جريمة خاشقجي: أصابع الاتهام تتجه لبن سلمان

جريمة خاشقجي: أصابع الاتهام تتجه لبن سلمان

25 أكتوبر 2018
تتواصل التحقيقات التركية في الجريمة (محمد أنس يلدريم/الأناضول)
+ الخط -


تزداد الضغوط على السعودية، تحديداً ولي العهد محمد بن سلمان، على الرغم من جميع المحاولات المبذولة للنأي به عن جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وبدأت تظهر معالم مرحلة أميركية – أوروبية جديدة من التعاطي مع الجريمة بما في ذلك انتقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحديث عن احتمال تورط بن سلمان مباشرة على اعتبار أن "ولي العهد يدير الأمور في هذه المرحلة، وإن كان مِنْ متورط في القتل فسيكون هو"، وتأكيد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في رسالة داخلية بالبريد الإلكتروني أرسلت إلى العاملين بالوزارة أن الولايات المتحدة تريد وضوحا تاماً بشأن ما حدث بالضبط في واقعة خاشقجي. يضاف إلى ذلك انطلاق أولى العقوبات ضد المتورطين في الجريمة، وإن كانت في حدها الأدنى، وبروز توجه أوروبي للسير على النهج نفسه بعد إعلان بريطانيا عن عقوبات مماثلة، بالتزامن مع دعوات أوروبية لإجراء تحقيق دولي مستقل في الجريمة وبدء العديد من الدول وقف أو مراجعة مبيعات الأسلحة للرياض.

لكن بن سلمان بدا غير مكترث، على الأقل ظاهرياً، بكل ما يجري، بما في ذلك التقارير التي تتحدث عن ضرورة إبعاده عن السلطة بعدما تحول إلى عبء، إذ استغل أمس مشاركته في مؤتمر قمة الاستثمار الذي تستضيفه العاصمة السعودية الرياض تحت عنوان "دافوس الصحراء"، والذي شهد انسحابات من شركات عديدة على خلفية موت خاشقجي. للحديث لأول مرة عن الجريمة قائلاً إن ما جرى مع خاشقجي "حادث بشع غير مبرر"، مضيفاً "المملكة تقوم باتخاذ كل الإجراءات للتحقيق واكتمال التحقيقات بالتعاون مع تركيا للوصول لنتائج وتقديم المذنبين للعدالة". وتابع "بلا شك التعاون بين تركيا والسعودية مميز ونعرف أن الكثير يحاول استغلال هذا الظرف المؤلم لإحداث شرخ بيننا وتركيا، وأريد ان أرسل لهم رسالة، لن يستطيعوا عمل ذلك طالما موجود ملك اسمه سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان في السعودية ورئيس في تركيا اسمه رجب طيب أردوغان"، مختتماً بالقول "سنثبت للعالم أن الحكومتين متعاونتان لمحاكمة أي مجرم، وفي النهاية ستظهر العدالة". وجاءت تصريحات بن سلمان، بعد وقت قصير من إعلان الرئاسة التركية، أنه تباحث هاتفياً، بطلب منه، مع الرئيس التركي بشأن قضية خاشقجي.

وكان أردوغان، اختار أمس الأربعاء، لليوم الثاني على التوالي، التأكيد أن تركيا لن تدع المسؤولين عن قتل خاشقجي يفلتون من العدالة بدءاً ممن أمروا بقتله وانتهاء بمن نفذوا. أكد أردوغان أن تركيا ستعلن عن الأدلة الجديدة التي يتم التوصل إليها حول مقتل خاشقجي، للرأي العام العالمي، بشكل فوري، لافتاً إلى أن البعض لم يشعر بارتياح إزاء عرضه أدلة متعلقة بالتحقيقات أثناء خطابه أول أمس الثلاثاء، فيما كان مستشاره، النور جيفيك، يشير بأصابع الاتهام بشكل مباشر إلى بن سلمان، بقوله إن يدي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "عليهما دماء" خاشقجي.

وتتفق قراءات عدة على أنّ تركيا، من خلال المواقف الرسمية التي تتخذها، وتحديداً التي يطلقها أردوغان، تريد تجنب المواجهة مع السعودية والعمل من قرب مع الملك سلمان مع إبقاء الضغط على ولي عهده ونجله الأمير محمد بن سلمان.
وفي السياق قال الباحث في المعهد الفرنسي لدراسات الأناضول، جان ماركو لوكالة فرانس برس، إنه "بالنسبة لأردوغان، فإن (السعوديين) لا يزال يتعين عليهم الإجابة عن سؤالين: أين الجثة؟ ومن الذي أرسل الفريق (المكون من 15 سعودياً لقتل الصحافي)؟ وهذان السؤالان يستهدفان الأمير محمد بن سلمان أكثر من الملك سلمان".
من جهته، قال مدير المركز العربي في واشنطن، خليل جهشان، لفرانس برس، إن أردوغان يريد تجنب أي إجراء قد يؤدي "لإحراق جسوره" مع الرياض. وتابع أنّ "العلاقة مهمة له خصوصاً على المستوى الاقتصادي وبوجود استثمارات سعودية مهمة في الاقتصاد التركي، واستثمار مستقبلي تأمل فيه حكومة أردوغان". وأوضح جهشان أنه على الرغم من أن خطاب أردوغان أول من أمس لم "يأتِ بأي شيء جديد"، فإن تصريحاته وضعت ما هو معروف بالفعل في "شكل متماسك". وأضاف "لقد كان نوعاً من الضغط على السعوديين للقيام بدورهم". من جهته، قال الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سونر كاغابتاي، إن إردوغان "لا يريد قطيعة مع الملك السعودي" ويرغب في "إعطاء فرصة إضافية لجهود" الوساطة التي تقوم بها واشنطن.

