقاب. ولم تؤد كل الإجراءات القمعية للاحتلال إلى كسر عزيمة الشبان على الوقوف بوجهه، إذ خرج، في 27 يوليو/تموز الماضي، محمد طارق دار يوسف (17 سنة) باتجاه مستوطنة "آدم" المقامة على أراضي الفلسطينيين قرب مدينة القدس المحتلة، ونفذ عملية فدائية مشابهة لعملية الأسير عمر العبد، وقتل مستوطناً وأصاب اثنين طعناً قبل استشهاده برصاص الاحتلال. ويظهر هذا الأمر عجز الاحتلال الإسرائيل عن ردع الحالة المقاومة التي يشب عليها أهالي القرية. وأوضح بدران أن كوبر قدمت، على مدار سنوات الاحتلال، قيادات للثورة الفلسطينية، وسبعة شهداء، آخرهم دار يوسف، وعددا كبيرا من الأسرى، 15 منهم في المعتقلات، من أبرزهم الأسير القائد نائل البرغوثي، الذي يطلق عليه الفلسطينيون اسم عميد الأسرى إذ إنه يقبع في سجون الاحتلال منذ العام 1978، والقائد مروان البرغوثي المحكوم بالسجن المؤبد خمس مرات منذ العام 2002، إضافة إلى الأسير هلال دار يوسف المتهم بالشروع في عملية قتل الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي، بدايات الانتفاضة الثانية.

وخرج من كوبر عدد من الفدائيين الذين شنوا عمليات ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه، وهو ما يعتبر إرثاً للمقاومة في القرية التي لم تتوقف منذ زمن بعيد عن تلك العمليات، وهذا نضال من أجل الأرض يدعمه أهالي القرية ويشكلون حاضنة شعبية له وفق رئيس المجلس القروي، الذي عايش فترات تصدٍ كثيرة للاحتلال برفقة أهالي قريته. ويقول بدوان إن "كوبر لها تاريخ مقاوم كبير في هذا المجال، سواء في الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية، وحتى الهبات الشعبية التي تتواصل حتى اليوم. وقبيل الانتفاضتين ضمت كوبر عدة قيادات للمقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومقاتلين في الثورة الفلسطينية، والمقاومة في القرية يتم نقلها من جيل إلى جيل، وكل جيل يأتي يحب الوطن أكثر، وتزيده إجراءات الاحتلال إصراراً على المقاومة والتصدي مدعوما بترابط شعبي كبير". وشكلت قرية كوبر سابقة شعبية نادرة الحدوث في الضفة الغربية المحتلة، إذ تصدى الأهالي، خصوصاً الشبان، بالحجارة والزجاجات الحارقة لآليات الاحتلال التي حاولت إغلاق القرية، وقدموا إسناداً لعائلة الشهيد دار يوسف، وفتحوا الطرق التي أغلقتها جرافات الاحتلال بعد نصف ساعة من الإغلاق. ونجح أهالي كوبر في رفع الحصار عنهم، فيما فشل الاحتلال الإسرائيلي في كسر عزيمة أهالي القرية التي تضم نسبة كبيرة من الموظفين والشبان المتعلمين والعمال والحرفيين الذين لا يعتمدون في حياتهم على العمل عند الاحتلال، فيما يحاول البقية إعادة الزراعة إلى القرية التي شكلت أسطورة شعبية في التصدي للاحتلال الذي يحاول قدر الإمكان أن يقتل روح المقاومة عند الجيل الجديد.