في موازاة ذلك، أفادت صحيفة صباح المقربة من السلطة التركية، أمس الأربعاء أن أجهزة الاستخبارات التركية أطلعت مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه) جينا هاسبل على العناصر التي جمعتها في إطار التحقيق في قتل خاشقجي خلال زيارتها تركيا. وقالت الصحيفة إن الجهاز التركي عرض على مديرة السي آي إيه "مشاهد فيديو وتسجيلات صوتية، والعناصر التي تم الحصول عليها خلال تفتيش القنصلية العامة ومنزل القنصل السعودي" في إسطنبول.


وبينما تتواصل التحقيقات التركية، قالت وكالة الأنباء الرسمية في تركيا إن المسؤولين السعوديين لم يسمحوا للمفتشين الأتراك بتفتيش بئر في حديقة القنصلية السعودية بإسطنبول، قبل أن تشير قناة "أن تي في" التركية بعد ذلك بوقت قصير إلى أن المحققين الأتراك حصلوا على إذن من السلطات السعودية لتفتيش البئر في حديقة قنصلية المملكة في إسطنبول. في موازاة ذلك، ذكرت وكالة الأناضول أن التحقيقات التي تجريها النيابة العامة التركية في جريمة خاشقجي، أظهرت قيام سيارة تحمل لوحة دبلوماسية تابعة للقنصلية السعودية بإجراء جولة استكشافية في غابة بلغراد (بإسطنبول) قبل الجريمة. وتظهر التسجيلات أن مسؤولين في القنصلية قاموا مساء يوم 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، باختبار إمكانية دخول حافلة صغيرة تحمل لوحة دبلوماسية من بوابة الحديقة إلى الداخل.

ويبدو أن المعلومات التي حصلت عليها الإدارة الأميركية من تركيا تفسر في جزء منها التحول في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي السياق قال ترامب في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، أمس الأربعاء، إن واشنطن حصلت على قدر كبير من المعلومات، وإنها الآن أصبحت تعلم كل شيء تمكن معرفته حول مقتل خاشقجي.
وكان ترامب رجح الثلاثاء في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، تورط محمد بن سلمان. وبينما قال ترامب إنه مقتنع بأن الملك سلمان لم يكن يعلم عن عملية القتل مسبقاً، رد على سؤال حول احتمال تورط محمد بن سلمان، قائلاً "حسنا، ولي العهد يدير الأمور في هذه المرحلة، وإن كان من متورط في القتل فسيكون هو". كما اعتبر ترامب أن السعوديين "كان لديهم مخطط أصلي سيئ للغاية، وتم تنفيذه بطريقة رديئة، وعملية التستر كانت الأسوأ في تاريخ هذا النوع من العمليات". وأضاف أن عمليتي القتل والتستر تشكلان "إخفاقا تاما". وتهرب ترامب من الرد على أسئلة عن أي قرارات مقبلة، لكنه حرص على أن يؤكد إلى أي حد تشكل الرياض "حليفا رئيسيا، فيما عقد أمس اجتماعاً مع فريقه.
بدوره، قال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إن وفاة خاشقجي "لن تمر بدون رد أميركي". من دون أن يوضح ماهية الرد الأميركي المحتمل إزاء قضية خاشقجي. 
وفي السياق قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في رسالة داخلية بالبريد الإلكتروني أرسلت إلى العاملين في الوزارة، اطلعت عليها رويترز أمس الأربعاء "نرى بالفعل خطوات من السعودية تعكس محاسبة جدية لكننا لن نشعر بالرضا قبل أن نحصل على وضوح تام بشأن ما حدث بالتحديد".

وجاءت الرسالة بعد يوم من إعلان وزير الخارجية بومبيو أن ادارة ترامب تقوم بإلغاء تأشيرات بعض المسؤولين السعوديين المتورطين في وفاة خاشقجي. وتعد مسألة إلغاء التأشيرات أول إجراء عقابي تتخذه الإدارة ضد السعوديين. بدورها قالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي، أمس الأربعاء، أمام البرلمان "إن وزارة الداخلية تتخذ تدابير ضد جميع المشتبه بهم لمنعهم من دخول المملكة المتحدة"، مضيفة "إن كان هؤلاء الأفراد يحملون تأشيرات دخول، فسيتم إلغاؤها اليوم"، مشيرة إلى أنها ستتحدث مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز.
ورفضت ماي مرة جديدة رواية الرياض لقتل خاشقجي، قائلة إن "التأكيد على أن خاشقجي قتل خلال شجار ليس تبريراً ذا مصداقية، وثمة بالتالي ضرورة ملحة لإثبات ما حصل بهذا الصدد". وسئلت عن مبيعات الأسلحة البريطانية للمملكة، فقالت إن سياسات التصدير "قيد الدرس".

دولياً أيضاً، أعلن وزير خارجية جمهورية التشيك توماس بيتريسيك أن بلاده ستسحب أحد دبلوماسييها من سفارتها بالسعودية، رداً على مقتل خاشقجي. من جهته، طالب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أمس الأربعاء، بتوضيح ملابسات "الاغتيال المثير للصدمة" "أيا كان منفذه". وأضاف "إنها جريمة رهيبة إلى حد أن أي أثر للنفاق سيجعلنا نشعر بالعار"، داعياً النواب الأوروبيين إلى الحرص على أن "تمتنع أوروبا والدول الأعضاء أو المؤسسات" عن أي موقف مبهم في هذه القضية. وتابع: "ليس من مهامي أن أقول من يريد حماية مصالح من هنا"، بدون إعطاء المزيد من التفاصيل.

في موازاة ذلك، بات مؤكداً أن جريمة خاشقجي ستؤثر على مبيعات الأسلحة إلى السعودية. وفي السياق، قال وزير الدفاع الأسترالي كريستوفر باين، خلال مؤتمر صحافي مع نظيرته الألمانية أورسولا فون دير لاين، أمس الأربعاء، إن بلاده تدرس حظر بيع الأسلحة إلى السعودية. بدورها، قالت الوزيرة الألمانية "لا يمكنني سوى التحدث باسم الحكومة الألمانية. لقد جمدت الحكومة الألمانية أي نوع من الصادرات العسكرية إلى السعودية على خلفية مقتل خاشقجي".  أما فرنسا فقالت إنه "في حال ثبتت مسؤولية السعودية سنستخلص عندها النتائج ونتخذ تدابير عقابية"، فيما دافع رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي بيدرو سانشيز أمس الأربعاء عن بيع الأسلحة للرياض على الرغم من إدانته جريمة تصفية خاشقجي.

في غضون ذلك، علق الرئيس الإيراني حسن روحاني على الجريمة للمرة الأولى بعد دخول القضية أسبوعها الرابع بالقول إن المملكة العربية السعودية تتحمل مسؤولية الجريمة التي وصفها بالمروعة والصادمة، معتبراً أن هذا الفعل الجريء لم يكن ليحدث دون دعم وحماية أميركية. ووصف روحاني الحكم في السعودية بالقبلي الذي يعتمد على قوته لتبرير جرائمه.

في هذه الأثناء، تتفق آراء عدة لمسؤولين في المنطقة ومراقبين لتطور تداعيات الجريمة، على أن الجريمة ينتظر أن تستتبع تداعيات عدة على المملكة والمنطقة تماماً مثلما أن مستقبل ولي العهد السعودي بات على المحك. ورأت الصحافية الأميركية الخبيرة بالشأن السعودي كارين إليوت هاوس في مقال نُشر بصحيفة وول ستريت جورنال أن نهاية ولي العهد السعودي ستكون أشبه بمصير الإمبراطور الروماني الشاب كاليغولا، الذي عُرف بجنونه وطغيانه.

من جهتها، قالت وكالة أسوشييتد برس إن مقتل خاشقجي في إسطنبول "على يد عملاء يعتقد بأنهم مقربون من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، دفع الأمير الشاب لينضم الى هذا البانثيون العنيف عديم الرحمة" الذي ينتمي إليه أبناء العديد من طغاة الشرق الأوسط . كما عنونت صحيفة التايمز افتتاحيتها بـ"الأمير المزعج"، مشيرة إلى أن بن سلمان أضحى مركز الدراما التي تشكل خطورة بأن تتصاعد لتصبح أزمة جيوسياسية. وبينما أشارت إلى أن فريق الاغتيال أجرى مكالمات هاتفية من القنصلية السعودية مع الرياض فور انتهاء الجريمة، لفتت إلى أن تسريبات وسائل الإعلام التركية لا تترك أي شك بأن محمد بن سلمان أمر بقتل جمال خاشقجي. ورأت الصحيفة أن هذه الأزمة تهدد بعدم الاستقرار بين السعودية والغرب، معتبرة أن المخرج الوحيد من هذه الأزمة يتمثل بتنحي ولي العهد السعودي عن منصبه".